fbpx
أخر الأخبار

إعادة تعويم الأسد.. كأن شيئاً لم يكن

الكلام الصريح، الواضح، بالغ الأدلة، أن مساع حثيثة تبرز إلى الواجهة عناونها “إعادة تأهيل بشار الأسد”.

إعاد التأهيل هذه، لم تتطلب من “المؤهلين” ما ينفي جرائمه التي لاتحد:

ـ جرائم بحق الحريات (سجونه تغص بالمعتقلين).

ـ جرائم بحق الحياة (مايزيد عن نصف مليون سوري قتلوا بسلاحه)

وجرائم الفساد وهي سكمة موروثة من سمات النظام.

إعادة التأهيل هذه، تأتي اليوم عبر الدفع بجامعة الدول العربية لاستعادة مقعد سوريا في الجامعة، وفتح المجال مجددًا لبشار الأسد كي يحاضر بالجامعة، وربما كي يمارس فجوره السياسي بمواجهة الحكام العرب نفسهم، وسبق أن نعتهم بـ “أشباه الرجال” في واحدة من خطاباته في مبنى الجامعة إياها.

دوافع إعادة تأهيله، ربما تختصر بـ :

ـ فشل الرهان على المعارضات السورية، وهي معارضات كلما زاد عددها قلّ وزنها.

– فشل المعارضات في إدارة المناطق التي تديرها، بما جعلها مناطق أشبه بالكهوف من الحاضرات البشرية.

– الانتصارات العسكرية التي حققها النظام عبر الروس وحزب الله وايران.

ـ الرخاوة الدولية والأمريكية تحديدًا إزاء النظام بدءًا من إدارة أوباما وصولاً لإدارة بايدن.

وربما الرهان على سحب النظام من اليد الإيرانية، واحد من هذه الدوافع، بمعنى رشوة النظام، ليبيع إيران، ويشتري رضا خصومها.

كل المبررات صحيحة، وبناء على هذه المبررات، اعيد فتح مجموعة من السفارات العربية في دمشق ومن بينها:

ـ أعيد فتح سفارة دولة الإمارات.

ـ أعادت تونس فتح سفارتها في عام 2015، حيث أرسلت دبلوماسياً متوسط الشأن إلى دمشق.

ـ أعادت عُمان سفيرها إلى سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2020، لتكون أول دولة خليجية تقوم بذلك. وبعد خمسة أشهر، صرح السفير السوري المعتمد لدى مسقط بأن البلدين اتفقا على “تعزيز الاستثمارات” والتجارة.

ـ أرسل الأردن قائماً بالأعمال إلى دمشق في عام 2019، ليملأ بذلك منصباً بقي شاغراً منذ عام 2012.

ـ أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري الشهر الماضي أن القاهرة تدعم التطبيع العربي مع سوريا، بعد وقت قصير من لقائه مع لافروف.

ـ استضاف العراق وزير النفط السوري الأسبوع الماضي للتفاوض على صفقة لاستيراد الغاز الطبيعي المصري عبر سوريا.

ـ أرسلت المملكة العربية السعودية رئيس استخباراتها إلى دمشق لإجراء محادثات مع نظيره السوري في 3 أيار/مايو، في اجتماع وصفته صحيفة «الغارديان» البريطانية بأنه “الاجتماع الأول العلني من نوعه منذ اندلاع الحرب”. ووفقاً لبعض التقارير ناقشا إعادة فتح السفارتين.

ـ ستعقد مصر والعراق والأردن قريباً اجتماعاً في بغداد يركز على إعادة دمج سوريا في المنطقة، وفقاً لتقرير من نيسان/أبريل في صحيفة “الشرق الأوسط”.

بطبيعة الحال لكل من هذه الدول دوافعها وأسبابها:

الأردن يتحرك مدفوعاً في المقام الأول من رغبته في دعم اقتصاده، وإعادة اللاجئين، واستئناف النشاط التجاري المتسق، وإحياء النقل البري عبر سوريا في طريقه إلى تركيا وأوروبا. وفي هذا الصدد، لا تزال قيود «قانون قيصر» الذي أصدرته واشنطن تثير غضب عَمّان.

المسؤولون المصريون يؤيدون الفكرة غير المؤكدة بأن عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” ستعزز “عروبتها” تدريجياً، وبالتالي تُبعِد دمشق عن إيران الفارسية. ومن المحتمل أن تشارك دول أخرى في المنطقة وجهات نظر مماثلة. حتى أن بعض شخصيات الأمن القومي الإسرائيلي تقدّر بشكل غير محتمل أن روسيا قد تحد من الاجتياح الإيراني لسوريا ما بعد الحرب في ظل حكم الأسد.

كما يبدو أن معظم الدول العربية – وخاصة مصر – مستعدة لتصديق مسرحية الانتخابات الرئاسية الوشيكة في سوريا كدليل على التحوّل السياسي. فخلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في 12 نيسان/أبريل مع لافروف، أعلن وزير الخارجية شكري أن التصويت المزمع في 26 أيار/مايو سيسمح للشعب السوري “بتحديد مستقبله… وتشكيل حكومة تمثله”، على الرغم من حتمية النتائج المزوّرة لصالح الأسد.

بطبيعة الحال، يترافق تعيوم الأسد مجددًا مع تجاهل ضرورة محاسبة النظام على “انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”، على حد تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. ومن الناحية الفنية، لا ترقى هذه الانتهاكات إلى مستوى التعريف الدولي لـ “الإبادة الجماعية”، لكن “متحف ذكرى الهولوكوست” في الولايات المتحدة وصفها بأنها “جرائم وحشية ضد الإنسانية وجرائم حرب”، و”يجب محاسبة الجناة”.

كان قرار “الجامعة العربية” لعام 2011 بتعليق عضوية سوريا مذهلاً في ذلك الوقت لأن المنظمة نادراً ما أبدت نفوراً من جرائم أعضائها ضد الإنسانية. ففي آذار/مارس 2009، على سبيل المثال، استضافت الرئيس السوداني عمر البشير في قمة قطر بعد أسابيع فقط من توجيه الاتهام إليه من قبل “المحكمة الجنائية الدولية” لإصداره أمر بقتل ما يقرب من 500 ألف مدني في دارفور.

وبعد عقد من الزمن، يبدو أن هذه الرغبة في التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان تعود إلى الواجهة. ففي 21 نيسان/أبريل، جُردت سوريا من حقوقها في التصويت في “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية”، وهو قرار أيدته 87 دولة عضو في “المنظمة”. ومع ذلك، امتنعت ثماني دول أعضاء في “الجامعة العربية” عن التصويت، من بينها الأردن، والعراق التي تعرّض سكانها الأكراد لهجمات كيماوية خلال عهد صدام حسين. وكانت فلسطين، التي هي عضو آخر في “الجامعة العربية”، من بين خمسة عشر صوتاً معارضاً، بانضمامها إلى دول أمثال إيران وروسيا.

واليوم، وبغض النظر عن القبول المتزايد للأسد في العواصم العربية ، فإن إعادة تأهيله ليست حتمية. بيد أنه من أجل الحيلولة دون انهيار الإجراءات المنصوص عليها في “القرار رقم 2254″، الذي يكبّل أيدي الأسد، لابد من موقف أمريكي.. أمريكي حاسم، وبلاه، لن يكون ثمة محاسبة ولا متغير في بلد مثل سوريا.

سيعود الأسد كما كان ما قبل 2011، وستكون كل الأثمان التي دفعتها البلد، مجرد هدر للدم في بئر الموتى.

ما الذي يمكن للإدارة الأمريكية فعله؟

بالحد الأدنى:

ينبغي على واشنطن  أن ترفض الانتخابات الرئاسية الوشيكة التي ستجري في سوريا، والتي من المؤكد ستمنح الأسد فترة ولاية أخرى أمدها سبع سنوات حتى في الوقت الذي تحاول فيه الدول الأعضاء في “الجامعة العربية” وصفها بأنها “مرحلة انتقالية”. وبدلاً من ذلك، يجب على المسؤولين الأمريكيين العمل مع الشركاء الأوروبيين لتشكيل إجماع دولي فيما يتعلق بفشل الانتخابات في تلبية المتطلبات “الحرة والعادلة” المنصوص عليها في “القرار رقم 2254”.

إعادة تأهيل الأسد، ربما ستكون إعادة تأهيل ولكن:

ـ ليس تأهيله ليتصالح مع شعبه.

ـ ليس تأهيله ليتعقلن.

ليس تأهيله ليكون جزءًا من منظومة عربية خارج الحضن الإيراني.

إعادة تأهيله من أجل استعادة دوره في استخدام الكيماوي.. البراميل الحارقة.. لعبة الموت التي لن يكف عنها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى