fbpx
أخر الأخبار

تونس من الداخل 1/3

مرصد مينا – ملفات

يمثل النظام السياسي التونسي محور الأحداث الجارية في البلاد منذ أشهر، لا سيما بعد قرارات الرئيس التونسي، “قيس سعيد” الاستثنائية، التي جمدت البرلمان ونقلت الصلاحيات التنفيذية من رئاسة الحكومة إلى مؤسسة الرئاسة، بالإضافة إلى ما يترافق مع الحديث عن طرح استفتاء لتغيير النظام الحالي والعودة إلى النظام الرئاسي، الذي كان معمول به قبل الثورة التونسية عام 2011.

مرحلة ما بعد الثورة

بعد الثورة التونسية في 2011، ترأس الجمهورية مؤقتا فؤاد المبزع ثم محمد المنصف المرزوقي إلى أن تولى المهام الباجي قائد السبسي بعد انتخابات 2014، فيما تولى “يوسف الشاهد” منصب رئيس الحكومة.

بعد وفاة الرئيس، “السبسي” في 25 يوليو 2019 تولى الرئاسة مؤقتًا رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر إلى أن انتُخِب قيس سعيد ونُصِّب في أكتوبر 2019، حيث فاز بأغلبية ساحقة، لتدخل البلاد بعدها صراعا بين السلطات الثلاث، الرئاسية والتشريعية والحكومية، لا سيما مع اتهامات الرئيس التونسي لرئيس البرلمان بمحاولة القفز على الصلاحيات والاستئثار بالسلطة.

وبحسب الدستور الحالي، عمل أعضاء لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما في المجلس التأسيسي على تجاوز مسألة تسمية النظام السياسي وترك هذه المهمة لفقهاء القانون والمختصين في محاولة منهم على أن يعمل نواب اللجنة على ضمان التوازن بين السلطات دون تحديد مسبق لنوع نظام يتماشى مع رؤية طرف سياسي دون اخر.

نظام سياسي غامض وهوية غائبة

عدم تحديد هوية واضحة للنظام السياسي الحاكم في تونس تسبب خلال الفترة الماضية بأزمة صلاحيات واسعة بين رئيس الجمهورية من جهة وبين رئيسي البرلمان والحكومة من جهة أخرى.

يشار إلى أن الرئيس التونسي، “قيس سعيد” كان قد علق قبل توليه رئاسة الجمهورية، على النظام السياسي في البلاد بأنه أشبه بـ ”الصحن التونسي”، معبراً عن صعوبة تصنيفه.

كما يعتبر “قيس سعيد” حينها أنه من الضروري أن يخضع الدستور والنظام السياسي القئم لمنظومة فقهيّة نظرا لأنه يأخذ من كل شيء بطرف  حسب تعبيره، مضيفاً: “الاطراف السياسية لم تعمل على إقامة توازنات جدية بقدر محاولتها افتكاك صلاحيات معينة حسب ما يتوافق مع رؤاها السياسية وقد انتهت هذه المحاولات بإضافة بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية ليبقى مركز الثقل الحقيقي بيد الحكومة، يمكن اعتبار هذا النظام نظاما مزدوجا ولكن ليس مزدوجا بالمعنى التقليدي نظرا لأن حقيقة السلطة تبقى بيد البرلمان ورئيس الحكومة مما يجعله نظاما مزدوجا أقرب للنظام البرلماني، أو هو أساسا نظام برلماني أدخلت عليه بعض التعديلات التي جاءت إثر صراعات سياسية صلب المجلس التأسيسي.

ويمتد الجدل حول نوع وشكل النظام التونسي القائم، إلى بقية المحللين السياسيين وخبراء القانون الدستوري، حيث يشير المحلل السياسي، “سعيد بلمبارك” إلى أن النظام القائم كان خطأً قاتلاً كونه خلق نوع من التداخل الكبير بين السلطات الثلاث ما ساهم في خلط الصلاحيات وأشعل حالة من الصراع أثرت على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لافتاً إلى أن ذلك الصراع أفقد التونسيين مكتسبات الثورة أدخل البلاد في الأزمة الراهنة.

تساؤلات أخرى طرحها سياسيون وخبراء في القانون الدستوري حول تنظيم السلطة التنفيذية وأهمها مدى فاعلية الرقابة والفصل بين صلاحيات رأسي السلطة التنفيذية إذا كان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ينتميان إلى نفس الحزب ، فهل سيتحول النظام الذي قال مؤسسو الدستور أنه نظام مزدوج إلى نظام رئاسي؟ وإذا حصل أحد الأحزاب على أغلبية هامة عززها بتحالف حزبي مريح ألن تكون الحكومة المنبثقة عن هذه الأغلبية في مأمن من المحاسبة ويكون رئيس الدولة انذاك تحت تهديد لائحة اللوم فتصبح صلاحياته صورية وبالتالي يتحول النظام إلى نظام برلماني ؟

هذه الأسئلة وغيرها تجعل من التوازن بين السلطات التي ادعى نواب الشعب أنه تم تضمينها في الدستور مجرّد حبر على ورق في انتظار ما ستفرزه الانتخابات القادمة، وبذلك يمكن القول أن نوع النظام السياسي في تونس ستحدده الأطراف التي ستمسك الحكم بعيدا عن أية اجتهادات فقهية.

وبحسب الخبراء الدستوريين، فإن مبادئ النظام الرئاسي لا تتماشى ما تم تضمينه في دستور تونس خصوصا في ما يتعلق بترأس رئيس الدولة للحكومة واقتراح القوانين مما يؤكد أن النظام السياسي في تونس ليس نظاما رئاسيا، كما أن النظام الرئاسي يقوم على حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية والفصل وضمان التوازن بين السلطات فيه سلبي ومكفول بالدستور والقوانين حيث لا يمكن لرئيس الدولة حل البرلمان، ولا يمكن اجبار رئيس الجمهورية على الاستقالة أو اقالته من قبل البرلمان وهذا لا يتماشى مع ما جاء في الدستور.

إلى جانب ذلك، يلفت خبراء القانون الدستوري أن المسير الفعلي للسلطة التنفيذية في النظام البرلماني هو رئيس الحكومة نظرا لأنه يمثل الأغلبية داخل البرلمان وهو مسؤول أمام البرلمان ويعين من طرف الأغلبية البرلمانية، كما أن للبرلمان صلاحية سحب الثقة من الحكومة، ويمكن للحكومة المشاركة في العملية التشريعية بما يمنحه لها الدستور من حق اقتراح القوانين والمصادقة عليها.

كما تكون بين السلطة التشريعية والتنفيذية رقابة متبادلة تتمثل في حق المجلس النيابي في حل الحكومة وحق الحكومة في حل البرلمان، وهذا النظام لا يتلاءم أيضا بصفة باتة مع ما جاء في دستور الجديد نظرا لأن رئيس الدولة في هذا الدستور له عدد من الصلاحيات كما أنّه مسؤول أمام البرلمان الذي بإمكانه أن يقدّم لائحة سحب ثقة ضدّه ويمكن له إقالته، إلاّ أنّ بعض النقاط التي جاءت في الدستور تطابقت مع النظام البرلماني ومنها طريقة تعيين رئيس الحكومة ومراقبة المجلس النيابي له وإمكانية سحب الثقة منه.

نظام مزدوج ؟

عرّف مقرر الدستور وعضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة النظام السياسي المنبثق عن الدستور الجديد بأنه ” نظام مزدوج” ، ويعرف هذا النظام أيضا بتسميات عدة منها “نظام رئاسي برلماني ” و” نظام شبه رئاسي” و”نظام مزدوج”.

وهذا النظام يمزج بين النظام الرئاسي والبرلماني يشترك فيه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في تسيير شئون الدولة، وتوزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يختلف من بلد إلى آّخر.

ويختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب. ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسئول أمام البرلمان ويستطيع البرلمان محاسبته وعزله إذا أراد. ومن أمثلة النظام المختلط النظام الفرنسي والبرتغالي.

وفي نفس الإطار يبيّن رئيس لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما “عمر الشتوي” أن نظام الجمهورية الثانية في تونس ينتمي إلى صنف الأنظمة المختلطة نظرا لأنه يمنع هيمنة سلطة رئاسة الجمهوريّة ويوزع صلاحيات السلطة التنفيذية بين الرئيسين مما يساعد على منع عودة منظومة الاستبداد.

ويقول “الشتوي” إن اعتماد فرنسا لنظام مزدوج منذ سنة 1961 أعطى القوة لمركز رئيس الدولة كما أعطى صلاحيات هامة لرئيس الحكومة المسؤول في نفس الوقت أمام مجلس الشعب، وبالتالي فإن هذا النظام المزدوج يوفق بين خصائص النظامين البرلماني والرئاسي فرئيس الدولة يهتم بالعلاقات الخارجية ورئيس الحكومة يهتم بالشؤون الخارجية للبلاد كما أن هذا النظام يعزز الرقابة بين طرفي الحكم.

صلاحيات متقاسمة

وفقاً للنظام السياسي القائم، فإن صلاحيات رئيس الجمهورية تقوم على الشكل التالي:

يتولّى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة، ويختص بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة.

كما يتولّى حلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور، ولا يجوز حلّ المجلس خلال الأشهر الستة التي تلي نيل أول حكومة ثقة المجلس بعد الانتخابات التشريعية أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من المدة الرئاسية أو المدة النيابية،

إلى جانب ذلك يتولى رئيس الجمهورية القيادة العليا للقوات المسلحة، وإعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه، وإرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيسيْ مجلس نواب الشعب والحكومة، على أن ينعقد المجلس للبت في الأمر خلال أجل لا يتجاوز ستين يوما من تاريخ قرار إرسال القوات، واتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، والإعلان عنها طبق الفصل 80، المصادقة على المعاهدات والإذن بنشرها،إسناد الأوسمة، العفو الخاص، تعيين مفتي الجمهورية التونسية وإعفاءه،التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا برئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها، وتضبط هذه الوظائف العليا بقانون.

ويتولى رئيس الدولة التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية والمتعلقة بالأمن القومي بعد استشارة رئيس الحكومة، وتضبط هذه الوظائف العليا بقانون، تعيين محافظ البنك المركزي باقتراح من رئيس الحكومة، وبعد مصادقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب.

أما الفصل 78 من الدستور يشير إلى انه يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ولا يُعفي ذلك من التتبعات الجزائية عند الاقتضاء. ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى.

فيما يتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة، فقد نص عليها الدستور بما يلي:

يضبط رئيس الحكومة السياسة العامة للدولة، مع مراعاة مقتضيات الفصل 77، ويسهر على تنفيذها، حيث يختص رئيس الحكومة بـإحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء، إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البتّ في استقالته، وذلك بالتشاور مع رئيس الجمهورية إذا تعلق الأمر بوزير الخارجية أو وزير الدفاع.

إحداث أو تعديل أو حذف المؤسسات والمنشآت العمومية والمصالح الإدارية وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء، باستثناء الراجعة إلى رئاسة الجمهورية فيكون إحداثها أو تعديلها أو حذفها باقتراح من رئيس الجمهورية، إجراء التعيينات والإعفاءات في الوظائف المدنية العليا. وتضبط الوظائف المدنية العليا بقانون ويعلم رئيس الحكومة رئيسَ الجمهورية بالقرارات المتخذة في إطار اختصاصاته المذكورة.

كما يتصرف رئيس الحكومة في ألإدارة ويبرم الاتفاقيات الدولية ذات الصبغة الفنية.وتسهر الحكومة على تنفيذ القوانين. ويمكن لرئيس الحكومة أن يفوض بعض صلاحياته للوزراء، إ ذا تعذر على رئيس الحكومة ممارسة مهامه بصفة وقتية.

يمارس رئيس الحكومة السلطة الترتيبية العامة، ويصدر الأوامر الفردية التي يمضيها بعد مداولة مجلس الوزراء. وتسمى الأوامر الصادرة عن رئيس الحكومة أوامر حكومية. يتم الإمضاء المجاور للأوامر ذات الصبغة الترتيبية من قبل كل وزير معني. يتولى رئيس الحكومة تأشير القرارات الترتيبية التي يتخذها الوزراء.

يمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللوم إلا بعد مضي خمسة عشر يوما على إيداعها لدى رئاسة المجلس. ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يُصادَق على ترشيحه في نفس التصويت.

يمكن لمجلس نواب الشعب سحب الثقة من أحد أعضاء الحكومة بعد طلب معلل يقدم لرئيس المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل، على أن يتم التصويت على سحب الثقة بالأغلبية المطلقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى