fbpx
أخر الأخبار

العراق ما بين عراقين.. “عراق الدولة” أم “عراق الفوضى”

ربما يكون أكبر مطالب ملالي إيران من العراق، إفراغ العراق من السلطة، لتكون السلطة، كل السلطة للفوضى، بما يعني الإجهاز على “عراق الدولة”.

على الضفة الأخرى، ثمة عراق آخر، عراق يشتغل ليكون “عراق الدولة”، ولابد أنه هذا “العراق” كان أن غامر باعتقال قاسم مصلح قائد إحدى الميليشيات المرتبط باغتيال أحد قادة الاحتجاجات إيهاب الوزني في 9 أيار/مايو.

“مصلح” وفق المعلومات المتاحة عنه، هو ذراع إيران للسيطرة على الحدود العراقية السورية من خلال وكلائها من الميليشيات العراقية، فوق ذلك فهو يعمل بشكل وثيق مع “كتائب حزب   ” بجناحه العراقي.

كما حدث بعد اعتقال مماثل في حزيران/ يونيو 2020، حاولت هذه الميليشيات اقتحام المركز الحكومي وتخويف السلطات من أجل إطلاق سراح مصلح، ولكن هذه المرة، تجنبت الحكومة النتيجة المهينة من المواجهة التي وقعت العام الماضي، عندما حاصرت الميليشيات مقر رئيس الوزراء وسرعان ما تم إطلاق سراح المشتبه بهم.

اليوم، كان للحكومة العراقية مسارًا آخر، فالحكومة لم تطلَق سراح “مصلح” وهذا يقول بأن الحكومة تعلمت بعض الدروس – وإن لم يكن كلها – التي وفّرتها حادثة حزيران/يونيو 2020.

السؤال ما الذي تغير حتى تباينت المواقف الحكومية إزاء الواقعتين؟

في حزيران/يونيو 2020 تراجُعت الحكومة تراجعًا  مذلّا بمواجهة الضغط الإيراني وميليشيات ايران في العراق، وكان “جهاز مكافحة الإرهاب” يومها قد اعتقل أربعة عشر عضواً من “كتائب حزب الله”  أثناء قيامهم بتحضير هجمات صاروخية على مطار بغداد والسفارة الأمريكية، ورداً على ذلك، استعرضت الميليشيا عضلاتها في “المنطقة الدولية”، فتوجه قائد العمليات في “كتائب حزب الله”، أبو فدك، مع قوة قوامها حوالي 150 مقاتلاً في شاحنات نقل صغيرة مدججة بالسلاح إلى مقر إقامة الكاظمي، وطالبوا بالإفراج عن المشتبه بهم تحت وصايتهم،  وسرعان ما تم إطلاق سراح 13 من المعتقلين وسط ضجة كبيرة على قنوات الدعاية التابعة للميليشيات، وتم الإفراج عن الشخص الوحيد المتبقي (الوحيد المذكور في مذكرة الاعتقال الأصلية) بأمر من المحكمة تحت ضغط من السياسيين المدعومين من الميليشيات. فكان مشهد الجماعات المسلحة التي طوّقت مقر رئيس الوزراء وفرضت الإفراج السريع عن رفاقها مشهداً ألحق أضراراً كبيرة بالثقة بين الكاظمي، وقادته الأمنيين، والشعب العراقي، والتحالف.

في أيار/مايو 2021، كان العنوان ” سيادة القانون” قد ساد، فبعد اغتيال الوزني في كربلاء في 9 أيار/مايو، اندلعت احتجاجات جماعية بمواجهة القنصلية الإيرانية في المدينة، حيث اتهم متظاهرون طهران وميليشياتها الوكيلة باستهدافه،  وعند التحقيق في الحادث، أصدرت السلطات مذكرة توقيف بحق مصلح، الذي هو آمر “اللواء الثالث عشر” في “قوات الحشد الشعبي ” وعلى عكس الاعتقال الذي جرى العام الماضي، كانت “المنطقة الدولية” محميّة بقوة تحسباً لرد فعل قوي من قبل الميليشيات، وعلى الرغم من أن بعض المقاتلين حاولوا استعراض عضلاتهم داخل “المنطقة الدولية” – حيث يُسمح للميليشيات بالحفاظ على وجود تحت مظاهر مختلفة – إلّا أنه لم يتم تعزيزهم من الخارج، وتمت السيطرة على المنطقة [من قبل قوات الأمن]، وتأمين كل من رئيس الوزراء والسجين.

واستطاعت الحكومة  منع الميليشيات من الحصول على أي إطلاق سراح فوري وتحقيق نصر دعائي شامل، وإذا كان الضعف المستمر واضحاً، فقد كانت مقاومة الحكومة واضحة لمواجهة المزاعم الكاذبة للميليشيات بأنها سيطرت على “المنطقة الدولية” وضمنت إطلاق سراح مصلح.

لا يشكّل اعتقال مصلح سوى إحدى النكسات العديدة التي عانت منها الميليشيات المدعومة من إيران، ففي كانون الثاني/يناير 2020، خسرت هذه الميليشيات زعيمها الإيراني (قاسم سليماني) وعرابها العراقي (أبو مهدي المهندس) في غارة جوية أمريكية، وبعد خمسة أشهر، أصبح خصمها اللدود الكاظمي رئيساً للوزراء على الرغم من معارضتها الشديدة لتعيينه.

تلك عناوين تحكي عن الحاق الهزائم بالخط الإيراني في العراق، وثمة عناوين أخرى يمكن اضافتها، غير أن كل التوقعات تقول بأن لا إيران ولا وكلائها سيتخلون عن أذرعهم بسهولة. وسيتحول ضغط الميليشيات الآن إلى القضاء، بهدف ترهيب المحكمة لكي ترفض التهم الموجهة إليه.

رئيس الوزراء العراقي بات اليوم بمواجهة المعادلة الصعبة، فكيف للرجل أن يحمي القانون فيما الميليشيات تبتكر طرقاً جديدة لمعاقبة الحكومة على تمسّكها بسيادة القانون في قضية مصلح.

اليوم سيكون الامتحان للقوات الأمريكية، بل وللإدارة الأمريكية برمتها، دون ترك الفرصة للميليشيات بالانفراد برئيس الوزراء والأجهزة القضائية، ودون نسيان أن حكومة الكاظمي تشتغل على المزيد من الاعتقالات في صفوف ميليشيات “الحشد” و”حزب الله”، خصوصًا وهذه الميليشيات متهمة بمقتل اثنين من قادة الاحتجاج الآخرين بالإضافة إلى الوزني، وكل التوقعات تشير إلى أن الميليشيات تعمل اليوم على تقويض الحكومة العراقية وصولاً لاغتيال رئيسها، وهذا ليس بالأمر المستبعد.

الآن ستكون اللحظة الفاصلة ما بين عراقين:

ـ عراق الدولة، أم عراق الفوضى.

سيكون الامتحان لواشنطن أولاً، وللرئيس برهم صالح، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وكبار السياسيين كمسعود بارزاني، وحيدر العبادي، وعمار الحكيم، وإياد علاوي.

اليوم سيذهب العراق إلى قيامته.

وكما يقول المثل:

عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى