fbpx

الطحين ليس من مشتقات الكلام

ما المتبقي أمام لبنان؟ يسأله اللبنانيون منتهيًا بإجابة ربما بالغة السواد، فالواقع اللبناني يطرح ثلاث تيارات لبنانية:
ـ تيار الثورة، بما يعني اجتثاث النظام برمته، وهو نظام يقوم على المحاصصة الطائفية.
ـ تيار الإصلاح، ويعتمد الاشتغال من داخل البيت اللبناني لتغيير أثاثه.
وتيار الانهيار الذي يراهن على انهيار كل لبنان والبدء من الصفر.
تيار الثورة، لن يكون موضع إجماع لبناني، فالقوى التي نزلت إلى الشارع اللبناني ابان انتفاضة 17 أكتوبر لم تكن سوى مجموعات الطبقة الوسطى كما مجموعات من الطبقات المفقرة، ولاتمثل في واقع الحال ما يتجاوز نسبة ضئيلة من كلا الطبقتين من اللبنانيين، فلبنان الطائفة تغلّب على لبنان الطبقة، وعلى هذا كانت النتائج تقول بأن عصى القيادة بقيت في يد زعماء الطوائف الذين يرون في “الثورة” اجتثاثًا لهم ولمكاسبهم وسطوتهم وسلطتهم، وعليه توحدت صفوفهم لإخراج الشباب من الساحات، دون نسيان ركوبهم موجة الانتفاضة التي قامت بالأساس لمواجهتهم، وعليهم لا لهم.
أما تيار الإصلاح، فلابد وأن يبتدأ اولاً من إصلاح الإدارات والقضاء، وفي سقفه الأعلى انتخابات نيابية تقوم على الدائرة الانتخابية الواحدة بديلاً عن دوائر الطوائف، وبالنتيجة فالذهاب إلى الإصلاح وفق ما تطرحه التيارات الإصلاحية، ستقرره الطبقة التي سيكون الإصلاح بمواجهتها، فإذا كان الكلام يتصل بالمال المنهوب فهم ناهبيه، وإذا كان يقوم على اجتثاث الفساد فهم الفاسدون، وإذا كان يعني إصلاح القضاء، فليس من قضاء صالح يواكب مصالحهم، فالقضاء الفاسد هو قضاءهم، وعلى هذا القضاء ان يكون قدر اللبنانيين.
أما تيار الانهيار، فحسنًا، فهاهو يقول بأن الله لم يمسخ ما يتخطى مسخ الإنسان إلى القرد، وليكن الانهيار والعودة الى الصفر، ومن الصفر قد يكون إعادة بناء البلد، وهو تيار يعتمد في توجهاته على اليأس من الإصلاح ومن الثورة معًا، ومن يتطلع الى الحال اللبناني يدرك بأن لليأس ألف سبب وسبب فيما أسباب الإصلاح معدومة أو شبه معدومة، أما تيار الثورة فلن يكون مادامت مفاتيح الشارع مرهونة للطبقة السياسية الحاكمة وهي طبقة زعماء الطوائف والطرائف ووارثي الزعامة والمتسلبطين على قوت الناس ومدخرات الناس وحياة الناس.
يحدث كل ذلك في مناخ من لعبة إقليمية قد تكون الأقسى على لبنان، فقانون قيصر لابد وأن يجد تداعياته على لبنان، ليفقد لبنان القليل مما تبقى من الخيارات في المعطى الاقتصادي، فالطريق إلى دمشق سيكون مغلقًا، والطريق إلى العراق لابد ويمر بدمشق وكذلك الطريق إلى الأردن، ما يعني حصارًا على لبنان لتزيد الطين بلة، ويكون لبنان محاصرًا، سوى من البحر، فالجنوب مغلق بفعل إسرائيل.
ما الذي سيتبقّى والحال كذلك؟
حتى اللحظة، ليس ثمة نافذة واحدة أمام لبنان.
كل ذلك دون نسيان أن ثمة لغة تحمل الكثير من الإنشاء يرددها حكوميون يعرفون أن اللغة ليست طحينًا، وأن قوت الناس لايطبخ بالكلام. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى