fbpx

قبل أن تحترق عباءة السويداء

دعوهم يقتتلون، أو دعوا الحديد يفلّ الحديد.. كان هذا شعار وممارسة سلطات النظام السوري في محافظة السويداء على وجه الخصوص، والشعار والممارسة إياهما، بُنيا على مجموعة من الدوافع: ـ تدارك السلطة لوقوع مجابهات ما بين قواتها والأهالي كما حال بقية المحافظات السورية. ـ غضب السلطة المسكوت عنه من موقف اهالي السويداء الذين حاولوا تحييد أنفسهم عن الاحتراب السوري الداخلي، وبالتالي احتضانهم للنازحين من مناطق سورية أخرى، وبالوقت نفسه امتناع شبابها عن الخدمة الإلزامية. في هذا الوقت عمل النظام على إحداث ما يمكن تسميته بـ فراغ السلطة، بالموازاة مع إطلاق مناصريها لإحداث فوضى، وهي بدورها الفوضى التي لابد وأن تقود إلى الاشتباك ما بين الأهالي أنفسهم. نجحت أجهزة الاستخبارات إلى حد بعيد في خلق شرخ ما بين السكان، وذلك عبر صراع ما بين مؤيد ومعارض، غير أنه بقي صراعاً مستتراً تغلّب عليه ملامح تأجيل انفجاره، وفي هذا التوقيت لعبت تلك الأجهزة على استقدام “داعش” إلى المنطقة اعتقاداً بأن وجود “داعش” خصوصاً ما بعد المجزرة التي ارتكبها “داعش” في الريف الشرقي الشمالي، سيقود السكان إلى الاحتماء بالسلطة واستدعاء الجيش، غير أن السكّان فوتوا الفرصة بأن “خلعوا أشواكهم بأيديهم” دون اللجوء الى قوات النظام. أدرك النظام أعقاب معارك السكان مع “داعش”، أنه قد أُخرج من المحافظة، فكانت الخطوة اللاحقة للنظام، هي إحداث سلسلة من الجرائم التي تأخذ طابعاً أمنياً وهي جرائم تمتد من السلب والنهب والاختطاف وصولاً لجرائم القتل، وهي جرائم تعود في معظمها للغطاء الذي منحه النظام لمناصريه، وفي منحهم السلاح، ليقوم الأهالي وخصوصاً من المعارضين بالبحث عن السلاح والحصول عليه، مما جعل السلاح ينتشر بكثافة بين السكّان، وجعل السلطة كل السلطة للشارع على الشارع، وفي نظرة واقعية، فمعظم حملة السلاح من الشباب المغامرين، خصوصاً وأن المرجعيات التقليدية للمنطقة، والتي كانت تشكل حوامل اجتماعية ووطنية، قد غيّبت، ليس خلال السنوات العشر الأخيرة فحسب، وإنما منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة، وتنصيب محاسيبه على السكان كما حال بقية المحافظات والطوائف السورية الأخرى، خصوصاً في صفوف ما يدعى بالأقليات المذهبية، بما سمح للفراغ بأن يقود هذه المجموعة السكانية إلى واحد من خيارين: ـ إما فراغ المرجعيات، وإما احتكار السلطة للمرجعية. الآن، ثمة ما يمكن تسميته بفراغ المرجعيات، أو لنقل، عدم تبلور مرجعية جامعة للسكان، بالموازاة مع انشقاق مستتر في صفوف الأهالي، وهو الوتر الذي تلعب عليه السلطة بما يجعل الانشقاق المستتر انشقاقاً واسعاً ومعلناً بل ودموياً تسوده أعمال العنف، هذا ماحصل وتظهّر في الأسبوع الفائت عبر جريمة قتل قام بها أحد أنصار السلطة، فكان الرد من أنصار المعارضة بالقيام بإعدام علني لثلاثة من أنصار السلطة، وقد نفذ الإعدام في ساحة عامة وعلى مرأى من المارة والناس وفي وضح النهار، ودون أي تدخل من السلطة. على ماذا يدل ذلك وإلى أين يمكن أن تتدحرج كرة النار؟ لابد ستذهب الامور نحو رد فعل على فعل، بحيث يستمر الفعل ورد الفعل حتى تذهب الحالة الى احتراب أهلي، وهو الاحتراب الذي مازال مؤجلاً بفعل الضمير الجمعي لمجاميع الناس الذين يدركون مخاطر الاشتباك، غير أنه ما أن يقع حتى يتورم وينتفخ، ويتحول إلى مجازر تتلو مجازر، فالسلاح متوفر، والمحرّض موجود، واللعبة الاقليمية جاهزة لإيقاد النار في محافظة هي على الجوار من الاردن واسرائيل، وبالتالي فالجغرافية ستضيف الى السياسة مشاريع لن يفوز أي منها سوى على دماء أبناء هذه المحافظة. حتى اللحظة مازالت النيران تشتعل (بطرف العباءة) حسب التعبير الدارج للسكان، ولكن ماذا بعد طرف العباءة؟ تخوفات بلاد حدود، والتحريض بلا حدود، وضبط النفس مازال هو السمة العامة للسكان مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى