fbpx

قطر: فشل سياسة القفز على المواقف

رغم علاقاتها القوية مع نظام الملالي في إيران، إلا أن قطر وعلى ما يبدو اضطرت لمسايرة المزاج الدولي من اجل مواجهة السلوك الإيراني في المنطقة، خاصة مع تصاعد العمليات العدوانية ضد دول الجوار، والتي كان آخرها استهداف منشآت نفطية سعودية.

اضطرار “قطر” الى التماشي مع ظروف المناخ الدولية لم يكن نابعاً وفق الكثير من المحليين من مراجعة حسابات أو تبدلٍ في التوجهات حيال الملف الإيرانية، وإنما ارتبط بإذكاء المخاوف الدولية على أمن وسلامة إمدادات الطاقة نحو الأسواق العالمية، ما يعني إلحاق ضرر مباشر بمصالح الكثير من بلدان العالم بما في ذلك دول كبرى من ضمنها بريطانيا التي زارها أمير قطر والتقى رئيس وزرائها بوريس جونسون في لندن.

قلق مفبرك!

زيارة “الأمير” للندن كانت بدورها خير دليل على مؤشرات ودوافع الموقف القطري ومنابعه، حيث شارك أمير قطر رئيس الوزراء البريطاني التعبير عن القلق من السياسات الإيرانية في المنطقة، بحسب ما أفاد مكتب جونسون في بيان له، والذي أشار إلى أن المحادثات مع الشيخ “تميم” شملت الهجوم على منشآت النفط السعودية حيث عبّر الطرفان عن قلقهما من سلوك إيران المزعزع للاستقرار واتفقا على ضرورة الحد من التوتر بالمنطقة.

ووفقاً للمحللين فإن توجيه أصابع الاتهام إلى إيران بالضلوع بشكل أو بآخر في الهجوم الأخير على منشآت النفط في بقيق وخريص، جعل من إدانة إيران موقفا دوليا شائعا تشترك فيه غالبية دول العالم، وهو الأمر الذي جعل حكومة الدوحة تساير تلك الإدانة لعدم الرغبة منها بالسباحة عكس التيار، والدخول في عزلة دولية أعمق، بالتزامن مع عزلتها الإقليميةالمفروضة بسبب علاقاتها مع إيران.

ومع ذلك فإنّ موقفا سلبيا من طهران ولو في حدود التعبير عن القلق من السلوك الإيراني لا يخلو، بحسب المراقبين، من إشكالات لقطر بالنظر إلى العلاقة الوثيقة التي ربطتها القيادة القطرية مع إيران وعدد من أذرعها في المنطقة، وذلك في إطار محاولاتها فكّ عزلة قطر عن محيطها المباشر والتي عمّقتها مقاطعة أربع دول عربية لها بسبب دعمها للتشدّد والإرهاب واحتضانها لجماعاته.

فشل التهرب

كما يؤكد مصدر سياسي واكب زيارة الشيخ تميم إلى لندن، إنّه لم يكن بوسع أمير القطر القفز على الموقف من الهجوم على منشآت النفط السعودية، أو تجاهله، بعد أن أُبلغ بموقف بريطاني صارم يعتبر الحفاظ على أمن إمدادات الطاقة خطّا أحمر.

وتوقّع ذات المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أنّ الاكتفاء بالتعبير عن القلق كان حلاّ وسطا بالنسبة للحكومة القطرية، خاصةً وأن لندن وافقت على ذلك الموقف لتجنيب أمير قطر التورّط في موقف أقوى يدين إيران بشكل واضح.

سباحة فوق الحقائق

كما يدعم المحللون رؤيتهم للموقف القطري على أنه مجرد سباحة باتجاه التيار الدولي، وليس قناعات والتزامات تجاه المنطقة، بالتذكير بأن قطر سبق أن أدانت على لسان وزير خارجيتها الشيخ محمّد بن عبدالرحمن آل ثاني الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، دون أن تحمّل إيران المسؤولية، واعتبارها أن الهجوم ليس عدوانا على المملكة بل هو جزء من حروب وصراعات يجب أن تتوقف، حسب رأي الوزير.

إلى جانب ذلك، يشير المحللون إلى أن قطر كثفت منذ مقاطعة السعودية والإمارات ومصر والبحرين لها قبل أكثر من عامين، من جهودها للتعويض عن عزلتها عبر توسيع شبكة علاقاتها الدولية لاسيما مع الدول الكبرى وفي مقدّمتها الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، معتمدة بالأساس على محفّزات اقتصادية ومالية تقدّمها بسخاء لتلك الدول، وبالتالي فإن وضع تلك المصالح في كفة ميزان واحدة مع العلاقات القطرية الإيرانية قد لا يكون صواباً سياسياً، لاسيما وأنه سيفقد الدوحة آخر خيط لها مع دول العالم.

رهانات خاسرة

ورغم المقدّرات المالية الضخمة التي تخصّصها قطر للحفاظ على علاقات متينة مع الدول الكبرى، إلاّ أنها ووفقا للمحليين كثيراً ما تخسر في رهاناتها على الحلول الوسط، ولا تنجح دائما في القفز على التناقض الصارخ الذي ينطوي عليه احتفاظها بعلاقات مع إيران ومع من تعتبرهم الأخيرة أعداءها الألدّاء مثل واشنطن.

ويبدو أن أمير قطر هذه المرة لم يستطع القفز على الموقف من الهجوم على منشآت النفط وهو في لندن التي تعتبر سلامة إمدادات الطاقة خطّا أحمر، حيث يقول محلّلو السياسات الخليجية إنّ أمير قطر الحالي ورث مجموعة أوسع من التناقضات عن والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ويحاول إدارتها والتعايش معها بعد أن أصبحت سمة ملازمة للسياسة القطرية.

ويذكر هؤلاء العديد من المفارقات المجسّدة لتلك التناقضات من ضمنها مزاج التعاطف الذي أشاعه الإعلام القطري مع العراق أثناء الغزو الأميركي له، فيما كانت الصواريخ العابرة والطائرات تنطلق من الأراضي القطرية لدكّ العاصمة بغداد.

ويرى المحللون أن المفارقة ذاتها قائمة بحدّة في الوقت الراهن، إذ أنّ قطر المحتفظة بعلاقة متينة مع طهران، ستكون أراضيها منطلقا ضروريا لأي عمل عسكري مفترض قد تلجأ إليه الولايات المتحدة ضدّ إيران في حال تحولت حالة التوتّر القائمة حاليا بين الطرفين إلى صدام عسكري.

وعلى غرار العلاقة التي تربط واشنطن وباريس بالدوحة والتي تجعل غالبا الاستفادة في مصلحة الطرف الأقوى، فإن مصالح مادية مباشرة تربط لندن بقطر خصوصا في مرحلة الخروج الصعب لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما يفرضه من تحدّيات مالية واقتصادية.

وورد في بيان مكتب رئيس الوزراء البريطاني بشأن محادثات الأخير مع أمير قطر أنّه تم التطرّق خلال اللقاء إلى “العلاقات الاستراتيجية وسبل دعم وتوطيد التعاون القائم بين البلدين في مختلف المجالات”.

وقال جونسون إنّه والشيخ تميم “صديقان قديمان”، مضيفا “رأيتكم في زيورخ (2010) عندما تفوّقتم علينا في استضافة تنظيم كأس العالم 2022;Prime;، في إشارة إلى المناسبة الرياضية التي حصلت قطر على امتياز تنظيمها بطريقة لا تزال تحف الشكوك بنزاهتها وسلامتها من تأثيرات المال القطري، بينما تشوب عملية بناء المنشآت المخصّصة لها الكثير من التجاوزات على حقوق العمّال الأجانب المشاركين في إقامتها ما جعل قطر موضع انتقادات حقوقية دولية حادّة.”

مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى