fbpx

كي يكون السلام

شطف السلّم يبدأ من الأعلى إلى الأسفل غير أن صعوده يبدأ من الأسفل إلى الأعلى.. تلك قواعد السلالم، وكذلك قواعد السلم والحرب، فالحروب تقررها قيادات الأركان والجنرالات، ولكن السلام مسألة تتصل بوجدان الناس وخياراتهم، ولنا تجارب لاتخطئها العين: ـ كامب ديفيد / وادي عربة / أوسلو. ثلاثة تجارب لم تقدّم بلدانها خطوة نحو السلام، على العكس بعثت برياح التطرف ونشطّت فصائله وأنتجت فيما أنتجت اغتيال السادات، وظهور الجهاد الإسلامي وحماس ووضعت الأردن على كف عفريت. كل ذلك حصل والناس في اعماقهم ومصالحهم ولقمة عيشهم يدركون أن شعارات الحرب وديمومة الاشتباك لم تنتج سوى أنظمة فاسدة، وجيوش فاسدة، ومال فاسد، وإفقار لايحدّ وتعطيل للحياة الآدمية والمدنية، فالحرب حين تستمر لقرن من الزمان، يصبح المضي فيها نوعًا من العبث، وهذا ما يدركه الناس تمامًا وتعبيراته في أبسط تجلياتها عزوف الشباب عن الخدمة العسكري إلاّ قسرًا. هذا عن الجانب العربي المهزوم عسكريًا، فماذا عن الجانب الإسرائيلي؟ حالهم ليس بالحال الأرحم، فالشباب الإسرائيلي إما أنه تحت السلاح، وإما أنه احتياطي سلاح، وفي كلتا الحالين معطّل/ مقهور/ قلق، واكثر من ذلك في زنزانة الجغرافية فهو المحاط بالأسوار والأعداء، وليس ثمة أمة تعيش في زنزانة الجغرافية دون أن تتحول إلى مجرد شركة. على الجانبين، الإسرائيلي والعربي، السلام هدفًا مسكوت عنه، والناطقون به إما خونة أو تحت ساطور التخوين، وفي الجانبين قوى سلام، لابد وأنها النخب المستقبلية للمنطقة، أقله في المعرفة والكفاءة والتطلع نحو سلام وتنمية وحياة خارج الخنادق. حين يذهب عرب الحكومات للسلام، لن ينتجوا سلامًا، فالمعاهدات ليست ضمائر الناس، وحين يذهبون إلى سلام الحكومات يتساقط سلام الحكومات بتظاهرة وبتحشيد وبتناقضات أطراف السلام نفسه، ولكن حين يبنى السلام وفقًا لحوار المجتمعات والقوى الأهلية فيها، فهو يذهب نحو توطيد ضمير السلام، وهذا مالم تفهمه الانظمة العربية ربما منذ السادات إلى اللحظة، وكان اثنان قد تفهما الصيغة، وحوصرا بالنظام العربي، اولهما الحبيب بورقيبة، وكان يسعى إلى حوار مجتمع أهلي عربي مع محتمع أهلي إسرائيلي فكانت نكسته على يد عبد الناصر الذي لم يقبل سلامًا ولم ينتصر بحرب، وثانيهما ياسر عرفات وحوصر بالنظام العربي، فكانت نكسته على يد حافظ الأسد، وقد هدّمت يد الأسد عبر وريثه ومنظومته البلاد، فحاربت الناس ولم تقبل بالسلام. الآن تغيّرت الظروف وتبدّلت المعطيات، وعلى الجانبين العربي والإسرائيلي، فالأول أكله الفقر، والثاني خنقته التهديدات ونزول الملاجئ، وبالنتيجة ثمة مجتمعين لابد وأن يتوافقا على سلام يحيل المنطقة إلى سوق واحدة، باقتصاد متكامل ومهارات بشرية متنوعة، وهذا ما يمكن أن يكون “صعود السّلم من الأسفل”، بعد أن عجز الجميع عن شطف الدرج من الأعلى. كل القصة هي أن تطلق قوى السلام في المنطقة.. إطلاقها هو ما ينتج سلامًا وما تبقى لعب مع الوقت، في الوقت الذي تشتد فيه سواعد التطرف بدءًا من حسينيات طهران وصولاً إلى صومعات العرب من الماء إلى الماء. ثمة ما يستدعي إعادة الإعتبار إلى الناس.. ناس الضفتين، عرب وإسرائيليين وكلتاهما سيواجهان كارثة االتطرف التي كلما اشتد ساعد الانظمة اشتد عصبها، وكلما اشتدت سواعد الناس بترت سواعدها. هي ذي الحكاية، أقله في قراءة ما مضى من زمن. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى