fbpx

السيد الرئيس.. كش ريس

قد تبدو نكتة، غير أن أكبر الفجائع، غالباً ما تأخذ شكل الملهاة، والملهاة السورية، بكل تعبيراتها من دمار البلاد، إلى تشريد الناس، ترسم خواتيمها بـ: ـ المجاعة نعم إنها المجاعة، وقد طالت ما تبقى من قوت الناس ونعني الرغيف، وهذا وزير سوري يفنّد تكاليف الرغيف الواحد، في خطوة قد تتصاعد إلى حرمان الناس من الرغيف، لتكتب الملهاة نهاياتها المأساوية في بلد لم تعد تحتمل المآسي، وقد حُكمت بضباع يفتحون أفواههم على كل شيء.. كل شيء، وصولاً لحليب الرضّع الذين إن لم يقتلوا تحت سطوة البراميل المتفجرة، فهاهم يذهبون ضحايا الصقيع. في هذه المعمة من الكارثة السورية، يبدو أن سفينة النظام إلى غرق وشيك، فالثورة الأولى التي أُسقطت بالبارود والنار وتخلي العالم عنها (هذا إذا لم يكن العالم قد ساهم بتدميرها)، لابد وأن تعقبها ثورة ثانية، ثورة غير قابلة للسقوط، فالرغيف أشدّ شراسة من البارود، وأعظم حقيقة من ضوء الشمس، واذا ما اختصرنا مايحدث في سوريا بما لايقبل الاختصار، فهاهي طبقة من سماسرة الحرب، استحوذت على المال العام، وسطت على كل شيء، وحوّلت البلاد إلى عقارات، فصار العقار بديل الوطن، وتحوّل المواطن إلى زبون، فيما أفرغ الزبون من قدرته على أن يبقى زبوناً، ماجعل السلطة سوقاً بلا زيون، والمحصلة: ـ نظام غارق بما لا شك فيه، ولابد لركاب السفينة الغارقة من القفز منها، طلباً للنجاة، وهو ما عبّر عنه حفنة من أزلام النظام، او المحسوبين على النظام، أو أولئلك الذين عقدوا صلحاً مع النظام، ومثالهم الأكثر وضوحاً مجموعة من الفنانين الذين لابد وأنهم على صلة بالرأي العام، وكان السؤال: ـ ما الذي يدفع ممثلاً مثل أيمن زيدان، أو ممثلة مثل شكران مرتضى، أن يكتبا، بادئين بمخاطبة: ـ السيد الرئيس. ما الذي يدفعهم إلى هذا الخطاب، وهو خطاب بلاشك يلامس وجع الناس، دون نسيان أنهم يخاطبون سبب المشكلة في حلّ مشلكة لن تزول سوى بزوال سببها، ونعني وعلى وجه الدقة، وبالكلام الصريح: ـ السيد الرئيس، الذي لم يتبق من سيادته على البلاد سوى استدراج الكارثة للبلاد؟ هو سؤال بات ملكية حصرية ولكنها حصرية بكل الناس، فهل جاءت خطاباتهم هذه لتفريغ ما تختزنه ضمائر الناس من رفض للنظام؟ ـ هل جاءت خطاباتهم هذه من موقع من سيغادر سفينة غارقة طلباً للنجاة. دعونا نأخذ الأمور بالنية الحسنة، ونعتبر رسائل هؤلاء، رسائل من مواطن يشفق على مواطنيه، وإذا صح الافتراض، فالطريق الى الجنّة لايفرش بالنوايا الحسنة، فالطلب من الضباع، أن ترحم الطرائد، لابد وأنه طلب قليل الشأن، إن لم يصل إلى مستوى العته والغباء، فمن كان سبب المشكلة لن يكون حلاً لها، خصوصاً وأن الرئيس المخاطب في هكذا حال، لم يعد له في بلاده أكثر من عصابة، عائلة، وسماسرة، وطبقة من أثرياء الحرب التهمت خبز الناس، كرامة الناس، وصولاً لجثث الأموات وأجساد الأحياء، وفي هكذا حال، فالحل بإزالة السبب، ما يدعو هؤلاء لمخاطبة (السيد) بخطاب، لامكان فيه للسيادة، بعد أن فقد أية مشروعية وقد باتت شعلة المدفأة حلماً، حليب الطفل معجزة، ورغيف الخبز مأساة. كل هذا إذا افترضنا النوايا الحسنة، أما إذا كانت الأمور اكثر تعقيداً، فسيكون السؤال: ـ نحو أي مصير يذهب النظام؟ نحو مصير لابد وأن يرسمه الخارج المتحكم بالنظام، والخارج هنا، صراعاً روسياً ـ إيرانيًا، نحو صيغة سورية جديدة، يحكى أن الروس يذهبون فيها بعيداً لاجتثاث النظام بوضعه الراهن، نحو بدائل إن لم تكن انقلاباً على النظام، فبلا أدنى شك، نحو تغيير آلياته بما لايسمح لوجوه أمسه أن تكون في  غده، وهذا يعني فيما يعنيه، انتاج نظام جديد، من منظومة النظام السابقة مع تغيير وجوهه، بما يطال وجه ( السيد الرئيس) ونضع السيد بين قوسين، لأنه في واقع الحال ، بات قاب قوسين من السقوط، ليفعل الخارج ما عجز الداخل عنه، وهو ما التقطته تلك الأقلام، لتستبق سقوطه، بإعلان البراءة منه، وإن كان إعلاناً خجولاً، مهذباً، يفتتح الكلام بـ : السيد الرئيس. السيد الرئيس، وقد بات سيّد البراميل المتفجرة، بات أقصر قامة من الرغيف.. أقصر قامة من علبة الحليب.. صقيع البلاد لابد وأن يأخذ العباد إلى ثورة اكثر وضوحاً فمن يدخل بيته ولا يجد فيه الرغيف، لابد وأن يخرج إلى الناس شاهراً سيفه. ربما يكون الروسي هو السبّاق في التقاط معادلة: ـ رغيف، ثورة. ربما اتخذ القرار باستباق الناس نحو مصير: ـ كش رئيس. و… كان علينا أن لا ننسى أن الروس مفتونون بلعبة الشطرنج. كان علينا أن لا ننسى أن ملك الرقعة سقط في الرقعة حتى بات أقل شأنا من بيدق فيها. ـ كش بيدق.. قد يكون تعبيراً أكثر صواباً فيما سيؤول اليه الحال.     مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى