fbpx

من سيحكم الجزائر؟

بعد ما تردد في وسائل الإعلام الجزائرية بخصوص لقاء جمع مؤخراً بين عبد الرزاق مقري رئيس حركة حمس (إخوان الجزائر) ورجل الظل في قصر المرادية القصر الحاكم في الجزائر، كان علينا أن نسلط الضوء على ما يدور في كواليس قصر المرادية، وبالتحديد على شخص سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الملقب برجل الظل في الجزائر.

  • النشأة والارتباط بالشقيق الأكبر

ولد سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عام 1957م في مدينة وجدة المغربية في عائلة تتكون من تسعة أفراد، وبعد أن أتم عامه الأول توفي والده الذي كان يعمل وكيلاً في سوق الجملة ليتولى رعايته شقيقه (الرئيس الحالي) الأكبر منه بعشرين عاماً إلى جانب والدته، وبعد أن صار الشقيق الأكبر وزير الشباب والرياضة والسياحة في أول حكومة للرئيس أحمد بن بلة من عام 1962 وحتى عام 1965م، انتقلت العائلة إلى الجزائر العاصمة لكي يتتلمذ الشقيق الأصغر على يد صديق العائلة الأول هواري بومدين ثاني رئيس للجزائر بعد الاستقلال، ثم تلقى سعيد تعليمه الأول في مدرسة سان جوزيف ثم التعليم الثانوي في ثانوية اليسوعيين، وبعد حصوله على البكالوريوس وعلى الإجازة الجامعية العلمية في باب الزوار توجه سعيد عام 1983م إلى الدائرة السادسة في باريس للحصول على الدكتوراه من جامعة بيير وماري كوري. وبسبب كثرة المضايقات التي تعرضت لها عائلة بوتفليقة اضطر الشقيق الأكبر عبد العزيز بوتفليقة وباقي أفراد عائلته إلى مغادرة الجزائر، حتى خاض عبد العزيز جولات عدة في عواصم أوروبا والشرق الأوسط للبحث عن فرصه جديدة لنفسه بوصفه مستشاراً سياسياً بعد أن سدت الأبواب كلها داخل الجزائر أمامه، إلى أن استعاد الشقيق الأكبر نفوذه مجدداً في وطنه بعد السماح لعائلته بالعودة مجدداً إلى أرض الوطن عام 1987م، وسريعاً انخرط عبد العزيز في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني المعروف باسم “الافلان”، وفي عقب ذلك عاد سعيد مجدداً إلى جوار شقيقه كي تستقبلهم أرض الوطن مرة أخرى، وتستعيد عائلة بوتفليقة فيلا سيدي فرج التي صادرها الشاذلي بن جديد صهر وزير الدفاع الجزائري، وفي تلك المراحل كلها كان الشقيقان على اتصال دائم على الرغم من المتغيرات التي أجبرتهم كثيراً على الفراق إلى أن جمعهم منزلهم دائماً في حي بيار في الجزائر العاصمة.

  • سعيد من الغربة إلى المرادية (قصر الرئاسة)

في أيلول/ سبتمبر عام 1998م أعلن الرئيس الجزائري اليامين زروال استقالته وإجراء انتخابات مبكرة لكي يخوض بعدها الشقيق الأكبر وعائلته تجربة جديدة ويدخل التاريخ من باب قصر المرادية أي قصر الرئاسة عام 1999م، وبعد أن شهدت فيلا حيدرة في الجزائر العاصمة أولى مجهودات الشقيق الأصغر في الحملة الانتخابية لشقيقه الأكبر، عين بعد ذلك سعيد بوتفليقة مستشاراً خاصاً للرئيس بقرار لم ينشر وقتها، وأسندت إليه إدارة النظم المعلوماتية لمكتب الرئاسة، لكي يبدأ سعيد بوتفليقة مرحلة جديدة في حياته بالتزامن مع مرحلة جديدة بدأتها الجزائر دولة وشعباً بعد انقضاء مرحلة دموية صعبة بالعشرية السوداء تلتها مرحلة اقتصادية أكثر صعوبة كانت هي التحدي الحقيقي أمام الرئيس الجديد وفريقه. وعام 2004م كان سعيد هو مهندس حملة انتخابات شقيقه عبد العزيز للرئاسة والأمر نفسه تكرر في انتخابات 2008م، ولكن كان هنا فرق كبير بين المشهد في 2004م و2008م، بعدما حمل عام 2005م أولى الوعكات الصحية للرئيس الجزائري حتى أجبره المرض على التوجه إلى باريس لتلقي العلاج في مستشفى فال دوجراس العسكري يوم 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005م، وهنا ظهر مستشار الرئيس وشقيقه الأصغر ليعطي الأوامر ويكون له الكلمة العليا في تعيين الوزراء والولاة والدبلوماسيين والسفراء، ومع كثرة الوعكات الصحية التي أصابت الرئيس الجزائري من عام2011م وحتى عام 2014م كانت الأضواء كلها تتركز على تحركات مستشار الرئيس وشقيقه الأصغر، وكانت بصماته واضحة في أرجاء قصر المرادية وأروقته كافة وفي القرارات التي يجري اتخاذها، حتى ردد بعضهم بأنه الحاكم الفعلي للبلاد. وبعد ثورات الربيع العربي وحالة الحراك الشعبي التي دبت في شوارع العواصم العربية نزل سعيد بوتفليقة من على خشبة مسرح حزب “التجمع من أجل الوئام الوطني” الذي أسسه عام 2010م تاركاً رئاسته لسيد أحمد عياشي، وهنا بات يتحرك سعيد بخطوات لم يكن يتوقعها أو بالأدق لم يفهمها ولم يستطع تفسيرها أغلب المهتمون بالشأن الجزائري إذا كان سعيد يطمع في كرسي المرادية أم يرغب في البقاء رجل الظل أم أنه ينوي الاعتكاف قليلاً في ظل كم الاتهامات التي وجهت إليه بقاضايا فساد. جدير بالذكر أنه عندما أسس سعيد بوتفليقة حزب “التجمع من أجل الوئام الوطني” دفع عدداً من الصحف العربية في وقتها -وفي مقدمتها صحيفة الشرق الأوسط- إلى القول بأن أنصار شقيق الرئيس الجزائري يجرون اتصالات ومساعي حثيثة للدفع بالشقيق الأصغر له وكبير مستشاريه إلى قبول رئاسة حزب صغير حتى يدخل به معترك الانتخابات البرلمانية المرتقبة في 2012 لكن الهدف الحقيقي هو أن يترشح باسم هذا الحزب لانتخابات الرئاسة 2014 في حال عدم ترشح الرئيس الحالي.

  • سعيد تحت أعين واشنطن وصفحات ويكيليكس

مع بداية عام 2008م كانت أنظار واشنطن تتجه نحو رجل الظل في قصر المرادية، حتى قامت وزارة الخارجية الأمريكية عامي 2008م و2009م بطلب من دبلوماسييها في كل من المغرب وتونس والجزائر وفرنسا لإعداد تقارير وجمع أكبر كم ممكن من المعلومات حول شقيق الرئيس الجزائري، ومعرفة مدى نفوذه في دوائر السياسة والاقتصاد، وحجم علاقاته برجال الجيش والاستخبارات ومن الأقرب إليه من الجنرالات، في محاولة من واشنطن لقراءة شكل الجزائر بعد مرحلة عبد العزيز بوتفليقة. وفي تلك المرحلة نشر موقع ويكيليكس وثائق تفيد بدور سعيد بوتفليقة في إقالة علي بن فليس في أيار/ مايو 2003م من منصب الأمين العام لجبهة التحرير الوطني وهو المشهد الذي كان يدور في مخيلة أحمد بن بيتور دائماً وقت كان رئيساً للحكومة، وفي ما يخص تسريبات موقع ويكليكس الخاصة بشقيق الرئيس الجزائري فكانت صحيفة الباييس الإسبانية العدد الصادر يوم 16 كانون الأول/ ديسمبر 2010م أكثر من سلط الضوء على تلك التسريبات، بعد أن برزت الصحيفة الحوار الدائر بين برنار باجولي السفير الفرنسي في الجزائر ونظيره الأمريكي روبرت فورد، فقد ذكرت الصحيفة حديث باجولي لنظيره قائلاً “لقد بلغ الفساد ذروته بعد أن وصل إلى دوائر الجيش حتى وصل إلى قمة الهرم داخل مؤسسة الجيش الجزائري، كذلك إخوة بوتفليقة المتورطين في فضائح فساد في بنك خليفة، فالجزائر ليس لديها ما يجعل جارها يحسدها على الفساد ولكن نظامها السياسي مختلف عن المغرب ليس فقط لأن نظام الجزائر جمهوري ولكن لأن السلطة تقع على كاهل رئيس الدولة فقط، ما أدى إلى انقسام داخل الجيش وهذه الازدواجية في السلطة تنشئ نوعاً من الشلل في استقرار البلد” جدير بالذكر أن مجلس الوزراء الفرنسي في يوم 10 نيسان/ أبريل 2013م اتخذ قراراً بتعيين برنارد باجولي السفير السابق في الجزائر والعراق والأردن والبوسنة والهرسك وأفغانستان مديراً لجهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية، الأمر الذي جعل لفرنسا مساراً آخر تجاه الملف الليبي ذي التداعيات المباشرة على الدولة الجزائرية.

  • علامة الاستفهام لإقالة مدين واتهام بسوناطراك

حقيقة الأمر لو حاول أحد الاطلاع على شخصية رجل الظل في قصر المرادية ومستشار الرئيس الجزائري وشقيقه عبر مواقع البحث الإلكترونية أو عبر الصحف والجرائد فسيجد أغلب تلك المعلومات والتقارير في الصحف الفرنسية والمغربية، ولكن للأسف الشديد تعمدت أغلب التقارير الصحافية الفرنسية إن لم نقل جميعها- أن تعقب وتتكلم عن سعيد بوتفليقة من زاوية مصالح باريس الخاصة في الجزائر ولم تكن تتبع أبسط قواعد المهنية، فإن كان الاستعمار الفرنسي انتهى عسكرياً في الجزائر فهو لم ينتهِ ثقافياً واقتصادياً، أما الصحف المغربية فكانت تسير تجاه ما يخص الجزائر بعامة ودائرة قصر المرادية بخاصة في إطار الحرب الدائرة بين البلدين ويعكس ترمومتر الصحراء المغربية وجبهة البوليساريو درجة حرارة ذلك الصراع من حين إلى آخر، وإن كنا استعرضنا في ذلك التقرير زوايا مهمة في حياة سعيد بوتفليقة فما زال ما هو غامض وما لم يكشف بعد أكثر كثيراً، فقد يكون سعيد بوتفليقة بعيداً تماماً عن الأضواء ولا يتحدث للإعلاميين والصحافيين ولا يعرف عنه الرأي العام كثيراً، ولكن يعرف سعيد جيداً ما يدور في قلب الشارع الجزائري ويعرف أكثر عن الطبقة الحاكمة لدوائر الاقتصاد والسياسة والجيش، ثم إن لديه مفاتيح الأحزاب السياسية كافة سواء كانت مؤيدة أم معارضة، وله أُذْن وأعين في غرف القرار جميعها، الأمر نفسه كان في الأجهزة الرقابية والإدارية وأيضاً الأمنية قبل أن يصطدم بمدير المخابرات الداخلية بشير طرطاق، وقبل أن تتغير التوجهات والبوصلة لدى بعضهم في ما بعد، وقبل أن يفتح وقتها -النقيب السابق في دائرة الاستعلامات والأمن في الجيش الجزائري- الكاتب والصحافي هشام عبود النيران على ملفات الفساد على سعيد بوتفليقة، وهو الأمر الذي أشعل الرأي العام ضد سعيد بوتفليقة، قبل أن تدور علامات الاستفهام مجدداً حول سعيد بوتفليقة بعد إقالة رئيس الاستخبارات الجزائرية “دي آر إس” محمد مدين أو الجنرال توفيق كما يحلو له أن يلقب، وتولى منصبه مدة 25عاماً، وهل كان لسعيد دور في تلك الإقالة أم لا، وهل جاء رد الجنرالات عبر فتح ملف فساد عملاق النفط الجزائري سوناطراك لكبح جماح سعيد بوتفليقة، تلك التساولات كلها باتت تطرح على المواطن الجزائري ولعل الأيام المقبلة تعطينا إجابة واضحة إن لم تزد غلة علامات الاستفهام على شخص سعيد بوتفليقة. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي ;مينا; هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى