fbpx

نحو الثورة الثانية

كما لو أننا في مطلع 2011، حيث “العرعور” يملأ الشاشات، فيما شباب التظاهرات يلوّحون بقمصانهم الملوّنة وهم يهتفون للحرية. ـ لا.. القصة اختلفت، فاستراتيجية العرعور، ابتلعتها الوقائع، فيما الشباب تاه ما بين الهجرة، والسجن، والتراب، وكل شيء اختلف، ما يحتّم على الناس أن تختلف كذلك، وهاهي الوقائع بين يدينا. ـ ثبت بما لا يقبل التأويل حرص حلفاء النظام على بقاء النظام، أقلّه بعد أن باعهم النظام الساحل والنفط، ومناطق النفوذ، وبات حارساً لما باع. ـ ثبت وبما لايقبل التأويل أن المعارضات، إما أنها انزلقت من مؤخرة النظام، وإما أنها معارضات هاوية أخذت البلاد إلى الهاوية. ـ ثبت بما لا يقبل التأويل، أن اللعبة الدولية التي جاءت ببشار الأسد إلى قصر المهاجرين، هي اللعبة التي تذهب بعيداً اليوم في تثبيت أركانه، مع اختلاف الوظيفة، فالروس يقولونها لنا، وبالفم الملآن:”هذا ناطور مصالحنا”، فيما يذهب الايراني أبعد قليلاً وهو يدفع بقواته ورهاناته إلى الساحة السورية، ليثبت واقعا ديمغرافياً جديدا، هو واقع تشهده بوابة الأموي مع كل صلاة “جمعة”، وفي تتمدد الحسنيات في دير الزور والشمال السوري وهي تلقي بعمامة “الخميني” فوق قبر “معاوية”، لتوطّد مشروعاً استيطانياً، كانت الحرب أداته، كما لو أن الاديولوجيا تمر من فوهة بندقية. كله ثبت بما لايقبل التأويل، ولا “وجهات النظر”، ولكن السؤال، هل انتهت الحرب هنا؟ سيكون من البلاهة نسيان يوميات الحياة السورية، فرغيف الخبز بات أبعد عن الناس من القمر، والفقر أوصل الناس إلى مادون المجاعة، والفساد قد استشرى كما لم يسبق أن شهده بلد في التاريخ، فنظام الاسد الذي بني على الفساد ليكون الفساد اسمنته الحامل، لابد وأن يأكله فساده، وتلك حقيقة، لايمكن القفز فوقها، بانتظار “ثورة الخبز”، وهي الثورة التي لامكان فيها للاديولوجيا، ولا لبيع الأفكار.. إنها الثورة المقبلة، والتي لن تكون بعيدة أقلّه بعد أن بات على الناس التطلع الى تلك الكلمة التي أطلقها أبو ذر الغفاري ذات يوم، وفيها قال: ـ إني لأعجب من رجل يدخل بيته ولا يجد فيه الرغيف فكيف لايخرج إلى الناس شاهراً سيفه. هو الأمر كذلك، والكارثة السورية التي أودت بالبلاد، لابد وأنها أعلى أثماناً من سواها من الكوارث التي شهدها التاريخ، غير أنه ما من طوفان اجتاح هذا الكوكب، إلاً وأعاد ترتيب نفسه، تلك قوانين الطبيعة التي تعلو على ارادات الناس وخياراتهم.. تلك قوانين، إن زالت يزول معها الإنسان، وهاهو الانسان مازال على وجه هذا الكوكب بالرغم من الويلات التي شهدها على مر تاريخ النوع، ما يعني أن سوريا لابد وأن تعيد ترتيب نفسها وقد حصدت من الكارثة، ماكان عليها أن تراه بملئ القلب وكلّ العين، ومن حصاد الكارثة أمرين لابد من النظر اليها: ـ أولها السقوط الأخلاقي والسياسي للسلطة، وهو السقوط المدوي حتى ما بين أنصار السلطة وحواملها الاجتماعية. ـ ثانيهما السقوط الأخلاقي والسياسي للمعارضات السورية، حتى ما بين حواضنها وأنصارها. والسقوطين يعنيا أن على الناس أن تكتب على صفحة بيضاء، لامكان فيها لسلطة فساد وعنف وقتل، ولامكان فيها لمعارضة ليست سوى الوجه الأكثر قباحة من السلطة. إن هذا سيعني الكثير الكثير، ومما يعنيه أن الناس، لابد وأن تعيد ترتيب نفسها وأولوياتها، باتجاه ثورة جديدة، لاطبول فيها “للعرعور”، ولامكان فيها لسلالة الأسد بكل مافيها من فساد وبطش وانحطاط. الثورة الثانية مقبلة.. هذا ليس تبشيراً.. هذا شرط استمرار السوري على قيد الحياة. مجرد بقائه على قيد الحياة سيعني إزاحة هذه السلطة عن الوجود.. وعلى السوري اليوم أن يكتب على صفحته البيضاء. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى