fbpx

القطن السوري؛ تراجع الإنتاج وآلية تسويقه المتفق عليها بين النظام والأكراد

على الرغم من انحسار مناطق سيطرة تنظيم “داعش” في منطقة الجزيرة السورية بقيت كميات إنتاج محصول القطن منخفضة خلال الموسم الحالي مقارنة بمواسم العقد الماضي في المنطقة الشرقية، لكن هذا لم يمنع دخول الإدارة الذاتية الكردية اتفاقاً مع حكومة النظام لاستلام قطن المزارعين يحقق الفائدة الاقتصادية للطرفين. وتخضع مناطق الجزيرة السورية معظمها لسيطرة قوات تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية تحت مظلة “قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة اختصارا بـ”قسد”، وهذه المنطقة تضم أوسع السهول المنتجة لمحصول القطن في سوريا ضمن محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وريف حلب الشرقي. وبحسب إعلان مسؤولي حكومة النظام، فإن كميات الإنتاج لهذا العام في المحافظات الشرقية قرابة 25 ألف طن، 23 ألف طن منها من محافظة الحسكة، و100 طن من الرقة ومن دير الزور 400 طن ومعظم المحصول جرى تسويقه إلى محلجي الفداء والعاصي في محافظة حماة لعدم وجود مراكز تسويق للنظام في المنطقة الشرقية، الخاضعة للنفوذ الأمريكي المطلق في مناطق سيطرة حلفائها الأكراد. وانخفضت نسبة الإنتاج انخفاضاً مرعباً بسبب انخفاض المساحة والإصابة بالآفات، فالمساحة المزروعة بمحصول القطن للموسم الحالي بلغت 5560 هكتار وجميع الحقول المزروعة بالقطن لهذا العام مصابة بالدودة بنسب إصابة تراوح بين 3 و11 في المئة متجاوزة بذلك العتبة الاقتصادية، وبؤرة الإصابة متركزة في مناطق شمال المحافظة ولا سيما رأس العين وأبو راسين وتل براك وهو السبب الرئيس لانخفاض الإنتاج، وفق دائرة الإنتاج النباتي في مديرية الزراعة بالحسكة. في غضون ذلك، افتتحت هيئة الاقتصاد التابعة للإدارة الذاتية الكردية مراكز عدة لتوريد القطن في مدن الحسكة والرقة وريف حلب وهي محلج الحسكة ومركز المبروكة في رأس العين شمال الحسكة، إضافة إلى مركز جلبية في عين العرب وكبش في الرقة، حيث استلمت الأقطان من مزارعي الحسكة والرقة ودير الزو وعين العرب، الذين نقلوا محصولاتهم على نفقتهم الخاصة إلى هذه المراكز. على الرغم من تحديد الإدارة الكردية سعر الكيلوغرام الواحد من القطن بمبلغ 290 ل.س، لكنها تدفع أقل من 280 ليرة هذا عدا عن حسم أجور النقل وثمن السماد وترخيص الزراعة لدى مديريتها، وهذه الأسعار تسمح للمسؤولين الأكراد والتجار الذين يتواسطون بينهم وبين مؤسسات النظام بالحصول على باقي ثمن القطن المحدد رسميا بـ 350 ليرة سورية للكيلوغرام، إضافة إلى دفع مبلغ 60 ليرة سورية للمسوق أجور نقل لكل 1 كغ قطناً من محافظة الحسكة إلى محافظة حماة.

  • محصول القطن قبل الثورة وانخفاض إنتاجه خلال سنوات الثورة

كان القطن قبل سنوات الثورة السورية من أهم المحصولات الاستراتيجية في سوريا ويأتي في المرتبة الثانية بعد البترول في تأمين القطع الأجنبي، والثالثة بعد القمح والبترول في تأمين الدخل القومي، وتوفير المادة الخام لصناعات الغزل والنسيج والزيوت، وترتكز عليه الصناعات النسيجية التي تساهم في الميزان التجاري بنسبة 30 في المئة من إجمالي الصناعات التحويلية، ويعمل فيها نحو مليون عامل، أي نحو 20 في المئة من مجموع اليد العاملة في البلاد.‏ وبلغت الاستثمارات المالية الموَظفة في هذا القطاع حوالى مليار وثلاثمائة مليون دولار، نصفها عائد إلى القطاع الخاص، وكانت سوريا تصدر حوالى 45 في المئة من الإنتاج وتستهلك شركات الغزل المحلية حوالى 55 في المئة. مع بداية الثورة السورية عام 2011 تراجع إنتاج الذهب الأبيض، وبدأت أرقام الإنتاج ومساحات زراعة القطن تتقلص عاماً بعد عام حتى بلغت نسبة التراجع أكثر من 93 في المئة في العامين الماضيين، وراوح الإنتاج خلال عام 2015 بين 50 إلى 130 ألف طن، منخفضاً من أكثر من مليون طن قبل الثورة. قبل ذلك، كانت سوريا في المركز الثاني عربياً بعد مصر والعاشر عالمياً في إنتاج محصول القطن “الاستراتيجي” حين ارتفع إنتاجها من 378 ألف طن عام 1970 إلى 610 آلاف طن عام 1995 ثم إلى مليون طن عام 2001. وتثبت الأرقام الرسمية لحكومة النظام تراجعاً كبيراً في المساحات المزروعة فعلياً، ومن ثم في كميات الإنتاج حتى أصبح الحديث عن احتمالات استيراد القطن الخام، لتغطية حاجات صناعة النسيج أمراً مطروحاً. ففي الحسكة وحدها وبحسب بيانات مديرية الزراعة في الحسكة فإن إنتاج القطن في موسم 2015، وصل إلى 24 ألف طن فقط، فقد جرت زراعة ما يقارب 6500 هكتار، في حين أنتجت عام 2014 قرابة 60 ألف طن، أي إن التراجع تجاوز النصف.

  • أهم أسباب تراجع إنتاج القطن

مع اندلاع الثورة السورية ضد حكم بشار الأسد سنة 2011، أصيبت زراعة القطن بأضرار كان لها تأثيرات مباشرة في كميات الإنتاج الذي انخفض إلى الحد الأدنى، بعد بلوغ إنتاج القطن في المنطقة الشرقية ذروته خلال المرحلة الممتدة بين عامي 2000 و2010، إذ بلغ إنتاج محافظة الحسكة في موسم 2005 بحدود 378330 طناً وإنتاج محافظة الرقة 228413 طناً بينما بلغ إنتاج محافظة دير الزور 103678 أي ما يعادل نسبته أكثر من 60 في المئة من إنتاج القطن السوري، وذلك بحسب أرقام وزارة الزراعة. وأكد المهندس الزراعي حارث البليبل لمرصد “مينا” أن الأوضاع التي تمر بها سوريا أدت إلى تراجع زراعة القطن بشكل ملحوظ وبخاصة في المنطقة الشرقية، حيث تشير التقديرات إلى تراجع الإنتاج من حوالى مليون طن عام 2010 إلى 150 ألف طن عام 2014. وأرجع المهندس هذا الانخفاض إلى أسباب عدة أهمها: أولاً: سوء أصناف الحبوب المستخدمة والمواد الأولية لزراعة القطن التي أصبحت أصنافاً سيئة جداً، فالمزارعون لا يرغبون فيها، إلى جانب صعوبة تأمين الأصناف المحسنة من حبوب القطن. ثانياً: نقص المياه لأن زراعة القطن في المنطقة الشرقية تحتاج إلى وفرة المياه، وهذا الشرط لا يتحقق مع انخفاض مستوى مياه الآبار الجوفية وزيادة تكاليف استخراجها، فيما أعاقت الحرب استثمار المياه السطحية بالزراعة كالأنهار والسواقي. ثالثاً: ضعف مراكز استقبال محصول القطن وقلة عددها التي لم تعد كما كانت سابقاً؛ ففي دير الزور لم يعد هناك مركز استلام والفلاح مجبر على نقل إنتاجه إلى الرقة. رابعاً: الأسعار، التي تعدّ زهيدة ولا تتناسب مع تكلفة الإنتاج، ما يجعل المزارعين يتجهون إلى زراعة محصولات لا تتطلب مصروفات عالية.

  • الحلول المقترحة لزيادة الإنتاج

واقترح المهندس البليبل حلولاً يجب أن تشرف عليها منظمات مهتمة بالأغذية والزراعة مثل منظمة الأغذية والزراعة الدولية “الفاو” وغيرها لزيادة الإنتاج وهي: 1-إبدال أصناف حبوب القطن الموجودة حالياً واستخدام أصناف جديدة ومحسنة تناسب طبيعة المنطقة ومناخها. 2-تأمين المحروقات للمحركات التي يجري من خلالها استخراج المياه من الآبار الجوفية وضمان عدم انقطاعها خلال فترات الري. 3-تأمين سوق تصريف الإنتاج للفلاح وتأمين مراكز تسويق قريبة. 4-تأمين أدوات الفلاحة الحديثة والأسمدة اللازمة. 5- منع استغلال المزارع من قبل التجار ودفع أثمان المحصول كاملة ومن دون تأخير ونقصان. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى