fbpx

غوانتنامو عربي لمقاتلي داعش

لعل الأمور تسير باتجاه غوانتنامو عربي لمقاتلي داعش المعتقلين في الأراضي السورية والعراقية، حيث يتعلق بمعتقلي بعض الدول العربية، وأيضاً بعض المعتقلين الذين لا ترغب بلدانهم الأجنبية باستردادهم، أو من الذين تم إسقاط الجنسية عنهم، وبالنتيجة نحن أمام حالة خاصة، تعيدنا بالأذهان الى قصة معتقل غوانتنامو الذي ضم مقاتلي تنظيم القاعدة، غير أن ذلك المعتقل الشهير لاقى استياءً من المنظمات الحقوقية في مختلف دول العالم، ما أدى إلى إعادة تسليم معظم معتقليه الى دولهم في عهد الرئيس الأمريكي السابق، وكانت ثمة وعود من أوباما بإغلاقه، وهو ما لم يتم في الإدارة الحالية. يذكر أن الإدارة الامريكية أشارت في وقت سابق أن (  122) مقاتلاً من مقاتلي تنظيم القاعدة الذين تم إطلاق سراحهم عادوا من جديد إلى ساحات القتال، وهو ما شكل مأزقاً للدول التي استلمتهم وقامت بعمل برامج إعادة تأهيل لهم، غير أن قسماً مهماً هذه البرامج لم يكن مجدياً، لأن مقاتلي تنظيم القاعدة لم تتغير أفكارهم بعد هذه البرامج. داعش الصورة الأصعب المختلف في تنظيم داعش هو حجم الجرائم التي ارتكبها التنظيم والتي تراوحت بين القتل والسبي والخطف والاغتصاب وغيره. ما يعني بالضبط هو عجز الدول العربية والأجنبية عن تحديد هوية من تلطخت يداه في هذه الجرائم بشكل مباشر من غيره، فالذي لم يشارك بالقتال قد لا يعني ذلك أنه لم يشارك في ارتكاب العديد من الجرائم الأخرى، وبالتالي بات تعامل دول العالم في هذا الملف غاية في الصعوبة والتعقيد، فالدول التي قد ترغب باستعادة معتقليها أمامها مسؤوليات أمنية معقدة، قد تجعل من إعادة تأهيلهم مسألة غير واضحة الأفق، لأن عقلية هذا التنظيم غير مسبوقة، وحجم التعامل مع هذا النوع من الفكر يصطدم بالتجربة السابقة في مسألة تأهيل معتقلي تنظيم القاعدة، وبالتالي كيف يمكن الثقة بهؤلاء المعتقلين؟ لأنهم باختصار مجرد قنبلة موقوتة غير واضحة المعالم، خصوصاً مع فكرة الانتحار التي ترسخت في عقولهم، ناهيك عن ظهور متكرر لفكرة الذئاب المنفردة، أو تلك المجموعات التي نجحت في الوصول إلى بعض الدول الغربية، ولا يزال يلقى كشف محاولتها المتطرفة ظلالاً على هذا المشهد. الدول الأجنبية تعيش هاجساً أشد وطأة، لأن بعض هؤلاء عند استعادتهم قد لا يتعرضون للاعتقال لأمد طويل، ما يعني أن خروجهم للحياة هو أمر وارد، وبالتالي ماذا يمكن أن يؤدي وجودهم المباشر أو غير المباشر في المجتمع، سواء على الصعيد الفكري والثقافي واحتمال إعادة صياغة أفكارهم بشكل عملي في بلدانهم، ما يعني أن العلاقة مع معتقلي هذا التنظيم تشبه إلى حد بعيد العلاقة مع نوع من الفايروسات تستوجب العزل، أو نوع من الكائنات الغامضة، والتي ثمة شك كبير في القدرة على معرفة خفايا حركتها. في الوقت ذاته، سوف تجد الدول الأوربية نفسها مضطرة للتعامل معهم كمواطنين استناداً إلى القوانين الدستورية، وهو ما يزيد من حجم المسؤوليات والأعباء بسبب وجودهم. النساء والأطفال عودة النساء والأطفال لبلدانهم قد تكون أكثر سهولة، ومسألة إعادة تأهيل الأطفال هو أمر وارد، ولكن من غير المرجح بقاء الأطفال في حضانة عائلاتهم السابقة، وهو ما تميل اليه الدول الأوربية، التي تسعى نحو إعادة تأهيل الأطفال من جديد، بما يضمن عدم وقوعهم تحت سيطرة ثقافة عائلاتهم الأصلية. فهناك دلائل كثيرة على صعوبة الحالة النفسية التي يمر بها الأطفال الذين نجو في وقت سابق من براثن التنظيم، خصوصاً وان التنظيم المتطرف استخدم الأطفال في بعض عمليات القتل الدعائية التي كان يقوم بها، ناهيك عن الاعدامات التي كان يقوم بها على مرأى من عامة الناس، وفي الأماكن العامة، بالإضافة الى دوره المباشر في التعامل مع الأطفال في المساجد والمدارس التي كانت تحت سيطرته خلال السنوات الماضية. فيما تبقى مسألة التعامل مع الأطفال في الحالة العربية معقدة تماماً، إذ إن برامج التأهيل الموجودة في الدول العربية محدودة، وغير واقعية، والسبب يتمثل في عيب المؤسسة الدينية والاجتماعية العربية، فنحن لدينا اليوم مؤسسات كبيرة، تقوم على ثقافة إقصائية غير قابلة للتطور، فكيف يمكنها أن تعيد تأهيل جيل مشوه، ينتمي عملياً إلى هذه المدارس بنسبة أو بأٌخرى. خطر مادي لا يزال قائماً ما يعيق فكرة عودة المعتقلين إلى بلدانهم، هو استمرار وجود خلايا التنظيم في مساحات واسعة، ما بين افريقيا وصولاً إلى أفغانستان، وبهذا الوجود المادي، يبقى باب التأثير المعنوي قائماً على أتباع هذا التنظيم، والذين شاهدنا أنهم رغم انتكاساتهم المتتالية ميدانياً، غير أنهم لم يتحملوا حتى أدنى المسؤولية الإنسانية تجاه أطفالهم، فقد استمروا بترك أطفالهم تحت وقع الموت، دون أن يفكروا بالحدود الدنيا لأي قوة تستشعر الهزيمة والتي تميل بشكل طبيعي إلى الخلاص الإنساني، بينما مال قسم كبير من أبناء هذا التنظيم المتطرف إلى الخلاص على طريقتهم، وهو اختيار الموت، على ترك أطفالهم يذهبون باتجاه النجاة. بالتالي، هو سجال غير مسبوق حول كيفية التعامل مع معتقلي داعش، سواء من العرب أو الأجانب، هذا من جانب، ثم في كيفية التعامل مع خطر النساء المعتقلات، وخطر أبنائهم الذين هناك قسم منهم تجاوزوا مرحلة الطفولة بقليل، ما يعني أن ثمة قناعات معينة قد ترسخت لدى بعضهم، كما أن البعض الآخر شارك بشكل أو بآخر بأعمال هذا التنظيم، وهو ما سيبقي هذا الملف غير ناضج بما فيه الكفاية، ما يرجح بقاء أغلب المعتقلين من المقاتلين حصرياً رهن الاعتقال حيث هم عليه الآن، ما يؤسس لقيام غوانتنامو عربي حيث هم موجودين الآن، وهو ما سيخفف من الضغط على الحكومات العربية والأجنبية من قبل المنظمات الحقوقية، والتي بالتأكيد تعاني أيضاً من أزمة تشخيص لحالة معتقلي داعش، لأنها بالفعل غير مسبوقة، وكل دولة ترفض التعامل معهم أو استعادتهم لديها مبرراتها ولديها ذرائعها أيضاً.   مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى