fbpx

مجهولو النسب.. ظاهرة تنال من أطفال سوريا

مرصد مينا – سوريا

مع ما تكشفه مصادر حقوقية سورية، عن ارتفاع ظاهرة الأطفال مجهولي النسب، أو ما بعرف محلياً بـ”اللقطاء”، في منطقة إدلب شمال البلاد، تتزايد المخاوف حول مصير أولائك الأطفال ومستقبلهم، في ظل فقدانهم للرعاية الأبوية والجو الأسري والأسس التربوية.

وتتزايد حالة القلق، مع ما تذكره المصادر بأن متوسط الحصيلة الشهرية لظاهرة اللقطاء في المدينة، وصلت من 3 إلى 4 أطفال رضع يتم العثور عليهم في مناطق متعددة من المدينة، ملمحةً إلى أن المؤشرات الحالية، تفيد بأن الظاهرة آخذة بالارتفاع.

حصيلة عام كامل.. فقر وظواهر أخرى

تربط المصادر تصاعد تلك الظاهرة، بحالة الفقر الشديدة وعدم قدرة الأهل على تربية الأطفال ورعايتهم، ما يدفعهم إلى التخلي عنهم ووضعه في الطرقات سواء أمام المساجد أو أبواب المنظمات الإنسانية، كاشفةً أنه تم العثور منذ مطلع العام 2020 وحتى نهايته على 70 رضيعاً تم إلقاءهم في الطرقات.

يشار إلى أن الأمم المتحدة كانت قد تحدثت عن ارتفاع معدلات الفقر في سوريا إلى أكثر من 83 بالمئة من الشعب السوري، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ ما يزيد عن 10 سنوات، فيما حذرت منظمات إنسانية ومجتمع مدني، من كارثة إنسانية تهدد مدينة إدلب.

في ذات السياق، تنقل المصادر عن سكان محليين أن مسألة الفقر الشديد ارتبطت أيضاً بعوامل مختلفة، منها انتشار العلاقات غير الشرعية، والزواج المبكر الذي ينتهي بالإنفصال لأسباب عديدة، لافتةُ إلى أن بعض الأطفال تتكفل بهم عائلات وتأخذهم لتربيهم مع أطفالها.

وتشدد المصادر على أن تلك الظاهرة الاتبطت بشكل كبير بالظروف التي خلقتها الحرب، حيث أنها لم تكن موجودة في البلاد قبل 2011، كما أكد السكان، لافتين إلى أن الأوضاع الراهنة والفقر وسوء المعيشة، كلها عوامل فرضت واقعا جديدا لدى بعض العائلات..

يذكر أن مدينة إدلب تستضيف أكثر من 2 مليون نازح من مختلف المدن والمناطق السورية، التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة السورية، حيث فروا من مدنهم بعد عقد اتفاقيات المصالحة التي قضت بدخول قوات النظام إلى تلك المدن، بينها غوطتي دمشق الشرقية والغربية ودرعا وحمص وحماة.

خطر إجتماعي يضاعف المأساة

طبيعة نظرة المجتمع الشرقي إلى هذه الفئة من الأطفال بدورها، تعمق من مأساتهم على المدى الطويل، بحسب ما يقوله المحلل الاجتماعي، “محمد بره”، الذي اعتبر أن تلك الظاهرة تمثل مأساة مركبة لهؤلاى الاطفال تمتد على مدار عمرهم بأكمله، لافتاً إلى أن فقدانهم للهوية والنسب، سيجعل منهم أفراد من الطبقة الثانية في المجتمع، والكثير من الناس سيتجنبون التعامل معهم في الأمور الاجتماعية، خاصةً مسألة الزواج.

كما يرى “بره” أنه حتى الأطفال، الذين وجدوا أسراً تقدم لهم الرعاية في طفولتهم ومهما بلغت مستوياتهم الدراسية او العلمية، فإن لفظ “لقيط” سيبقى يطادرهم إلى الأبد، على الرغم من أن لا ذنب لهم في كل ما حصل، معتبراً ان هذه الشريحة بدورها في منطق الحقوق الإنسانية يحق لها أن تقيم دعاوي ضد النظام السوري في المحاكم الدولية بوصفه شريك مباشر بما حصل معهم.

كما يشدد على ضرورة أن تكون لهذه الفئة من الأطفال تشريعات قانونية خاصة تحميهم من أي اضطهاد أو تنمر، بالإضافة إلى بذل المنظمات الإنسانية جهود أكبر لدعمهم، على اعتبار أنهم من أكثر فئات الشعب السوري تضرراً من الحرب والمجتمع في آن واحد.

يذكر أنه خلال فترة الحرب ظهرت الكثير من الظواهر المنتهكة لحقوق الطفولة، بينها زواج القاصرات والأطفال مجهولي النسب والحرمان من التعليم، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة عمال الأطفال بشكلٍ كبيرفي البلاد، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود نحو 200 ألف أرملة ويتيم في منطقة الشمال السوري بدون معيل.

في السياق ذاته، يؤكد “بره” على أهمية أن يعي المجتمع المحيط بهذه الطبقة من الاطفال، مسؤولياته تجاههم، ويوقن ضرورة التعامل معهم كضحايا لظروفٍ معينة بدلاً من تجنبهم واعتبارهم وصمة عار، مشدداً على أن المجتمع سيكون الخاسر الأكبر من أي اضطهاد لهؤلاء الاطفال.

دعم نفسي وجهود غير مبذولة

في الوقت الذي يثقل فيه الملف السوري بقضايا المعتقلين والفقر والجوع والتشرد، ترى الباحثة في شؤون الأسرة، “سمر أبو جدعان” أن ملف الاطفال مجهولي النسب يعاني من تهميش كبير جداً على الرغم من خطورة الظاهرة وما يحمله من تبعات على المدى الطويل، لافتةً إلى أن الأطفال في هذه الحالة فقدوا أهم ركيزة في أسس التربية وهي الأسرة.

بما أن ضحايا تلك الظاهرة هم من الرضع، تؤكد “أبو جدعان” على ضرورة أن تعطى قضيتهم أولوية بالنسبة للمنظمات العاملة في المجال الإنساني والحقوقي، على اعتبار أنهم يمثلون الفئة الأكثر ضعفاً بين ضحايا الحرب السورية، مبدية تعجبها من عدم الاهتمام بقضيتهم وعرضها ضمن المحافل الدولية.

كما تضيف “أبو جدعان”: “في حال أن المجتمع السوري لن يقدم لهم المساعدة والدعم النفسي والاجتماعي المطلوب، فإنهم سيكونوا الفئة الاكثر أحقية بالحصول على فرص اللجوء، على اعتبار ان ذلك سيمكنهم من الاستمرار بالحياة وبناء مستقبلهم بشكلٍ جيد بدلاً من الضياع”، مشددةً على ضرورة التعامل مع تلك الظاهرة كأمرٍ واقع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى