fbpx

وكان إسحاق رابين قد أدرك الحكاية

 مرصد مينا

حتماً لم يكن بوسع بنيامين نتنياهو ولا إدارة الحرب الإسرائيلية التنبؤ بأن تتجاوز الحرب المائة يوم،  تماماً كما لم يكن بوسعهم التنبؤ بقدرة فصيل من “الحفاة” إحداث كل هذا الضرر بإسرائيل وبقواتها، وقد تكون عملية اليوم التي أودت بحياة ٢٤ من جنود الاحتلال وضباطه هي واحدة من العمليات الموجعة للجيش الإسرائيلي، ولبنيامين نتنياهو شخصياً، وكان الرجل قد توّرط في سوء الحسابات، ربما متكئاً على روايات الغيب المخزّنة في الذاكرة اليهودية، باستثناء تلك التي تقول بـ “هدم المعبد على من فيه”، وهي الرواية التي باتت ممكنة اليوم ما بعد:

ـ العجز عن إيقاف الحرب بالنسبة لبنيامين نتنياهو، تماماً كما عجز حماس عن إيقافها.

الطرفان استطاعا إطلاق الحرب، والطرفان اليوم عاجزان عن وضع حد لها، فإيقافها بالنسبة لبنيامين نتنياهو له معنى واحد، والمعنى إحالته إلى المحاكمة لا لأسباب تتصل بالفساد، وملفات فاسده واسعة ومتراكمة، لا، بل بسبب فشله الذريع في إدارة العمليات العسكرية التي استطاعت أن تدمّر وعجزت عن الإنجاز، فالإنجاز يتطلب:

ـ اجتثاث حماس، وهذا هدف لم يتحقق.

ـ السيطرة على قطاع غزة، وهذا بات من المستحيل.

وسيقابله على الضفة الأخرى حماس، التي لم يعد بوسع القوات الإسرائيلية تخسيرها، فالخاسر لا يخسر.

الحرب طالت، ولابد وفق تصريحات بنيامين نتنياهو أن تطول أكثر، وكلما طالت امتدت في الضحايا دون أيّ إنجاز سياسي ممكن، وهو أمر لابد وأدركته الإدارة الأمريكية التي تشتغل بدبلوماسيتها ودبلوماسييها على إيقاف هذه الحرب، مرفِقة نشاطها السياسي بالدعوة إلى حلّ الدولتين، ومن ثم إعلان الدولة الفلسطينية، وهذا لابد ويتم بالتوافق مع الدبلوماسية الإيرانية، فالدبلوماسيتان متوافقتين على هذه النتيجة والاستعصاء في رأس نتنياهو وحده، فالرجل اتخذ قراره بالانتحار العسكري تجنّباً للانتحار السياسي، وقد تنقلب الصورة لحظة يهرع الشارع الإسرائيلي لتعداد ضحاياه، ولغياب أولاده من الجنود عن موائد الغداء العائلي، فالمجتمع الإسرائيلي الذي تماسك عبر مقولة “العدو وراء الأسوار”، لابد وينهار ما بعد انهيار الأسوار ودخول العدو عمق البيت الإسرائيلي، وقد يكون مطار بن غوريون شاهداً على هذه التحولات، فالأرقام تشير إلى أن ٣٧ بالمئة من الإسرائيليين يستعدون للرحيل عن أرض ميعادهم، ما يعني انتهاء دولة الوعد، والإبقاء على مجرد “الثكنة”، وهو أمر يعني فيما يعنيه نهاية الدولة الموعودة.

ما تبقّى اليوم، هو لعبة عضّ الأصابع، فمن سيصرخ اولاً؟

بالنسبة للفلسطينيين يعرفون بالتمام والكمال أن الصراخ لن يجدي، فليس أمامهم سوى السباق وصولاً لخط النهاية، أما المجتمع الإسرائيلي، فليس خطّ النهاية بالنسبة اليه الانتصار بالتدمير فحسب، بل الانتصار بالمعطى السياسي الذي يعني أن تكون الدولة في مأمن، ولن تكون في مأمن  وهي وراء الأسوار.

مأمنها أن تكون جزءاً من منطقة واسعة، من الشرق الأدنى الكبير، من منطقة بوسع الإسرائيلي فيها أن يتذوق “كنافة” دمشق، و”كشري” القاهرة”، وأن يمضي ليلة في “بتراء” الأردن دون أن تنفجر وسادته تحت رأسه.

ما بعد هذه الحرب، سيكون واحد من احتمالين:

ـ نهاية إسرائيل بانهيار المعبد على من فيه، أو انتصار قوى السلام، وهذا مرهون بقوى السلام الإسرائيلي.

وحدها قادرة على أن تحول دون احتراق الأخضر واليابس.

كلام كان قد أدركه إسحاق رابين، وفتك بحامله لينتهي الرجل مقتولاً وبيده راية السلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى