fbpx

بين ماكرون والأسد

بعد اتّخاذ القرار بتحقيق مطالب المتظاهرين، وأثناء تجواله بالعاصمة (باريس) اقترب (ماكرون) من أحد عناصر الأمن الداخلي –الشرطة- وقال له: “أشكرك على جهودك التي تبذلها لأجل فرنسا”؛ لم يهتف له الشرطي: “ماكرون أو نحرق البلد”، وإنما قال: “سيدي الرئيس، أنا أقوم بواجبي المهني والوطني تجاه فرنسا، رغم أن الشعب الذي خرج في التظاهرات كان يطالب بحقوقي أيضاً؛ أشعر بالخزي تجاه وقوفي بوجههم، لكني فخور بهم”. السوريون الذين ثاروا ضد نظام الأسد، لم يكن الدافع ارتفاع الضرائب أو الوقود أو لقمة العيش كما حصل في فرنسا، بل وردّوا على (بثينة شعبان) منذ البداية: “يا بثينة ويا شعبان.. الشعب السوري مو جوعان”، وثاروا ضد كل ما يفتقده السوريون في (سوريا الأسد) ممّا هو متوفّر للشعب الفرنسي في (فرنسا ماكرون وهولاند وساركوزي وشيراك وميتران وبيتان..) ومنذ ما قبل الثورة الفرنسية 1789!. وبالرغم من ذلك، تعاطف الثوّار السوريون المهجّرون في فرنسا وباقي دول الأرض مع مطالب أصحاب “السترات الصفراء” من الفرنسيين بمشاعر حبٍّ واحترام ممزوجة بقلق وخوف على مستقبل دولةٍ منحت لمواطنيها ولاجئيها على اختلاف أصولهم ومشاربهم كافة أشكال العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والحرية الفكرية والسياسية والدينية. العبارات التي نطق بها ذلك الشرطي الفرنسي تختزل آلافاً من العوامل البنيوية التي أنتجت تلك المجتمعات المتقدّمة، وتُظهر البون الشاسع بين النمطين الفرنسي والسوري من الناحيتين. الأولى: المرتبطة بطبيعة كلّ من رئيسيّ النظامين؛ السوري المتمثّل بالأسد، والذي سيحكم على ذلك الشرطي بالموت فور تفوهه بتلك العبارات على الرغم من تأديته الواجب المؤيّد للنظام، ونقصد التصدّي للمتظاهرين؛ والفرنسي المتمثّل بماكرون، الذي خجل من موقف الشرطي ووعده بتلبية طلبه المتجسّد بمطالب المتظاهرين. والثانية: المرتبطة بطبيعة المواطنين المؤيدين المنضوين تحت سلطة النظامين؛ السوريون، المتمثّلون بالجيش والأمن والشبيحة، الذين آثروا قتل المحتجين وتدمير مدنهم بكل تبعية وعبودية دون تجرّؤ أحّد منهم، حتى الرماديون، على إنصاف مطالب الشعب السوري الثائر كما فعل ذلك الشرطي الفرنسي؛ والفرنسيون، المتمثلون بعناصر الأمن الداخلي وحفظ النظام، الذين أدّوا دورهم الأخلاقي، الوظيفي- الوطني، دون تسجيل حالة وفاة واحدة رغم حوادث التخريب التي طالت العديد من المرافق العامة، بل وأيدوا مطالب المحتجين من أبناء جلدتهم أمام رأس النظام الفرنسي. والمفارقة العجيبة التي تثير جميع خلايا الضحك تكمن في وسائل إعلام النظام السوري، المرئية والمسموعة والمقروءة، حين تتصدّر الاحتجاجات الفرنسية قائمة أخبارها، بعناوين وتفاصيل تشمت بالديموقراطية الفرنسية وحريّة شعبها مقارَنةً بـ (رحمة) الأسد! ماكرون، الذي قال يوماً عن الأسد: “لا توجد مشاكل بيننا وبين الأسد، لأنه يؤذي شعبه ولا يؤذي فرنسا”، لعله أدرك اليوم بأن أخلاقه وشرعيته كانتا على محكّ المجتمع الدولي لو قرر معاندة شعبه ولم يرتدِ السترة الصفراء؛ وشتّان بينها وبين أصفر الكيماوي! مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى