fbpx
أخر الأخبار

وفاة صاحب “مذهب ابن آدم الأول”.. من هو المفكر السوري جودت سعيد؟

مرصد مينا – بروفايل

توفي فجر اليوم الأحد المفكر الإسلامي ورجل الدين السوري الشيخ جودت سعيد، في مقر إقامته بتركيا، عن عمر يناهز 91 سنة.

لجودت سعيد العديد من المؤلفات التي تناولت مواضيع وأبحاثاً فكرية واجتماعية، أبرزها “حتى يغيروا ما في أنفسهم”، و”كن كابن آدم”، كما يعتبر “جودت سعيد” الذي يتحدث اللغتين العربية والشركسية من أبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين، الذين يشكلون امتداداً لمدرسة المفكرين الإسلاميين الكبار، أمثال الأستاذ مالك بن نبي ومحمد إقبال.

ولد الشيخ جودت سعيد في قرية “بئر عجم” التابعة لقرى الجولان في محافظة القنيطرة جنوبي سوريا عام 1931، وهو من أصول شركسية، ويتحدث اللغة الشركسية إلى جانب العربية.

درس جودت سعيد الابتدائية في القنيطرة، ثم أرسله والده إلى مصر لاستكمال دراسته في “الأزهر الشريف” 1946، وهناك أتم المرحلة الثانوية، ثم التحق بكلية اللغة العربية ليحصل على إجازة في الأدب العربي منها.

عُين سعيد بعد أستاذاً في ثانويات دمشق مدرساً للغة العربية، وما لبث أن اعتقل لنشاطه الفكري منذ تسلّم حزب البعث للسلطة بعد انقلاب آذار عام 1963، وتكررت الاعتقالات أكثر من مرة، ورغم صدور قرارات بنقله إلى مختلف مناطق سوريا فإنه لم يترك مجال التدريس إلا بعد أن تم اتخاذ قرار بصرفه من عمله في نهاية الستينيات.

في عام 1967 احتلت إسرائيل قريته في الجولان، فانتقل إلى دمشق للعيش فيها، وهناك نشط بشكل أكبر وذاع صيته، وبعد زوال الاحتلال الإسرائيلي عن قريته بموجب اتفاقية فصل القوات بين النظام السوري وإسرائيل عام 1974 عاد إليها وظل هناك يمارس نشاطه في الزراعة وتربية النحل إلى جانب نشاطه الفكري، حتى قيام الثورة السورية في آذار 2011.

تأثر جودت سعيد بشكل أكبر بكتابات المفكر الباكستاني الشهير محمد إقبال، وعلى نحو متزايد بالمفكر الجزائري مالك بن نبي (1907 – 1973) أحد أبرز مفكري العالم الإسلامي في القرن العشرين، من خلال بعض كتبه مثل “شروط النهضة” و”الظاهرة القرآنية”، وحظي بلقائه قبل مغادرته مصر في نهاية الخمسينيات. وعن كتاب شروط النهضة قال جودت سعيد: “قرأته 40 مرة، ودرسته سطراً سطراً 7 مرات”.

دعا الشيخ جودت سعيد إلى اللاعنف في كتابه الأول الصادر منتصف الستينيات بعنوان “مذهب ابن آدم الأول.. مشكلة العنف في العالم الإسلامي”، حيث ناقش فيه مبدأ اللاعنف وجذريته بالإسلام، معتقداً أن “التوحيد مسألة سياسية اجتماعية، وليس مجرد قضية غيبية ميتافيزيقية إلهية”، بمعنى أن توحيد الله في السماء، يعني المساواة بين البشر على الأرض، فيساوي بين العبارات الثلاث في الآية القرآنية الكريمة: (ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله).

كما ركّز في كتابه على مسألة الزيادة في الخلق التي رأى أنها تقوم على قاعدة أن العالم لم يُخلق وانتهى، بل هي مرتبة وجود الشيء كقانون وسنّة حتى قبل وجود العالم بالفعل.

ويُعتقد أن جودت سعيد كان يطرح فكراً إسلامياً مختلفاً عن السائد خصوصاً بما يتعلق بـ “العنف” من خلال محاضراته في جامع “المرابط” في دمشق، ومن خلال أول كتبه المنشورة حيث رد على اتجاه الإخوان المسلمين في ممارسة العنف السياسي والتي أخذت بالتصاعد منذ ستينيات القرن الماضي حتى بداية الثمانينيات.

وقد بيّن جودت سعيد في كتابه الفروق بين الجهاد في مرحلة بناء الدولة، وبين الجهاد بعد ذلك، وكان هذا في معرض رده على بعض الشبه المثارة حول فكرة اللاعنف وتناقضها مع الجهاد بمعنى القتال، وهو ما ثبت أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد مارسه في أثناء دعوته. ويأتي الجهاد في مرحلة بناء الدولة أو الحكم الراشد أو الديمقراطية جهاداً لا عنفياً حصراً بحسب جودت سعيد، فلا يجوز الوصول إلى السلطة والحكم بالقوة وبالسيف، فكل ما أخذ بالسيف بالسيف يهلك، والتغيير بالقوة لا يغير المجتمع وإنما يذهب هرقل ويأتي هرقل، ولذلك فقد منع الرسول (صلى الله عليه وسلم) أصحابه من الدفاع عن أنفسهم في أثناء وجودهم في مكة، وإنما سمح لهم الجهاد بالسيف بعد أن تشكل المجتمع الراشد في المدينة بدون ممارسة عنف وإنما بإقناع الناس، وعندما يتشكل المجتمع الراشد يصبح من واجبه نصرة المظلومين والدفاع عن سلامته.

شارك سعيد في المظاهرات المظاهرات في العام 2011، وألقى كلمات في اعتصامات ووقفات وخيم عزاء في درعا ودمشق وريفها، مركزاً على أهمية السلمية والديمقراطية في التغيير.

وشارك العديد من تلامذته والمؤمنين بفكره في تنظيم المظاهرات السلمية، مثل “يحيى الشربجي “غياث مطر” (اشتهر الأخير بتوزيع الماء والورود على قوات الجيش خلال المظاهرات) اللذين قتلا تحت التعذيب بعد اعتقالهما من قبل قوات الأسد، ليصبحا من أبرز “أيقونات الثورة السورية”.

وفي عام 2011، قال جودت سعيد في حوار صحفي: إن “الشباب هم الذين طالبوا بالديمقراطية والحرية وعدم الإكراه في الدين وليس أساتذتهم، والعالم العربي لا يوجد فيه علماء دينيون علمانيون”، مضيفاً أن أستاذ الجامعة وإمام الجامع لا يؤديان الدور المطلوب منهما.

ويعتقد أنه لو قام الأساتذة بدورهم في تحرير الإنسان لما وجد الاستبداد، ولما كان الحاكم يفرض نفسه “أنا ربكم الأعلى”، والمفروض أن يحتكم للانتخابات وأن يرجع إلى بيته إذا فشل، موضحاً أن قصة فرعون هي أطول قصة في القرآن الكريم، لأنها وثيقة الصلة بواقع السلطة والحكم، وكل الآيات التي وصفت فرعون تنطبق على الديكتاتوريين في العالم العربي.

ومع اشتداد عمليات العنف التي قادها نظام الأسد ضد المدنيين، وبدء عمليات القصف، قتل شقيق جودت سعيد، ما أجبره إلى النزوح إلى دمشق، ومنها سافر إلى منفاه الأخير في تركيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى