fbpx

جبهة النصرة كلمة سرِّ السياسة التركية في الصراع السوري

يقول الروس أنّ اتفاق سوتشي الموقع بينهم وبين الأتراك عام 2018، ينصّ صراحةً على قيام تركيا بتفكيك المنظمات الإرهابية في منطقة خفض التصعيد الرابعة (شمال حماة وإدلب)، وأن يقوم الأتراك بذلك خلال فترة زمنية متفق عليها. ويؤكد الروس على أن هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” هي في طليعة هذه المنظمات الإرهابية.

لكنّ الأتراك لم يفوا بالتزاماتهم حيال هذا الاتفاق، ويرى الروس أن عدم قيام الأتراك بتنفيذ المتفق عليه جعلهم يساندون عسكرياً النظام السوري في هجماته ضدّ هذه المنطقة، بغرض فرض السيطرة عليها، وفتح الطريقين m4 وm5، اللذين يعتبران شريان الاقتصاد السوري، إذ تتم عبرهما التجارة العابرة لسورية أو التجارة السورية التي يديرها النظام السوري.

الأتراك ماطلوا طيلة الأشهر الماضية في تنفيذ الاتفاق، وسبب المماطلة التركية يكمن في قناعة الأتراك، أنّ تنفيذ الاتفاق الموقّع في سوتشي، وفق الرؤية الروسية، يعني تخليهم عن دورهم في حلّ الصراع السوري، وكذلك يعني قبولهم بتمرير الروس لحلّهم السياسي، الذي يعني إعادة انتاج النظام السوري، وتفريغ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن من قيمتها وفعاليتها، وتحديداً القرار الدولي 2254.

الأتراك يدركون أهمية ورقة هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” في معادلة الصراع على سوريا. فهذا التنظيم الذي تشكّل إبّان تفجّر الثورة السورية عام 2011م كان واضح الأهداف، وصريح النوايا، منذ بيانه الأول، الذي صدر بتاريخ 24 يناير/ كانون الثاني عام 2012م. حيث تلخّصت أهدافه بتبني فكرة الجهاد والدعوة إليه، تناغماً مع استراتيجية منظمة القاعدة، التي أسسها الشيخ أسامة بن لادن.

أي يمكن القول بأنّ الأتراك يجدون في الخلفيّة الايديولوجية لجبهة النصرة قاسماً إيديولوجياً مشتركاً بينهما. ولهذا أغمضت الحكومة التركية عينيها عن توافد عناصر منظمة القاعدة إلى أراضيها وتسهيل عبورهم إلى الأراضي السورية. كذلك يمكن فهم العلاقة بين الطرفين على أنها علاقة ذات طابع استثماري، فالقاعدة عموماً مثلها مثل باقي التنظيمات الاسلامية الدولية المتطرفة، هي تنظيمات مخترقة من أجهزة استخبارات الدول الفاعلة في الصراعات الدولية، وهي حين تقوم بمهامها، إنما تخدم مصالح تلك الأجهزة، وبهذا تكون جبهة النصرة ليست أكثر من تنظيمٍ ينفّذ أجندات الآخرين عبر “العمل المسلّح المأجور”.

الأتراك لا يريدون تنفيذ اتفاق سوتشي وفق الرؤية الروسية، التي لا تمنحهم هامش دورٍ وأفضلية حركةٍ في المساهمة في حلّ الصراع السوري. فهم يريدون حصّة من الحلّ لهم ولحليفهم “المعارضة السورية التابعة لهم”، ونقصد بذلك تيار الإخوان المسلمين، والفصائل العسكرية المرتبطة بهذا التيار، وفي مقدمتها حركة أحرار الشام، وبقية الفصائل ذات المرجعية الاسلامية، يضاف إليهم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والحكومة المؤقتة المنبثقة عنه.

الأتراك يدركون أن اجتثاث جبهة النصرة المتواجدة قرب حدودهم الجنوبية لا يخدم سياستهم الاستراتيجية في حلّ الصراع السوري، بما يضمن لهم نفوذهم وحضورهم وفق وزنهم. ويعتبرون في الوقت ذاته أن اجتثاث النصرة ومثيلاتها عبر العمل العسكري لن يخدمهم في هذه المرحلة، التي لم تتضح فيها بعد آفاق الحلّ السياسي، الذي يريدون أن يكون وفق القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع في سوريا، وتحديداً القرار 2254.

الأتراك يعرفون حق المعرفة أن اجتثاث جبهة النصرة سيكون خدمةّ مجانيةً لصالح الروس والنظام السوري، وهم ليسوا بوارد تقديم هذه الخدمة، حيث عبّر الرئيس رجب طيّب أردوغان عن جوهر الموقف التركي حين قال منذ وقت قريب: “من أراد أن يكون له حضورٌ على طاولة المفاوضات، يجب أن يكون له حضور في الميدان”.

لقد ظهرت علاقة تركيا الجيدة بجبهة النصرة بعد جولة مباحثات أستانا الرابعة، حيث نفّذت جبهة النصرة أوامر تركية بالانسحاب من شرقي السكة ومنطقة أبو الضهور، تزامناً مع تهجير أهالي الفوعة وكفريا.

والسؤال الذي يحتاج إلى إجابةٍ: كيف يمكن لتركيا استثمار هذه العلاقة مع جبهة النصرة، في وقت تخضع منطقة خفض التصعيد الرابعة (شمال حماة وإدلب) إلى هجمات مدمّرة تحت حجة تنفيذ اتفاق سوتشي، وفتح الطريقين m4 وm5. وأنّ الذي يدفع ثمن هذه الهجمات هم السكّان المدنيون. ولذلك من حق المراقب للأحداث أن يتساءل: لماذا لا تدافع تركيا بقوتها العسكرية عن منطقةٍ تقول أنها هي الضامن فيها؟. ولماذا لم تقم بتنفيذ اتفاقها مع الروس من خلال حلّ جبهة النصرة، وتجنيب السكّان الآمنين الموت والدمار الذي حاق بهم وبممتلكاتهم.

إن الإجابة على الأسئلة السابقة، يمكن تلمسها في تفاصيل الموقف التركي من هذا التصعيد وحدوده ونتائجه. ووفق هذه الرؤية يمكن القول أنّ الهجمات المستمرّة من قبل الروس والنظام السوري وحلفهم على منطقة النفوذ التركي غايتها الرئيسية أبعد من فتح الطريقين m4 وm5. إذ إنّ الروس باتوا على يقين نسبي، بأنّ الأتراك لن يتخلوا عن تحالفهم التاريخي مع الأمريكيين في ملفاتٍ كثيرة، لعلّ أحدها ملف الصراع السوري. وأنّ استجابة الولايات المتحدة الأمريكية النسبية للضغوط التركية المتمثلة بقلق الأتراك من تواجد قوات الPYD على حدودهم هو خطوة حقيقية باتجاه إخماد صراع جانبي بين تركيا وحزب PYD لصالح صراعٍ أكبر، يتمثّل بإفشال المخطط الروسي المسمّى “درب أستانا”، وطرد الإيرانيين بالقوة خارج الأراضي السورية، إضافةً إلى تنفيذ القرار الدولي 2254 الخاص بحل الصراع السوري.

الروس متضايقون من هذا التقارب التركي الأمريكي، ولهذا فهم يربكون هذا التقارب من خلال إرباك الأتراك، والضغط عليهم في منطقة خفض التصعيد الرابعة التي يضمنونها.

إذاً يمكن القول أن الأتراك لن يلجأوا إلى تصفية واجتثاث جبهة النصرة إلّا من خلال حلٍّ سياسي ناجز للصراع في سوريا، ومتفق عليه دولياً. لذا يقول الأتراك أن الحرب على إدلب هي حرب تؤدي إلى مشاكل كبرى، تؤثر على الأمن القومي التركي، بسبب موجات النزوح باتجاه الحدود التركية مع سوريا. لذلك سيضطر الأتراك في لحظة ما إلى تغيير موقفهم من الهجمات على إدلب، من خلال مساعدة حلفائهم من المعارضة على قلب طاولة التوازنات العسكرية على الأرض، وربما يكون لجبهة النصرة دورٌ في هذا الشأن.

هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى