fbpx

إدلب؛ في عين العاصفة من جديد

بدأ إعلام النظام مدعوماً بوسائل الاعلام الإيرانية والروسية من جديد، بالترويج لمقولة ان فصائل المعارضة بدأت باستخدام السلاح الكيماوي على بعض مناطق النظام، وخصوصاً الكلور السام الذي أبدع النظام في استخدامه خلال السنوات الماضية بحق المدنيين، ولكي تكون رواية النظام أكثر إثارة، فالقصف لا بد أن يطال المدنيين في مناطق سيطرته. تماماً كما كانت التجربة تجري على بعض الأحياء في دمشق، في بداية الاعمال العسكرية، ولكي يبرر إجرامه بحق المدنيين في الغوطة، كان حينها يتناسى أن آثار القذائف على الاسفلت في الاحياء الدمشقية، كانت قادرة على كشف زاوية إطلاق القذيفة، التي كانت تنطلق حينها من جبل قاسيون، ولا ندري هل سيفتح النظام تحقيقاً في حلب اليوم، ويستدعي الخبراء الذين يستطيعون تحديد الزاوية التي انطلقت منها تلك القذائف، وحتى المسافة، لأن علم الفيزياء اليوم، قادر على كشف كل شيء، إلاّ إذا كانت الفيزياء تلك رواية مخابراتية خالصة. باختصار، باتت إدلب في عين العاصفة، على الرغم من وجود اتفاقات دولية بشأنها، وهذا يحتمل أمرين، الأول: هو أن اتفاق ادلب سوف يستمر بالصمود إلى أجل، والثاني: إن ثمة محاولات على الأرض، يُراد من خلالها تغيير قواعد اللعبة قليلاً، وهذه المحاولة، هي التي تحتمل أكبر المخاطر، وقد تؤدي إلى دحرجة الأمور الى خارج المتوقع. ماذا يريد النظام: يؤمن النظام السوري تماماً، أن استمرار بقائه مرتبط دائماً بحالة التصعيد في سوريا، لأن الهدوء والاستقرار في الجبهات، سوف يؤدي بشكل تلقائي الى عملٍ سياسي نشط، ستقوم به جهات دولية عديدة لأجل تحويل حالة هدوء الجبهات إلى اتفاق سياسي شامل، تماماً كما يحدث في كل الحروب في الكون. ويدرك النظام أيضاً أن الحلول السياسية في الحالة السورية، سوف تعطيه أجلاً مؤقتاً، لأنه في النهاية هناك موعد محجوز في المحكمة الدولية لكل القتلة والمجرمين. عامل آخر يفيد في استمرار بقاء النظام لأمد أطول، وهو دور جبهة النصرة، وبواقي ملحقات تنظيم القاعدة وداعش، فهؤلاء جميعاً، ما يمارسونه من سلوك، يخدم النظام تلقائياً، وخصوصاً تلك الابتكارات العجيبة التي تطل بها هذه الجماعات الإسلامية التي لا تكفي كلمة (تطرف) لاختصار دورها، فهي جماعات خارج الجغرافيا والتاريخ والمنطق، والعقل الإنساني، وهي أقرب في سلوكها وتصنيفها الى قبائل ما قبل التاريخ، عندما كان الكائن البشري الأول يختبر صراعه مع الديناصورات بالصراخ وهو معلق على قمم الأشجار. آخر مبتكرات جبهة النصرة هي مصادرة أملاك المسيحيين، وذلك بعد تضييق الخناق على مسلميها، من خلال التدخل في مختلف شؤون حياتهم اليومية والدينية، وهو ما يعني أن جبهة النصرة توجه رسالتها للثورة السورية وللعالم، أنها ماضية في صناعة إمارتها تلك، وليس بعيداً عن تفكيرهم الاغتيالات التي تجري بصمت هناك. ماذا يريد الإيرانيون: إيران كدولة مارقة، والتي باتت تحت وقع عقوبات قاسية، أصبح مهماً بالنسبة إليها الدخول في أي نوع من المفاوضات قد تعلق جزئياً فكرة العقوبات عليها، وبالتالي هي بحاجة دائمة إلى تبرير تواجدها في سوريا، ما يعني أن وجود داعش، وقيامه بالهجمات الأخيرة مستغلاً الظروف الجوية السائدة، كل ذلك يخدم استمرار الوجود الإيراني في سوريا، وهذا يعني ان ملف الوجود الإيراني سيتم تصديره إلى صيف العام القادم، بسبب الظروف الجوية السائدة، وهذا الأمر سينطبق على معركة ادلب المؤجلة، ما يعني أن أشهر الشتاء الحالية، تود إيران ونظام الأسد استمرار خلق التوترات خلالها، لمنع قيام أي تحرك سياسي ضاغط على النظام والإيرانيين معاً، وهنا بالضبط يتم نقل الأزمة إلى داخل مربع فصائل المعارضة، التي تصبح أمام هموم الانشغال بالأوضاع الداخلية لإدلب على حساب الملف السياسي. ماذا يريد الروس: الروس، ولأول مرة في تاريخهم بدأوا يسبحون بالمياه الدافئة بطمأنينة، وما يخفونه خلف تمددهم هذا هو مسألة أوكرانيا وعقدة ازمة شبه جزيرة القرم، التي يرغب الروس مستقبلاً بحل هذه العقدة مع أوروبا، بما يخفف من وطأة العقوبات الاقتصادية على روسيا، وهو ما يعني أن بقاءهم في المياه الدافئة سيطول. وهو ما يتطلب منهم بقاء جيوب للإسلاميين في سوريا، بما يوجهون من خلاله رسائل داخلية وخارجية، ما يعني أن الروس يؤمنون بنظرية بقاء الذئب والغنم، ولذلك فهم مع حفظ اتفاق ادلب، بما يجعل جبهة النصرة تستمر بابتلاع الحياة الاجتماعية هناك، وبهذه المعادلة السياسية، تصبح ازمة إدلب بداخلها، ويصبح الروس الشرطي المنوط به بحفظ النظام. الحلول: اليوم تبدو الازمة الإنسانية الخانقة في ادلب ضائعة ومنسية تماماً، ويرجع ذلك أنها ليست من أولويات المعارضة المشتتة، والبعيدة كل البعد عن فكرة تصدير هذه الأزمة، وتحويلها الى ازمة إنسانية كبرى. لأن إبراز الجانب الإنساني لأوضاع ملايين المهجرين في إدلب، يجعل المعارضة تستفيد من التالي: أولاً: أنه يحمي إدلب ومحيطها من قيام النظام وحلفائه بأي عمل عدواني مستقبلي، كما إن وحدة الهم الإنساني سيكون مدخلاً مهماً لمنع دحرجة الأمور بما قد يؤدي لاحقاً إلى خروج بعض الخروقات الحالية عن المألوف، وتحولها الى عمل أوسع، ستكون له نتائج كارثية كبيرة على المدنيين. ثانياً: أنه سيجعل المدنيين أنفسهم يمارسون ضغوطاً كبيرة على جبهة النصرة، ومن معها، بما يساهم في عزلها، تمهيداً لتفكيك هذه الظاهرة بهدوء، لأن مستقبل المناطق الآمنة لا يمكن أن يستمر في ظل وجود منظمات لم تقرأ الواقع ولا التاريخ ولا المستقبل، وبالتالي إن وجود آلية سياسية لدى المعارضة قادرة على حمل أعباء الملف الإنساني فقط في إدلب، هو ما سيمنع حالة الانفجار القادمة، وهو ما سيخفف من حالة الاحتقان والفوضى التي تصنعها الفصائل بين بعضها البعض. دخول منظمات حقوقية: من المبكر جداً دخول المنظمات الدولية الى مناطق ادلب بسبب الحالة الأمنية المتردية، لكن هذا لا يمنع أن تفتح فصائل المعارضة الباب للأكاديميين والمثقفين للعمل على تأسيس وتنشيط الجانب الإنساني بعيداً عن دور الفصائل المسلحة وهيمنتها، على أن تقوم هذه المؤسسات بدور إغاثي أولاً، تظهر فيه استقلاليتها بالكامل عن أجواء الفصائل، وهو ما سيعيد العمل الإنساني الى الواجهة، وهذا كفيل بإحداث تغييرات حتى على المشهد السياسي لاحقاً. لنلاحظ قلق النظام والروس من العمل الإنساني والاغاثي، فالروس حتى الامس القريب لا يزالون يتهمون أصحاب الخوذ البيضاء بأنهم يتبعون جبهة النصرة، وتارة أخرى يتهمونهم بتصنيع الكيماوي، وهذا بالضبط يدلل على مدى قلق الروس من دور المنظمات الإنسانية، لأن صوت هذه المنظمات هو مسموع في كل بقاع الأرض، ويصل للجميع، ولكن، هل هناك مساحة واسعة لدور تلك المنظمات في إعلام المعارضة؟. لقد اكتشف الفلسطينيون مبكراً دور المنظمات الإنسانية، ولا تزال تلعب هذه المنظمات دوراً مهماً في حياتهم، ولا تزال تلقى تعاطفاً وتعاونا من كل دول العالم، بينما كان النظام السوري طوال نصف قرن، يخشى دور المنظمات الإنسانية، ويعمل على تحجيمها ومنع تواصلها مع الخارج، بذريعة الحفاظ على امن البلد، وهو نفس المفهوم الذي تتبناه داعش وجبهة النصرة، حيث تعتبر هذه الفصائل المتطرفة، أن أي عمل يجب أن يكون من تحت عباءتها. أخيراً، دور المنظمات الإنسانية القادم هو أمر ممكن، وعلى السوريين ان لا يستسلموا لمن يريد تحويل ادلب الى قندهار. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى