fbpx

دولة الرئيس بلا دولة

معضلة تشكيل الحكومة لتفكيك المعضلة اللبنانية، تلك هي الصيغة بما يجعل لبنان يتنقل ما بين معضلتين، وفي كلتاهما سيكون “حزب الله” حاضرًا ليكون السبب الأكثر حضورًا في توليد المعضلة وكذلك في إعاقة حلها.. تلك هي اللغة السائدة بين عموم اللبنانيين الذين باتوا قاب قوسين من كل الانهيارات.. 

الانهيار الاقتصادي، والانهيار النقدي، والانهيار السياسي، والعجز عن الاستمرار بالعيش، أمما عن حزب الله، فقبل اندلاع ثورة 17 أكتوبر وفي خضمها، دأب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله على شنّ هجومات على من ينسبون الحكومة اللبنانية إلى حزبه، معتبراً أن من يفعلون ذلك إنما يهدفون إلى الإضرار بمصلحة لبنان من خلال تحفيز مقاطعته ومحاصرته والتحريض لشنّ عدوان عليه، وتاليا على القضاء التحرك ضد هؤلاء. 

كان ذلك هو توصيف الصحافي اللبناني فارس خشان، غير أنه وفي تتبعه لتكتيكات حزب الله، يرى الصورة الاكثر وضوحًا، فمنذ استقالة حكومة سعد الحريري على وقع التظاهرات المناهضة للطبقة السياسية، حرص نصرالله، وتجنّبا أيضا لنسب أي حكومة جديدة إلى حزبه، على تقديم اقتراح يقوم على مخرجين: حكومة تضم سياسيين واختصاصيين جامعة تكون إمّا برئاسة سعد الحريري وإمّا برئاسة شخصية يسمّيها الحريري.

وتحت هذا السقف “ناور” الرئيس سعد الحريري، محاولاً التوفيق بين حاجة “حزب الله” إلى بقائه على رأس الحكومة اللبنانية، من جهة وبين متطلبات المرحلة المعقدة ماليا واقتصاديا واجتماعيا وإقليميا ودوليا التي تقتضي إخراج اللاعبين السياسيين من الحكومة حتى “تولّد الثقة الداخلية وتجذب المساعدات الخارجية”، من جهة أخرى.

ما الذي حدث؟
أحبط “حزب الله” خطة الحريري هذه ولكنه لم يُطح به.
تلك الصيغة لم تكن لتعني في واقع الحال سوى:
القوه في ايم وقالوا له.. إياك إياك أن تبتل بالماء.
ولكن الحريري لم يتمكّن من الاستمرار عندما اتخذ حزب “القوات اللبنانية” قرارا بعدم تسميته في الاستشارات النيابية الملزمة ليشكل الحكومة العتيدة، لأنه بسحب هذا الغطاء، سيجد نفسه، أضعف مما يجب، في مفاوضات تشكيل الحكومة، فاعتذر عن عدم خوضه “سباق” التكليف فاسحاً  المجال أمام عبور حسّان دياب، الاسم الذي اصطفاه “حزب الله” وحليفه “التيار الوطني الحر”، ليدخل إلى نادي رؤساء الحكومة في لبنان.

وهكذا كان اختراع حزب الله لشخصية، ربما تكون مجهولة، ونعني بها حسان دياب، الرجل الذي تتواتر تصريحاته والتي يعلن فيها أنه خارج حضن أي من القوى السياسية اللبنانية بمن فيها حزب الله.

ولكن هل يشكّل ذلك فتحاً عظيماً لـ”حزب الله”؟ وإذا كان ذلك هو الحال فعلاً، فهل سيتمكن لبنان من الخروج من معضلته؟
الإجابة االفصل تقول بأنه في حال كانت حكومة حسان دياب مدموغة بدمغة حزب الله، فلهذا معنى واحد أقله بالنسبة للإدارة الأمريكية، وهو المعنى الذي صرّح به وزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو، بعدما استمع إلى مبرراتها في خلوات عقدها مع الحريري ومسؤولين لبنانيين آخرين، إلى القول في نيويورك، في مؤتمر على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة، إن “لبنان دولة عميلة لإيران”.

لن يكون هذا موقف الإدارة الامريكية وحدها، فالمملكة العربية السعودية، وهي أهم مساعد مالي ـ اقتصادي للبنان، لم تبتعد كثيراً عن التوصيف الأميركي، بل كانت قد سبقتها إليه، وتعاطت مع “بلاد الأرز” على هذه القاعدة، وكان غيابها عن الاجتماع الذي عقدته “المجموعة الدولية لدعم لبنان” في باريس مدوّيا، على الرغم من أن بيانه كان في شقه السياسي موجّها ضد توريط “حزب الله” للبنان في الأزمات الإقليمية.

ما هو بحكم المؤكد اليوم، هو أن سعد الحريري خرج من كل الشراكات، وخرج معه كل من جنبلاط وجعجع.

الصيغة هذه، لابد ستشكل عواقب بالغة الدقة على حسان دياب، غير أنها ستشكل أيضاً عواقب بالغة الخطر على حزب الله أيضًا، ذلك أن إعدام مخارج لبنان من معضلاته سترتب على حزب الله الكثير من المصائب، أولها في احداث شروخات في قاعدته الشعبية التي تشارك بقية اللبنانيين مشاكل الحياة، كما ستشكل عطبًا في تحالفات حزب الله، الذين يدركون أن وراء ماوصل اليه لبنان من مآزق سيكون لحزب الله يدًا فيها، أقله في تخلي المجتمع الدولي عن مد يد العون الى لبنان، وهكذا سيلعب حزب الله في مساحات جديدة، تشير بعض المصادر بالقول أنه يخطط لمحاولة جذب الرئيس سعد الحريري إلى المعادلة، وبشروط الحزب السياسية المعلنة سابقا، بعد أن يفرض الهدوء على الشارع، من خلال مواصلة مساعيه الناشطة لإنهاء الثورة، بالترهيب والترغيب.

فـ”حزب الله” الذي يدرك كلفة حسان دياب عليه، سواء على مستوى الامتعاض السني أم على مستوى إحياء معارضة كان قد ارتاح من عبئها لسنوات، أم على مستوى التعاون الخليجي ـ الدولي الذي يحتاجه لبنان أكثر من أي وقت مضى، قد يُضحي به، عندما تنضج الظروف، بعد أن يكون قد منحه لقباً لمدى الحياة، بما يجعل حسان دياب دولة الرئيس لرئيس بلا دولة.

وفق قراءة فارس خشان فـ “في حال، لم ينجح هذا المسار، فإن الحزب، بالتعاون مع رئيس الجمهورية ميشال عون، سوف يلجأ إلى التغطية على الكوارث بدخان ينبعث من حدّة الملاحقات القضائية، ومن التدابير التي ستخضع لها المصارف، ومن المعتقلات التي ستفتح على مصراعيها”.

غدًا او بعد غد، سيظهر الدخان.. أبيض أم أسود.. لبنان بانتظار الدخان.

Read More

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى