fbpx

طهران أم واشنطن؟ بغداد لن تتسعهما معًا

مجرد أن يتخذ الرئيس دونالد ترامب قرارًا بقتل قاسم سليماني، فهذا يعني أنه سيتخذ قرارات أبعد من ذلك، فإغلاق وكر الثعابين لن يكون أسهل من فتحه، وربما كان القرار بقتل سليماني هو فتح ذلك الوكر، وهذه بعض علامات القيامة القادمة على المنطقة.

لن يتردد محور إيران (بمن فيه)، من القيام بعمليات ردّ على مقتل سليماني، وإلاّ فإنه سيكون قد كتب على نفسه السقوط بكل المعاني، وليس بالأمر الوارد ولا الممكن أن يستسلم هذا المحور للسقوط.

أية عملية رد سيقوم بها هذا المحور وحلفائه، لابد أن تواجهها الإدارة الأمريكية بضربات موجعة وإلاّ فستكون النتيجة أن يكتب الرئيس ترامب على نفسه ومرحلته، سمة السقوط والضعف، وليس ترامب من يقبل بهكذا سقوط.

بالنتيجة لن يتوقف الاشتباك عند حدود ضربة ورد الضربة، فالاحتمالات ترجح أن تندلع حرب في المنطقة.

مركز الحرب سيتوزع، ولابد أن تكون بغداد هي العاصمة الأكثر حضورًا في هذه الحرب، ففيها ستكتب نهاية واحد من قوتين، إيران أو القوات الأمريكية.

تظاهرات بغداد، وهي التظاهرات الشبابية، كانت موجهة منذ انطلاقتها للخلاص من الاحتلال الايراني، ولابد أن العراق كان قد عانى ما عاناه من الاحتلال الإيراني بدءً من اقتصاده، وصولاً لحكوماته المتعاقبة التي رسمت ملامحها حكومة الملالي في طهران، غير أن الشارع العراقي لابد وأنه شارع منقسم وليس بلون واحد، فجماعات إيران متواجدة في الساحات، ولديهم كل أسباب العنف والفوضى، مما يرجح أن تدخل بغداد في صراع أهلي، قد يرتفع إلى مستوى الحرب الأهلية، وهو بالضبط ما يريده ملالي طهران، وما سيشكل بالنسبة لهم مكسبًا هائلاً يمنحهم امتدادات لم يمنحهم إياها السلام الاجتماعي في العراق، وهو الأمر الذي ستغذيه القوى الموالية لإيران كالحشد الشعبي وسواه من القوى التابعة لإيران، ما يدعونا للقول أن التعايش الأمريكي / الإيراني في العراق، لم يعد ممكنًا، فالساحات لم تعد تتسع للاثنين معًا.

منذ عام 2003 كانت إيران قد شجعت حلفائها في العراق على العمل مع الولايات المتحدة والمشاركة في العملية السياسية الديمقراطية الوليدة،

إلا أنها قامت بتسليح وتدريب وتمويل الميليشيات الشيعية والمتمردين الشيعة — وفي بعض الأحيان السنة — للعمل تجاه إنزال هزيمة مهينة بالولايات المتحدة بحيث تردع التدخلات العسكرية الأمريكية المستقبلية في المنطقة.

وربما تكون إيران قد استخدمت وكلاءها من المحاربين الشيعة المسلحين لإذكاء التوترات الطائفية والتحريض على العنف السياسي، لكي تتقدم حينها دبلوماسياً لحل هذه الصراعات — مما يضمن لها دوراً كوسيط في العراق. إن هذه الجماعات المسلحة تزود طهران أيضاً بمصدر نفوذ بديل إذا ثبت أن حلفاءها السياسيين لا يمكن الوثوق بهم، وتوفر لها وسيلة للانتقام من القوات الأمريكية في العراق في حالة تعرض المنشآت النووية الإيرانية لهجوم من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل.

وفي محاولة لاسترجاع الصورة فالذي حدث منذ عام 2003، أن ركزت إيران مواردها في البداية على حلفائها التقليديين في “فيلق بدر” التابع لـ “المجلس الأعلى الإسلامي العراقي”، لكنها سرعان ما وسعّت نطاق مساعداتها لتشمل “جيش المهدي” التابع لـ “التيار الصدري” والجماعات الخاصة ذات الصلة، وحتى بعض الجماعات السنية المتمردة. ومع انضمام هذه الجماعات إلى العملية السياسية، قامت إيران بتقسيم العناصر المتطرفة لتشكل مجموعات خاصة سرية جديدة، وهو أسلوب استخدمته في البداية عندما شكلت «حزب الله» اللبناني في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.

بحلول عام 2010، ضيّقت إيران نطاق دعمها وقصرته على ثلاث جماعات شيعية مسلحة وهي: “لواء اليوم الموعود” — خليفة “جيش المهدي” — التابع لمقتدى الصدر وجماعتان خاصتان: “عصائب أهل الحق” وكتائب «حزب الله». لكن ثبت أن دعم إيران لـ “جيش المهدي” ينطوي على صعوبات خاصة، حيث إن أجندة الميليشيات المتطرفة وتنافسها على السلطة داخل المجتمع الشيعي سرعان ما قادها إلى صراع مع “المجلس الأعلى الإسلامي العراقي” والحكومة العراقية، مما قوض من الجهود الإيرانية لتوحيد المجتمع الشيعي.

فيما لو انسحب الجيش الأمريكي من العراق، ربما تستخدم طهران دعمها لهذه المليشيات الشيعية والجماعات المتمردة للضغط على الحكومة العراقية من أجل الحد من علاقتها مع الولايات المتحدة وكمصدر للتأثير في قضايا أخرى. وبمحاكاتها «حزب الله» في لبنان، قد تحاول أيضاً بعض الجماعات الخاصة التي ترعاها إيران أن تبسط نفوذها في الشارع و[تستخدم] أنشطة المقاومة السابقة التي اضطلعت بها ضد الولايات المتحدة كمدخل إلى الحياة السياسية. وإذا ما حدث ذلك، من المرجح مرة أخرى أن تقوم طهران بفصل العناصر المتطرفة عن هذه المنظمات لتشكيل جماعات خاصة جديدة — تسهم في مزيد من التجزئة لمجتمع الشيعة، وتقوض، على نحو تراجيدي، من جهودها لتوحيد حلفائها العراقيين سياسياً.

كل ذلك سيعني فيما يعنيه، أن ايران تسعى جاهدة لاخراج الولايات المتحدة من العراق، ما يعني اخراجها من الشرق الاوسط برمته، وتلك صيغة لن يرتضيها الامريكان، الذين لاتعوزهم قوة الدفاع عن حضورهم في هذه المنطقة، وهو أمر يستدعي إقفال بوبات الحلول الوسط مع طهران والذهاب الى نهايات الامور، والنهايات لن تأتي سوى تحت العنوان التالي:

إما القوات الأمريكية، و”إما طهران في بغداد.

قتل قاسم سليماني مفتاح هذه البوابة.

إلى أين ستمضي الأمور؟

هو السؤال المحمّل بالكثير الكثير من الاحتمالات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى