fbpx

السويداء هل ستصبح جنوبا داخل الجنوب؟ بين تعسف النظام واليد الإسرائيلية

تقسيم المقسم وان كان عنوان ما يجري في عموم سوريا اليوم إلا أنه قد لا يعني بالضرورة اقتطاع الأرض أو إعادة رسم الخرائط حسب ما تشتهيه أطراف القوة والصراع، قد يعني ما يعنيه لمدينة مثل السويداء أن تكون جنوبا داخل الجنوب، جنوب إما أن يكون جزيرة تخنقها العزلة  أو أن يذهب إلى تسويات اللعبة القذرة ، والتي ستأخذها إلى كل الجهات ماعدا جهتها هي، أسئلة كثيرة قد لا تشكل الإجابات عنها أي فارقا في واقع أبناء البلد عموماً وقد باتت الإجابات تقف عند الرغيف اليوم لا أكثر، ورغم ذلك يبقى فضول السؤال يؤرق المدينة ، فهل حقًا تحول ملف السويداء وما يجري فيها من قضية محلية إلى قضية دولية؟

  • هل كان الشيخ طريف وراء الصفقة؟

منذ حادثة الإفراج عن المختطفات التي تمت أواخر العام الماضي بعد هجوم تنظيم داعش على المدينة والتي أثارت الكثير من الأسئلة حول الجهة التي تقف وراءها وخصوصا بعد أن تضاربت التصريحات والمواقف من أكثر من طرف، والقلق هو القاسم المشترك بين السكان، فالنظام بادر للتصريح بأنه وبعملية نوعية لقواته تم تحرير المختطفات، بينما صرح الروس أنهم وراء العملية وبعملية أمنية استخباراتية. لم يكشف عن تفاصيل ما جرى حتى اليوم، ولكن ما آثار البلبلة والأسئلة أيضا ما صدر من تصريحات جاءت من لبنان ومنها أن النائب وليد جنبلاط ومن خلال علاقاته وتوسطه لدى الروس، هو من يقف وراء العملية، وأن النظام  ليس له أي دور فيها، وكان ألمح فصيل الكرامة الموجود في السويداء إلى ذلك ولكن من دون ذكر أي تفاصيل.

  • من ليس معه فهو عدوه:

يبقى ما قيل عن دور إسرائيل بالموضوع وهو الأهم والأخطر، حيث أشارت التسريبات أن الشيخ موفق طريف شيخ عقل الطائفة الدرزية في اسرائيل، ومن خلال ضغطه وعلاقاته القوية، هو السبب الرئيسي لتلك الصفقة، وكان طريف قد زار موسكو لبحث تطورات الموضوع وأكد أكثر من مرة في تصريحات له أنه لن يوفر جهدا في حل القضية. الرسائل التي أرسلها النظام بعد عملية تحرير المختطفين كانت واضحة جدا، حيث قام بشار الأسد بلقاء المحررين وعائلاتهم في مقابلة مصورة، وهدد المدينة بما لا يقبل الشك، بأن دم ضحايا المجزرة التي حدثت هي في رقاب الشباب الذين تخلفوا عن الخدمة في الجيش، وبمعنى آخر لا يوجد شيء في قاموس الاستبداد السوري اسمه الحياد، وحتى لو أعلنته المدينة بخجل وعلى أنه حياد ايجابي ولا يسعى للتصادم مع السلطة أبدا، هناك معادلة وحيدة فقط “من لم يكن معنا حسب ما نريد فهو ضدنا بالضرورة “.

  • وهم الانفراج.. أفخاخ النظام:

الفرحة وبوادر الانفراج التي عاشته أو بالأحرى التي توهمته المدينة عقب الإفراج عن المختطفات وسيطرة الجيش على كامل البادية الشرقية وطرد تنظيم داعش منها ترافق مع إعلان الحكومة عن عفو عام بخصوص المتخلفين عن الخدمة في الجيش بالإضافة لشطب كامل أسماء المطلوبين للاحتياط، وهو الملف الذي أرق المدينة، وأثقل على أهلها أكثر من أي مكان آخر نظرا للعدد الكبير من المتخلفين والفارين والذين توقفت حياتهم بالمطلق في ظل أوضاع معيشية واقتصادية كارثية على الجميع ، ولكن ما هي إلا أيام قليلة لا تتجاوز العشر أيام حتى أعادت الحكومة جميع أسماء المطلوبين للاحتياط وبدا الموضوع وكأنه فخ نصبته الحكومة للإيقاع بالمتخلفين ، دون أي تصريح رسمي من الحكومة يوضح ما يجري. هذه التخبطات بالقرارات والإحباط الذي أصاب الجميع زاد من قناعة الشباب أنه لا يوجد أمل قريب بأي انفراج ما منع الكثيرين من الالتحاق بالخدمة وفاقم الأزمة الموجودة أصلا وترافق ذلك مع ازدياد أعمال العنف داخل المدينة من عمليات خطف وقتل وسرقة في ظل فوضى وفلتان أمني كبير، وحالة استياء عامة في المدينة نتيجة ما وصلت إليه أوضاعها.

  • السويداء في ادارة علي مملوك:

عقد مكتب الأمن الوطني برئاسة علي مملوك اجتماعا امنيا بخصوص المدينة ومما سرب منه أن الحكومة تدرس كافة الخيارات الممكنة للتعامل مع ملف السويداء بالتزامن مع عقد لقاءات مع وفود من وجهاء المدينة والشخصيات الاعتبارية فيها كان آخرها بدعوة من حزب البعث منذ فترة قريبة، وقد سرب كلام بلسان مملوك أن “الرئيس الأسد يحب السويداء ولا يتمنى أن تسيل نقطة دم واحدة فيها”، الأمر الذي اعتبرته المدينة إعلان حرب وبالأخص الفصائل المحلية فيها والتي كان موضوع سلاحها وحمايتها للمتخلفين عن الخدمة من أكثر المواضيع المطروحة والتي تحاول السلطة حلها والسيطرة عليها بأي شكل.

  • إسرائيل على خط الأزمة:

ومرة أخرى جاء الرد من الخارج أيضا حيث انتشر تصريحات لقائد القوى الجوية في الجيش الإسرائيلي يصرح فيها بأن حكومته ستحمي الدروز أينما كانوا ولن تسمح لأحد بأذيتهم وذلك خلال زيارة قام بها لدار الطائفة في إسرائيل ولقاء الشيخ طريف، هنا اشتعلت مواقع التواصل بالخبر وبالردود عليه وأكثر الردود كانت رافضة للتصريحات ومعتبرة إياها محاولة لزرع الشقاق وإثارة الفتن في المدينة.

  • الفصائل تتوحد:

وردا على الاجتماعات الأمنية والاتهامات للفصائل المحلية بأنها فصائل إرهابية وخارج سيطرة الدولة، قامت مجموعة كبيرة من الفصائل بالتوحد في هيكل واحد وأعلنت ذلك في بيان وضحت فيه مواقفها كاملة بأنها لن تكون ضد الدولة ومؤسساتها وأنها ستمنع الاعتداء على المدينة من أي طرف كان، وبأنها لن تسمح بنصب حواجز وسحب الشباب للخدمة بالإكراه، وأن من يريد الالتحاق من تلقاء نفسه لن تمنعه، رافضة التفاوض على تسليم سلاحها بأي شكل طالما بقيت الحرب والتهديدات على المدينة والبلاد قائمة. الكثير يرى أن موقف المدينة اليوم جاء بسبب فهمها للتوازنات والمواقف الموجودة على الساحة السورية فبالرغم من أنها لم تطرح نفسها ضمن معطى ديني أو أقلوي ولم يكن لها طموح يوما بإنشاء كيان أو حكم مستقل إلا أنها تحاول استثمار تدويل ملفها مستفيدة من توزع الدروز في المنطقة على أكثر من بلد ومدى تأثير ذلك عليها مباشرة، هذا عدا عن الأصوات التي تأتي من الخارج والتي يؤكد أصحابها أن السويداء خط أحمر بالنسبة للجميع.

  • البوصلة الضائعة:

بوصلة الاتجاهات اليوم ضائعة في السويداء، والأصوات العاقلة فيها غائبة كليا عن المشهد، وفي بازارات الحرب المفتوحة ماذا يمكن أن تقدم المدينة ثمن نجاتها ولو بالحد الأدنى؟ أو ماذا يمكن أن تفعل أكثر مما فعلت؟ حزين جدا أن تلجأ المدينة لأسوأ خيارتها في أن تتمنى ما تكره أو في أن تطلب مالا يطلب، هي قشة النجاة من الغرق وإن كانت ممدودة من عدوك فهل ستتمسك بها لتنجو من عاصفة اللحظة الحرجة؟ أم ستفعل كما اعتادت أن تفعل وتقوم بحرق سفنها كاملة وتواجه مصيرها دون حساب للنتائج؟ الحقائق هي ما يهمس بها الشارع دون أن يصرح عنها علانية ، هي ضمير ما يرغب في لحظة ما قد تكون الأضعف و الأقسى عليه وقد تسوقه الخيارات القاسية والواقع المفروض لأي طريق للخلاص حتى ولو كان على حساب اسمه وتاريخه، هي لعبة التدخلات الخارجية والاستقواء بالخارج ، في سياق البقاء قد تصبح التبريرات ملجأ أخيرا للخلاص وتصبح المفاهيم الثابتة في دائرة شك لتتحول من الموقف إلى التبرير، هي لحظة السوري التي باتت عنوانه والتي لا يتمنى أحد أن يعيشها ، لحظة تبرير ما لا يبرر وقبول ما لا يقبل في زمن عز فيه حتى  رغيف الخبز.. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى