fbpx

مصير الحزب الإسلامي التركستاني في إدلب

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” في الوقت الذي يتذرع فيه النظام السوري وحلفاؤه بأن الهدف الرئيس لمعركة إدلب -التي يمهدون لشنها- هو مكافحة التنظيمات الإرهابية التي لا يمثل مقاتلوها سوى عدداً قليلاً جداً بالنسبة إلى مقاتلي المعارضة المعتدلة من الجيش الحر في إدلب التي لا يميز النظام بينها وبين بقية التشكيلات الإرهابية، يثار التساؤل حول الدور المقبل لتلك التنظيمات ومنها الحزب الإسلامي التركستاني الذي ينشط في إدلب منذ تحريرها عام 2015، وبروز دوره الفاعل في معركة مدينة جسر الشغور التي كانت بوابة لاستكمال السيطرة على محافظة إدلب بشكل كامل لمصلحة المعارضة المسلحة.

  • نشأة الحزب وأبرز نشاطه

تنحدر أصول أغلب مقاتلي الحزب من أقلية الأويغور المضطهدة في إقليم “شينغيانغ” في الصين، وبقية المقاتلين ينحدرون من دول مجاورة لتركستان الشرقية –إقليم شينغيانغ حالياً- كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان. شكل الحزب عام 1993 بمسمى “حركة تركستان الشرقية” بقيادة “أبودو سواء”، وخلال خمس سنوات تطور نشاطها وبنيتها التنظيمية، ونقلت مركز عملياتها من إقليم شينغيانغ في الصين إلى العاصمة الأفغانية كابول، بعد أن قام زعيمها الثاني “حسن محسوم” بإنشاء علاقات تنسيق مع أسامة بن لادن جرى على أساسها إنشاء معسكرات تدريبية خاصة بالحركة في أفغانستان. وبعد أن تمكنت الحركة -مع مرور الوقت- من كسب عناصر مقاتلة وتدريبات ودعم لوجستي من القاعدة، قامت في 2003 بالهجوم على السفارة الأمريكية في قرغيزستان، وكانت هذه أولى العمليات النوعية التي تقوم بها الحركة منذ نشأتها، ومن جراء ذلك قام الطيران الأمريكي بتحديد موقع متزعم الحركة “حسن محسوم” وقتله بغارة جوية مركزة آنذاك. عقب ذلك توقف نشاط الحركة عملياً واقتصر عملها على تطوير هيكليها التنظيمي حتى حلول عام 2006، قامت بنشر شريط مسجل يدعو إلى قتال القوات الصينية، وشنت عمليات إرهابيةعدة في أنحاء مختلفة من الصين. ما دفع حكومة بكين إلى مكافحتها بالوسائل كافة وقامت باعتقال عدد من السكان الأويغور في إقليم شينغيانغ، وشنت طلعات جوية عدة استهدفت فيها مقار الحركة ما أدى إلى تقليص نشاطها مجدداً.

  • الانتقال إلى الأراضي السورية

مع تمكن عدد من العناصر الإرهابية الوصول إلى سوريا بعد تطور الثورة السورية من السلمية إلى المواجهة المسلحة، استطاع عدد من المقاتلين التركستانيين الدخول إلى البلاد مستفيدين من عناصر جبهة النصرة الذي سهلوا مرورهم وأماكن انتشارهم وتمركزهم في سوريا في منطقة جسر الشغور وريف اللاذقية وكان عددهم يقدر بـ 400 مقاتل دخلوا مع عائلاتهم إلى الأراضي السورية. وفي أواسط عام 2015 أعلنوا عن أنفسهم في كيان تنظيمي باسم “الحزب الإسلامي التركستاني” عبر نشر فيديوهات مصورة عدة لهم، يدعون فيها التركستانيين إلى الالتحاق بهم لقتال النظام السوري، بعد أن شاركوا بشكل فاعل في عملية السيطرة على مدينة جسر الشغور إلى جانب جيش الفتح وبقية فصائل المعارضة المقاتلة. لكن عدداً من مقاتلي الحزب انضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية وذهب إلى القتال معها في شرق سوريا، لذلك يرجح أن عددهم في منطقة إدلب وما حولها يقدر بأقل من 400 مقاتل. استمر الحزب في المشاركة في المعارك الدائرة ضد قوات النظام السوري، ولا يمكن اعتباره جزءاً من جبهة تحرير الشام –النصرة سابقاً– لأن لديه قراراً مركزياً لكنه يمتلك تنسيقاً عالياً مع تحرير الشام، لذلك لم يقحم الحزب نفسه بشكل فاعل في عمليات القتال التي حدثت بين الهيئة وبقية فصائل المعارضة، لكنه شارك مشاركة شبه فاعلة في القتال الذي حدث منذ أشهر بين حركة أحرار الشام الإسلامية وهيئة تحرير الشام الذي أفضى إلى توسيع النفوذ السياسي والعسكري للأخيرة على حساب حركة أحرار الشام. يحاول مقاتلو الحزب النأي بأنفسهم إلى جانب أطفالهم وعائلاتهم عن الانخراط في الحياة المدنية مع الأهالي في المناطق التي يقطنون فيها، أو فرض قوانين معينة أو توجهات فكرية كما تفعل جبهة تحرير الشام في بعض الأحيان. لذلك فإن هدفهم الرئيس يتركز في المشاركة في المعارك القتالية من دون السعي إلى إنشاء كيانات سياسية كإمارة وغيرها. ويؤكد ذلك الناشط الإعلامي في مدينة أريحا محمد السامر الذي قال إن “طريقة تعامل التركستانيين مع الأهالي ليست كتعامل عناصر هيئة تحرير الشام، حتى أن أطفالهم ونساءهم لا يختلطون بالسكان، وأطفالهم لا يلتحقون بالمدارس العادية الموجودة في مناطق سكنهم، بل يلتحقون بمدارس خاصة بهم، يقوم بالإشراف عليها مدرسون من مقاتلي التركستان أنفسهم أو من كبار السن، ويركزون على تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم، وبالنسبة إلى النساء فهن محتشمات ولا يخرجن كثيراً من بيوتهن، ولا يتحدثون مع أحد عادة إلا لشراء حوائجهم”. ويشير السامر إلى عددهم لا يتجاوز 100 عائلة، ينتشرون في أريحا وجسر الشغور وريفها وريف اللاذقية، أما المقاتلون فهم ينشترون على مختلف الجبهات القتالية إلى جانب عناصر هيئة تحرير الشام خصوصاً، لكنهم لا يتلقون الأوامر من قادتها بل لديهم مركزية في القرار في إدارة عملياتهم، ويكتفون بالتنسيق مع عناصر الهيئة”.

  • مصير الحزب

في 3 آب/ أغسطس، نشرت صحيفة الوطن الموالية للنظام السوري نقلاً عن سفير الصين لدى سوريا تشين تشيانجين، والملحق العسكري وانغ روي جين، أن بكين تبحث استعدادها للمشاركة مع قوات النظام في عملية عسكرية مرتقبة على محافظة إدلب. لكن سرعان ما أصدرت السفارة الصينية في دمشق بياناً نفت فيه صحة هذه الأنباء. يقول الأكاديمي والحقوقي السوري المعارض عماد الأيوبي، لدى الحكومة الصينية هدف استراتيجي في إنهاء نشاط الحزب الإسلامي التركستاني، لذلك فهي تقوم بحملات قمعية متجددة للأويغور الموجودين في إقليم تشينغيانغ. وتحاول مراقبة نشاط الحزب في سوريا على الأرجح عن طريق تنسيقها الأمني مع روسيا، أو عن طريق سفارتها ومستشاريها العسكريين في العاصمة دمشق، وقد جرى كشف هذا الأمر عام 2015 عندما تناقلته وسائل إعلام عدة أفادت أن حاملة طائرات رست في المتوسط وكانت تحمل عدداً من الجنود الصينيين. ويوضح الأيوبي أن الأمم المتحدة أدرجت مقاتلي التركستان على قائمة المنظمات الإرهابية عام 2001، وأعلنته الولايات المتحدة جماعة إرهابية عام 2009، بينما اعتبرته موسكو كذلك أيضاً عام 2006. بالتالي فمن المحتمل أن أي عملية مرتقبة في إدلب سيكون الحزب الإسلامي التركستاني أحد التنظيمات الأساسية التي سيجري استهدافها وإنهاء وجودها بذريعة مكافحة الإرهاب. أو قد يكون هناك سيناريو مغاير كما يظن الأيوبي، وهو إجراء مفاوضات بين الصين ومقاتلي الحزب في سوريا عبر وساطة روسية تفضي إما إلى تسليم أنفسهم إلى السلطات الصينية مقابل إخراج عائلاتهم بشكل آمن، أو نقلهم بشكل كلي إلى خارج الأراضي السورية وإعادة إدماجهم مع نظرائهم من الأويغور في إقليم تشينغيانغ. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى