fbpx

جيش الأسد أم جيش “الهوانم”؟

مرصد مينا

ما من نظام سياسي إلاّ ويستند إلى مشروعية ما، بما في ذلك الأنظمة الاستبدادية، فحين أعلن ادولف هتلر نفسه “فوهرر” استند في إعلانه ذاك إلى كونه سيجعل من الألمان قوّة عالمية مهيمنة بل “عرقاً متفوّقاً”، وفوق ذلك عزّز إعلانه بترسانة عسكرية استردت إلى وقت طويل سمعة المانيا من هزيمتها بالحرب العالمية الأولى، وهكذا كان للامبراطوريات إنجازاتها في الفن والعمارة والسلاح.

تلك حال الدكتاتوريات، وقد يصح أن يُضاف جوزيف ستالين إلى هتلر، وإذا ابتعدنا اكثر فحتى نيكولاي تشاوشيسكو كان قد خلق رومانيا تحت الأرض بما يساوي رومانيا فوقها، ما يعني أن للدكتاتوريات أسبابها التي تستند إليها ولابد تسقط ما أن تُسقَط أسبابها.

ما لم يكن الامر كذلك تتحول الدكتاتوريات إلى مجرد “آلات قتل” فلا هي تترك للأمم أن تبني نفسها، ولا هي تذهب لبناء الأمّة، وفي عصرنا الراهن ربما يكون نموذج “بشار الأسد” هو النموذج الأكثر صلاحية ليكون “الدكتاتور الخائب”، فلا هو يوليوس قيصر، الأكثر اعتداداً بفرسانه، ولا هو “خوسيه موخيكا” الأكثر ايماناً بزهد الحاكم بالحكم، وحالته الحائرة تلك لابد جعلت من بلاده بلاداً على شاكلته، ليست بلاد محارب، كما ليست بلاد مسالم، أما القتل فلم يهدأ لحظة واحدة منذ استلامه الُحكم إلى اللحظة التي بات فيها مجرد اكسسوار على المائدة الإيرانية حيناً وعلى المائدة الروسية حيناً آخر، وعلى موائد ميليشيات السلاح في كل أوان.

وقعت حرب غزة، ولابد أنه محسوب على ما يسمى “محور المقاومة”، فلم يقاوم تاركاً سماء بلاده ممراً وملعباً للطيران الإسرائيلي، وسبق الحرب خطوات سلام عربي إسرائيلي، فلم يكن من بين الداعين إليه أو الداعمين له، فيما راوحت اقتصاديات بلاده ما بين “اقتصاد دولة منهوب” ومن ثم “مخصخص”، إلى اقتصاد الضريبة والاستملاك و “البلطجة” حتى فتح كل النوافذ لهروب المال من البلد، هذا إذا نجا المال من لصوص السلطة، وباع الجيش، فتحوّل الجيش من “جيش الأمّة” في أصله، إلى “جيش النظام” من بعده، وفي المرحلة اللاحقة إلى ميليشات لا سلطة للجيش عليها، ولا سلطة له شخصياً عليها، ما جعل رتبة “فريق” لا تساوي في قيمتها وحقيقتها ما يزيد عن متسكع في البدلة “الكاكي”، متسوّل للسلطة واللقمة معاً، فبات الجيش صغيراً كما قائده، وباتت البلاد صغيرة كما هو، ولم يتبق للسوري من كرامة خارج حدود بلده، سوى الكرامة التي ينتزعها بشخصه لا بجواز سفر دولته، وها هو اليوم يقفز القفزة اللاحقة ومفادها “بيع الجيش” للميليشيا وبالعلن، وليست حكاية متطوعي “المليون” سوى ذلك البيع الذي جعل من الجيش جيشان:

ـ جيش يشتغل تحت أمرة الميليشيا، الإيرانية منها على وجه الخصوص.

وجيش آخر إن لم يكن من حصة الموت والمجاعة فهو من حصة الخدمات المنزلية بما يسمح بتسميته “جيش الهوانم”.

للدكتاتوريات شأن آخر، ومن شأنها الآخر “هيبة العسكر”، بل و”قوّة العسكر”، وفي لحظة ما، نيابة العسكر عن الأمّة، هذا في الأنظمة الدكتاتورية، أما في النظم الديمقراطية فالجيش للثكنة والمدينة للبرلمان.

وحده بشار الأسد  لا هيبة لجيشه، ولا مدينة لبرلمانه.

لقد بات المخلوق “المسخ”.

من العار على الدكتاتوريات وصفه بـ “الدكتاتور”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى