fbpx

عاشت حماس؛ تسقط غزة؟!

الحديث عن ثنائية السلطة والمقاومة التي تتمتع بها حماس هو محاولة منح شرعية لسلطة حماس تحت مسمى المقاومة، ولهذا المسمى ترجمة واحدة هي (الحصول على البطاقة البيضاء) ما يعني عدم المساءلة بتاتاً. تماماً كما أسس نظام الأسد الدولة البعثية عقب انقلابه الشهير، عندما بنى أسوأ مؤسسة أمنية، وجهت قبضتها القمعية نحو الناس واستباحت ونهبت البلاد بذريعة الصمود في وجه إسرائيل والامبريالية، وكما فعلت مليشيا حزب الله، التي حملت يافطة المقاومة، بينما استغلت ذلك لأجل بناء الدولة الخاصة بها داخل الدولة اللبنانية، وعلى ذات الشاكلة لدينا في غزة كيانية خاصة بحركة حماس، تبدأ من ساكن العمارة حتى البواب، وكل من يقيم خارج هذا الإطار يُعتبرُ من عالم آخر، يتوجب عليه انتظار معجزة كونية أو حصول مصادفة تسمح له بالدخول في بنية الحياة الاجتماعية. فمسألة الانتصار على الفقر والقهر والحصار، بقيت في زاوية واحدة وهي أن تكون حمساوي الهوى والروح، ولا يكفي هذا ما لم تحصل على تزكية حمساوية خاصة، تسمح لك بالدخول إلى السلم المالي الحمساوي، وكما وصفته إحدى النساء في الحراك الشعبي أمام الكاميرا(أولادكم لديهم كل شيء وأولادنا بلا شيء). على خطى نظام الأسد هي ليست مقاومة، هي سلطة فقط، لأن القوة العسكرية والأمنية التي تمتلكها حماس لا تنتمي لفكرة المقاومة مطلقاً، والسبب هو التوظيف لتلك القوة، فهي أولاً، مستمدة من قطاع نخبوي محدد، هم أبناء المدرسة الدينية الحمساوية، وهم ثانياً وعاشراً لهم وظيفة بوليسية موجهة صوب الداخل الذي يعني استتباب الأمن في كيانية دولة حماس، ومنع إبداء أي صوت معارض لها، ثم تأتي عملية توظيف كامل الحياة الاجتماعية والسياسية وحتى قطاع الخدمات في خدمة مشروع البناء الحمساوي في غزة، الذي في النهاية يترك البلد أمام عالمين منفصلين تماماً، الأول ينتمي إلى دولة حماس، والثاني والذي يسكن خارج قطاع هذه الدولة، وله عالمه الخاص المغاير. باختصار، نحن نطلق فكرة المقاومة على المجموعة البشرية التي تمثل قطاعاً شعبياً معيناً، وتقوم على قاعدة الأخذ والعطاء، ما يعني إن المقاومة عادة ما تأخذ من جمهورها وبالمقابل تعطي لهذا الجمهور، سواء من خلال المنجزات الحسّية أو حتى النظرية، وعندما تكون هذه المجموعة البشرية تحصل فقط على ما تريد، ولا تعطي جمهورها شيئاً فهي هنا مجرد سلطة، وتسقط عنها فكرة المقاومة. غزة من الداخل في قطاع غزة قرابة مليوني إنسان، من بينهم مليون وثلاثمائة وخمسين ألفاً هم من اللاجئين الفلسطينيين، الذين تم تهجيرهم عام 1948 ما يعني أن الغالبية الساحقة من سكان غزة، هم ممن يعيشون في المخيمات، أو في بنية سكنية فقيرة ومعدمة وتفتقد لأبسط الخدمات، وحتى إن بعضهم من يعيش في الطرقات، أو في خيام ممزقة تتقاذفها الظروف الجوية، وهؤلاء بالطبع هم العملاء والخونة، وفق رؤية إعلاميي حماس، لأنهم برفعهم لشاعر (بدنا نعيش) قاموا بطعن المقاومة بالظهر، مما استوجب قيام الأجهزة الأمنية(الإسلامية) بالهجوم عليهم وتكسير أطراف أطفال ونساء وعجائز، والهجوم على البيوت الآمنة، واقتحام حرماتها أثناء الليل دون أي مراعاة للحس الأخلاقي أو الإنساني، ما بين انتهاك خصوصية المنازل، أو ترويع الآمنين من النساء والأطفال، تماماً كما كان يفعل نظام الأسد، فعندما يصل رجل المخابرات، تختفي كل المحرمات، ويصبح كل شيء أمامه مباحاً. مع الفارق بالطبع، أن رجال مخابرات حماس في غزة اسمهم (مرابطون)وهو ما ذكرني بقصة طريفة حدثت بعد فترة من تولي حماس للسلطة، وهي قصة موثقة لدى إحدى المنظمات الحقوقية في غزة، ومفادها، أن مجموعة من المرابطين بجانب أحد المنازل النائية اقتحموا المنزل على الزوجين، وقاموا بتغطية الزوجة(العارية) بغطاء السرير واعتقالها، وطلبوا من الزوج اللحاق بهم وإحضار عقد الزواج لكي يثبت (ملكيته للزوجة) وأنه لم يقع في حد الزنا !!! ولم يسألوا أنفسهم هل يحق لهم خلع الأبواب على الناس؟؟ جيش من الأمن عندما استولت حماس على السلطة كان العقلاء يطلبون من الأهالي عدم ارسال أبنائهم إلى حلقات القرآن الكريم التي تديرها حماس في مساجدها، ومع الأيام تبين بالفعل إن تلك الحلقات، كانت هي الخطر الأكبر على كثير من الأهالي، لأن حماس نجحت في ربط هؤلاء الأطفال والشبان الصغار مع شيوخ المساجد الحمساوية التابعين لها، ثم بدأت لاحقاً في توظيفهم في الأجهزة الأمنية، حيث يعمل قسم منهم الآن دور الشرطي على والده وأخيه وعائلته، تماماً كما كان حزب البعث العربي الاشتراكي يصنع جيلاً من البعثيين الذين أصبح بعضهم مشايخ ودعاة ولكنهم ساهموا في صنع أكبر مذبحة بحق شعب في هذا العصر. حمساوي ما يهاب الموت تماماً، كما كان جنود نظام الأسد يجبرون المعتقلين السوريين أثناء الحراك السلمي بالهتاف لبشار الأسد، فقد بات لدينا نسخة فلسطينية من هذا الأمر في قطاع غزة، وهي هتاف من نوع مميز، (حمساوي ما يهاب الموت) وهو ذلك الفيديو الشهير الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتظهر فيه مجموعة من المعتقلين الفلسطينيين، الذين اعتقلتهم حماس أثناء التظاهرات الأخيرة حيث تم إجبارهم على الهتاف لحركة حماس تحت وطأة التهديد، وهم في حالة مزرية. وكما كان إعلام الأسد ينفي كثيراً من تلك الفيديوهات، يسير الإعلام الحمساوي على ذات الخطى، حيث يفترض أن ما يحدث مجرد مؤامرة تقف خلفها إدارة أمريكية صهيونية، والهدف منها النيل من المقاومة الحمساوية، التي أنجزت بالفعل تكوين جيش القدس، وفق ما قاله القيادي الزهار ذات يوم. المأساة الحقيقية أن بعض الإعلاميين في قطاع غزة حاولوا إظهار الحقيقة ونقل صورة الاعتداء على النساء والأطفال للمشاهدين، وبينما تعرّض أولئك الإعلاميين للضرب والسحل والإهانة، صمت قطاع واسع من الإعلاميين الفلسطينيين في غزة، ليس لكون هذه المؤسسات تتبع سلطة حماس فقط، ولكن لأن قطاعاً واسعاً من الإعلاميين في غزة، يعملون في مؤسسات ممولة من إيران، وبالتالي كان صمتهم قاتلاً بالفعل، لأنهم شاهدوا الاعتداء على النساء والأطفال ولكنهم صمتوا تماماً كالصامت الأكبر، الذين هم قادة حركة حماس، والذين بالطبع اختفوا وراء إعلاميهم واكتفوا بتوجيه اللوم للسلطة الفلسطينية. حماس أو نحرق غزة لو أردنا أن نعيد استحضار كامل خطابات قادة حماس ومنذ 30 سنة، وحاولنا التدقيق فيها، سوف نجد أن الغائب الأكبر هو مفردات مثل (فلسطين، الشعب الفلسطيني، الثورة الفلسطينية) وسوف نجد بدلاً منها كلمات حلت مثل(حماس، المقاومة الإسلامية، غزة). ما أردت قوله هنا هو أن كيانية حماس ليست معنية باللاجئ الفلسطيني الذي يمثل ثلاثة أرباع سكان غزة، فهي معنية فقط بمن تستطيع توظيفه منهم وتحويله الى أداة يمثل توجهاتها الفكرية والسياسية، ما يعني بالضبط، أن علينا بالفعل، أن نقول إن مستقبل غزة، هو ضمن عبارة واحدة، (حماس أو نحرق غزة) وهذا ما يتجسد يومياً، إذ لا يعني حماس حاجات الناس وفقرهم وحاجتهم لأبسط الأمور، بمقابل أن تستمر هي على جراحهم وموتهم، وفي مثال بسيط، فقد جلبت مسيرات العودة لأهالي غزة منذ سنة وحتى اليوم (275) قتيلاً، وقرابة 26 ألف جريح، منهم قرابة عشرة الاف نتيجة اختناق بالغاز، بينما الغالبية يحتاجون فقط حبة دواء غير متوفرة، ومع ذلك يستمر العبث الحمساوي الى ما لا نهاية. خاتمة لا أظن أن هناك حلولاً قادمة في الأفق، ولا أعتقد أن أصحاب حراك (بدنا نعيش) قادرون على الاستمرار في ظل تكسير العظام والتخوين والسجن والجلد، إضافة إلى صمت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، أو حراكها الخجول الذي يقوم على قاعدة عودة المتظاهرين إلى بيوتهم دون أي تغيير. لذلك إن مستقبل غزة هو قاتم إلى ما لا نهاية، تماماً كما كان واقع الثورة السلمية في سوريا. لذلك، لا أظن أن هناك أي أمل لأي نوع من التغيير الإيجابي الذي يمكن لأن تقدمه حماس لقطاع غزة، والذي غالباً سوف يشهد مزيداً من حالات القفز الفردية من سجن غزة، ولكن صوب المجهول. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى