fbpx

عندما حولت حماس القضية الفلسطينية الى ورقة إيرانية

سر الفلسفة التي تستند اليها حركة حماس مجهولة للبعض، إذ كيف يمكن لحركة أن تقوم بهذه التحولات في سلوكها السياسي دون أن يشعر قادتها بالخجل مما تقوم به، ناهيك عن (تبعية القطيع) للقاعدة الأساسية لحركة حماس، والتي تقبل كل هذه التحولات دون اعتراض يذكر، إذ لم يسجل تاريخ الحركة حالة اعتراض واسعة أو ذات جدوى، أو حتى انتقادات بالمعني الحقيقي الذي يمكن ان يدفع بالحركة إلى إجراء نوع من المراجعات الداخلية حفاظاً على الجانب البنيوي، ويمكن أن نختصر السبب، أن حماس أسست بناءها الداخلي وفق سياسة القطيع إذ لا يفكر فيه الفرد بتاتاً، فالعنصر في الحركة مجرد آلة استقبال وتسجيل، لأنه منذ البدء يتم وضعه في خانة الدونية الفكرية، وإقناعه أن من فوقه هم فئة معصومة عصية عن الخطأ والزلل.

أما حركة حماس ذاتها، فالسر الأساسي بكامل سلوكها الشاذ والغريب، يرجع ذلك أنها تتصرف كـ (طائفة صغيرة) وليس كحركة، بالرغم من امتداداتها الجغرافية، وما أقصده بالضبط، أن جوهر فلسفة حماس هو فكرة البقاء للحركة، ما يعني أن الوطن والمواطن هو آخر اهتماماتها، ولعل التسريب الذي كشف الزهار يتحدث عن فلسطين بنوع من الدونية يكشف الأسس التي تستند اليها الحركة، فهي ليست كما يتوهم البعض أنها ذات مشروع للأمة كما تدعي، وإنما هي حركة ترتكز على مسألة واحدة، وهي بقاء الحركة واستمرارها فقط.

لماذا إيران؟

الكيانات السياسية الصغيرة عندما تبدأ بالظهور تبدأ بالبحث عمن يستمع إليها، لذلك كانت إيران هي الأقرب للاستماع للصوت الحمساوي، فقد كانت حماس مجرد مجموعة بشرية تحمل كومة من الأفكار وتجهل تماماً المدارس السياسية، فألقت بنفسها في الحضن الإيراني، أمام عجزها عن السيطرة على مشروع فلسطيني كانت تقوده منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها عالمياً، وفي ظل هذا الوهم الذي ظهر في إيران حيث بدت إيران أمام حماس كقوة صاعدة يمكن الالتصاق بها، لذلك اعتقدت حماس أنها أمسكت بفكرة بقاء واستمرارية الحركة، وهنا تماماً تبدو انتهازية الحركة، إذ أنها تدرك تماماً أن العرب لم يفكروا يوماً بالإمساك بالملف الفلسطيني، ولهذا السبب، قدمت حماس نفسها ومشروعها منذ البدء ليكون الوجه الفلسطيني الإسلامي، ولكن..!؟

هنا نجد حماس ومنذ البداية، ومع خروج ياسر عرفات من دمشق، دخلت إليها كبديل، وأغرقت في خطابها النظري تخويناً بالمنظمة، وتمجيداً بنظام الأسد، الذي في سيرته تل الزعتر، وحروب المخيمات العديدة، من حرب حركة أمل، إلى حروب التجويع والتشريد والحصار وغيرها.

كان نظام الأسد هو الحليف الأول لحركة حماس عربياً، لسبب واحد، وهو أن الأسد الأب كان الوحيد عربياً الذي استعدى ياسر عرفات. وهي بالضبط النقطة التقطتها إيران تماماً، لأن ياسر عرفات رفض المطالب الإيرانية قبيل الخروج من بيروت، وجاءت حماس لتقدم كل شيء، كل شيء تماماً.

سنلاحظ لاحقاً كيف أغمضت حماس عينيها عن المليشيا المدعومة إيرانيا والتي استباحت فلسطينيي العراق بالقتل والاغتصاب والفظائع، وهي انتهاكات موثقة بالأدلة، وكانت تلك بداية الغرام الحرام بين صانعة المليشيا وداعمتها، وبين حماس التي قدمت نفسها كمليشيا إضافية جاهزة للخدمة.

حماس ضد نظام الأسد:

السؤال الذي يحير الجميع، لماذا وقفت حماس ضد نظام الأسد؟ والإجابة بسيطة وواضحة، إنها (عقدة البقاء) التي تلازم الحركة، فقد اعتقدت حماس أن نظام الأسد راحل في فترة وجيزة، وكان هذا الأمر على وشك الحدوث فعلاً، لكن حركة حماس لم تدرك حينها أن حملها للسلاح في سوريا، إضافة الى ظهور الفصائل المتطرفة هو الذي سيطيل بعمر نظام الأسد.

هو الوهم ذاته الذي باتت ترتكز عليه عقلية مشايخ حماس من جديد، إذ إن عموم العمل لدى مختلف الحركات الإسلامية هو عمل تجريبي لا يرتكز على منطق وعي سياسي دقيق، وهكذا تعود اليوم حماس لتبحث عن حضن الأسد، لأنها كما اعتقدت سابقاً أن استمرارها وبقاءها سيكون بالمساهمة في اسقاط نظام الأسد، فهي باتت تعيش اليوم ذات الوهم وباتت تعتقد أن بقاءها هو بالعودة لنظام الأسد، الذي تتخيل حماس أن العالم يريد إعادة انتاجه من جديد، كما تعيش أوهام القوة الإيرانية، التي تتخيل حماس أيضاً أنها ستكون ورقة عصية على التغيير أمام الإرادة الدولية، وهنا يمكننا معرفة الخط البياني لتذبذب الحركة، أنه يقوم أصلاً على خيط من الأوهام يتتبع مصالح في مخيلة مشايخ حماس فحسب.

مراجعات وخيبات أمل:

في ورقة المراجعات التي أعلنها خالد مشعل من قطر، كانت تتوقع حماس أن يبادرها العالم في اليوم التالي بالأحضان، ولم تدرك حماس أنها في غزة لن تنجح بتشكيل كيانية جديدة، وكان يمكن أن يكون لتلك الورقة قيمة معينة، لو أن هذه الورقة تم الإعلان عنها ضمن البيت الفلسطيني، الذي يعني توحيد الجهود الفلسطينية في مشروع سياسي موحد، يهدف إلى تحقيق مطلب فلسطيني وهو الدولة الفلسطينية انطلاقاً من عملية سلمية برعاية دولية لا غير. وبالتالي كانت ورقة حماس بعيدة عن هذا كله، لأنها أرادت أن يفتح العالم أبوابه إليها وهو ما لن يحدث. وهنا كانت التوجهات الحمساوية نحو فكرة المحور الإيراني من جديد، على الرغم من أن الاتصالات بين إيران وقطاع القسام لم تنقطع، باعتبار أن كتائب القسام تعيش فكرة سياسية تركز على وهم كبير، إذ يؤمن قادة القسام أن وجودهم واستمرار تطوير قدراتهم العسكرية في غزة هو عمل إلهي سينتهي بهم بتحقيق الانتصار العسكري على إسرائيل، ومثل هذا الوهم شاهدناه لدى جميع الحركات الإسلامية التي تؤمن بحتمية الانتصار انطلاقاً من رؤيتها لذاتها وليس لما حولها، فمن أفغانستان إلى الجزائر والصومال ومالي وسوريا وغزة، نجد أن الهواجس مشتركة، وأن النتائج هي واحدة، وهي أن الإسلامويين يعيشون عالمهم بداخلهم معزولين عن كامل الجغرافيا والتاريخ.

إيران هي آخر الخيارات:

إذا كانت حركة حماس تفكر كــــ (طائفة) خائفة على نفسها من المحيط، وإذا كان الهدف الأول والأخير للحركة هو البقاء، فمن الطبيعي أن تلجأ حماس إلى الزورق الإيراني المثقوب، ومن الطبيعي أن تلجأ إلى نظام الأسد وحزب الله والحوثيين، ومن الطبيعي أيضاً أن تغلق حماس ملف حركة الصابرين في غزة، لكي تتولى الرسالة بنفسها، ولكي يقوم إعلامها بتقديم إيران بأنها الدولة الوحيدة القادرة على الإمساك بمشروع الأمة الإسلامية وقيادته من جديد، وبالتالي نجد حماس بين عقلية الطائفة المعزولة عربياً الخائفة من المستقبل، وبين أوهام الاحتماء بمشروع (وهمي كبير) اسمه إيران.

خاتمة:

إلى أين تتجه حماس؟ بالتأكيد هي تأخذ غزة نحو الهاوية، وتأخذ فلسطينيي سوريا نحو كارثة جديدة، فما هو مطلوب من حماس لدى نظام الأسد أن تكون مليشيا في خدمته، شأنها شأن أحمد جبريل وغيره، وليس هناك مزيد من الوقت أمام حماس للدلال والتريث، فالورقة الفلسطينية التي قدمتها حماس لإيران أوصلت مشروع الدولة الفلسطينية إلى الهاوية، ومزقت الشارع العربي، ولم يبق أمام مشايخ حماس سوى العودة لتقبيل حذاء الأسد، هذا هو الحذاء الذي يصل إليه كل الذين يتاجرون باسم الدين.

يبقى أن نذكّر مشايخ غزة، الذين يصرخون في خطبة كل يوم جمعة وامعتصماه… ويعيدون تذكيرنا بجيش المعتصم الذي جاء على خيول بلق، يبدو أنهم لم يسمعوا أصوات النساء الفلسطينيات اللواتي اعتقلن وتعرضن للاغتصاب ولا يزال بعضهن في سجون نظام الأسد، وللعلم، هؤلاء النساء معروفات جيداً لجميع قادة حماس، وبالأسماء ومكان الاعتقال.

لن أسأل قادة حماس عن شعب سوريا الجريح واليمن والعراق ولبنان وغيره، لأنهم أصلاً تركوا شعبهم، بالتالي هم يتحدثون باسم من؟؟؟

هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى