fbpx

البوصلة المصرية للعرب 

الكاتب: محمد سيد رصاص

في المئة سنة الماضية افتتحت مصر المراحل العربية السياسية ثم تبعها باقي العرب: 1- المرحلة الليبرالية مع حزب الوفد عام 1919، 2- المرحلة العروبية مع عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات، 3- صعود المد الاسلامي بدءاً من هزيمة 67 و من ثم موت عبدالناصر في 28 أيلول 1970، 4- تحول نموذج (رأسمالية الدولة)، الذي كان يسمى ” طريق التطور اللارأسمالي نحو الاشتراكية”وفق التعبير السوفياتي في وصف نظام عبدالناصر منذ عام 1964، إلى الرأسمالية الصريحة مع “اجراءات الانفتاح الاقتصادي “التي بدأها السادات عام 1974، 5- التدشين المصري منذ زيارة السادات للقدس عام 1977 لإجراءات التسوية العربية- الاسرائيلية، 6- بدء انحسار المد الاسلامي مع سقوط حكم جماعة الاخوان المسلمين بالقاهرة في يوم 3 يوليو 2013، 7- بدء حسم واشنطن ،بعد تردد طويل بدأ مع انقلاب خالد نزار في الجزائر عام 1992، لخيار الوقوف بجانب العسكر ضد الاسلاميين مع عبدالفتاح السيسي منذ يوم 3 يوليو 2013. يمكن أن نضيف على هذا الدور المصري إشارات تكميلية عدة: كانت مساهمة بلاد الشام في صنع الفكر السياسي العربي هي أكبر من مصر،حيث تتلمذ حسن البنا على يدي الشامي الطرابلسي، ورئيس المؤتمر السوري العام عام 1920، الشيخ رشيد رضا، فيماكان صائغوا الفكر القومي العروبي من الشوام: ساطع الحصري، قسطنطين زريق، ميشيل عفلق. هنا كانت مصر هي قاطرة السياسة في العصر الحديث، ولم تكن السياسة العربية لتتحول لممارسة كبرى وللتأثير في الملاعب العربية والاقليمية والعالمية من دون مصر بالقرن العشرين، بعيداً عن أدراج الكتب وعن أحزاب محدودة التأثير في داخل بلدها، وهذا كان تفكير عفلق لماقام طوعاً بحل التنظيم القطري السوري لحزب البعث مع بدء الوحدة المصرية – السورية عندما أراد أن يكون هناك زواجاً بين (عبدالناصر) و (البعث) من خلال (الوحدة). لم يكن هذا الافتتاح المصري للمراحل العربية مقصوراً على السياسة: كان هذا مرفوقاً بمجالات الموسيقا (سيد درويش – محمد القصبجي – رياض السنباطي – بليغ حمدي) والغناء (أم كلثوم – عبدالحليم حافظ – نجاة الصغيرة – عمرو دياب) والسينما. في الصحافة كانت القاهرة ميدان الصحافة العربية الرئيسي منذ القرن التاسع عشر، ولم يبدأ الثقل بالانتقال لبيروت إلافي النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين. في الأدب كانت مصر هي الرائدة في الرواية (نجيب محفوظ) والقصة القصيرة (يوسف ادريس) وفي المسرح (نعمان عاشور وعبد الرحمن الشرقاوي وألفريد فرج) والنقد الأدبي (محمد مندور). كانت الجامعات المصرية هي الأقوى أكاديمياً بالقرن العشرين عند العرب. من يراقب المسار المصري يلاحظ هناك حركة نزولية انحدارية بدءاً من السبعينيات بالقرن العشرين بدأت تتضح ملامحها في القرن الواحد والعشرين. يمكن دراسة وضع مصر، في فترتين، من خلال مقارنة صحيفة الأهرام في الستينيات، حيث كان يكتب حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وبطرس غالي ولويس عوض ونجيب محفوظ، بوضعها الآن. هناك رأي بأن تصحير مصر قد بدأ مع عبدالناصر وبأن مابلغته مصر في عهده، بمستوى سياسييها وكتابها وصحافييها وأدباءها المرتفع، كان حصيلة للفترة الليبرالية المصرية. هذا التصحير جاء بحكم ربط مصر بحاكم فرد. لم يظهر التصحير في عهده ولكن بعد وفاته. بالتأكيد ساعدت هزيمة 67 وفشل المشروع الناصري في اظهار هذا التصحير بدءاً من السبعينيات. يمكن الاستدلال على هذا بأن أبرز ماأفرزته مصر من قامات كبيرة بالقرن العشرين، في السياسة والفكر السياسي والقانون، كانوا أربعة: عبدالناصر، سيد قطب، فؤاد مرسي، عبدالرزاق السنهوري. قطب ومرسي وضعا في السجن وأحدهما علق في المشنقة، أما السنهوري، الذي كان أبرز مأفرزه العرب في علم القانون بالعصر الحديث فقد ضرب بالجزم في مظاهرة منظمة من قبل مجلس قيادة الثورة في أثناء أزمة 1954 بين عبدالناصر ومحمد نجيب وليوضع عملياً في الاقامة الجبرية حتى وفاة عبدالناصر ولم يسمح له سوى بالذهاب لفترة محدودة وبعودة مشروطة ومضمونة من أجل انجاز دستور دولة الكويت عام 1961. شهدت الناصرية صعود مصر ولكن أيضاً هزيمتها معها وعبرها. كان تصحر مصر السياسي، وعبر التصحر السياسي تصحراً في مجالات الفكر والثقافة والصحافة والفن والأدب وفي الحياة الأكاديمية، ليس فقط بسبب هزيمة 5 حزيران وفشل المشروع الناصري ولكن أيضاً بسبب ماحصل بين يومي 23 يوليو 1952 و 28 سبتمبر 1970 في أرض الكنانة. تبع العرب مصر في هذا التصحر في كل المجالات المذكورة ويمكن تلمس ذلك في كل العواصم العربية الرئيسية. كانت هزيمة 1967 بداية وقوع المنطقة العربية بأيدي واشنطن وبداية مرحلة القوة لدول الجوار العربي في ايران (الخميني وخامنئي) وتركية (أردوغان) وإثيوبية (مليس زيناوي). هنا، إذا تتبعنا تاريخ الشرق الأوسط، نلاحظ أن تزعم مصر للمنطقة كان دائماً يترافق مع حالة تدهور بعموم المنطقة كان ينتهي بهزيمة أمام الخارج وخضوع عموم الاقليم لهذا الخارج: البطالمة حتى انتهى الأمر بهزيمة كليوباترا وأنطونيوس أمام الرومان في معركة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد. الفاطميون (969 – 1171 ميلادية) عندما سقطت المنطقة، التي انتقلت الزعامة الاقليمية فيها معهم للقاهرة، بأيدي الصليبيين بدءاً من عام 1098. السيطرة المملوكية منذ عام 1260 على مصر وبلاد الشام حتى سقوط المنطقة بأيدي العثماني عبر معركتي مرج دابق والريدانية بعامي 1516 و 1517. تزعمت مصر المنطقة وكانت بوصلة نهضة العرب بين عامي 1919 و 1967 حتى كانت هزيمة 5 حزيران. كان تزعم الهلال الخصيب بفرعيه الشامي والعراقي للمنطقة يترافق بدءاً من الأكاديين في الألفية الثالثة قبل الميلاد مع نهضة منطقة الشرق الأوسط ومع مناعتها تجاه سيطرة الخارج بل وحتى تمدد القوة المحلية وسيطرتها على الخارج الاقليمي والعالمي (الأمويون مثلاً). مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى