fbpx

خطاب أردوغان.. آخر المراسلات

من يصغي إلى خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم، وكان يلقيه بين حلفئه ومريديه من حزب العدالة، لابد سيقرأ ما يتجاوز (الأزمة المركبّة) التي تواجه الرئيس التركي:
ـ ازمة الداخل، ممثلة بتيار عبد الله غولن الذي يقضّ مضاجع أردوغان.

ـ وأزمة الدور التركي على حدوده مع سوريا، والكل يعلم أن جزءًا كبيرًا من فصائل المعهارضة السورية المسلّحة تبيت في حضن أردوغان، فيما تسجل انسحابات هائلة من منطقة إدلب ومحيطها، ما يعني هزيمة (رب العائلة)، فالعائلة تتناثر في كل الاتجاهات.
لقد بدا خطاب الرئيس التركي خطاب حرب، ولكنها حرب مزدوجة:
ـ حرب على الداخل التركي، وقد يتبع هذا الخطاب حملات اعتقالات تعيد إلى الذاكرة تلك التي وقعت أعقاب سيناريو الانقلاب.
ـ وحرب على الحدود، ما يعني الاشتباك مع روسيا فيما لو حدث وانطلقت راجمات الصواريخ التركية على أهداف لن تقتصر على جيش النظام السوري وميليشياته.
في حربه على الحدود، كان هدف الرئيس أردوغان المقلق منذ انشغاله بالحرب السورية يتمثل في طرد الكرد السوريين من الحدود التركية ونقل ملايين اللاجئين السوريين إلى قطاع من الأرض يبلغ طوله حوالي 19 ميلاً وعرضه 275 ميلاً. 
نعم.. قد يغادر الكرد تلك الأراضي ، لكن الجيشين الروسي والسوري -اللذان يملآن الفراغ الذي خلفه سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقوات الأمريكية- يمنع الأتراك من السيطرة سوى على المنطقة الحدودية وجيب واحد في العمق، وهي منطقة بكل تأكيد ليست كبيرة بما يكفي لإيواء ملايين اللاجئين.
في الداخل التركي، يحظى غزو “أردوغان” بشعبية كبيرة في الداخل، حيث يثمر اللعب على وتر القومية بشكل جيد مع السكان الأتراك ومعظم الأتراك غير راضين عن وجود اللاجئين السوريين في تركيا، لكن إلى متى تظل القومية التركية هي الداعم الأول لتلك الحرب؟

هو سؤال كانت قط طرحته “فورين بوليسي”، وقد ذهبت إلى الأبعد من السؤال، فالاقتصاد التركي في ورطة والغزوات التركية تكلف الكثير من المال. تستخدم “أنقرة” الوكلاء في معظم عملياتها القتالية، لكن بدون دعم تركي كبير، فإن هؤلاء الوكلاء لا يضاهون الكرد في بسالتهم وتفوقهم على أرض المعركة، ناهيك عن الجيش السوري والروسي.

هذا يعني بالأساس دعم القوة الجوية التركية، ولكن القوة الجوية التركية تواجه خطر مضادات الطائرات الروسية والسورية، ناهيك عن حقيقة أن الأمريكيين لا يزالوا يسيطرون على المجال الجوي. نشر الروس أحدث مقاتلاتهم من الجيل الخامس SU-57، وعدد من طائرات MiG-29 وSU-27، وهي مقاتلات لا يرغب الأتراك في الاشتباك معها بكل تأكيد. كما يمتلك الروس أيضًا نظامًا جديدًا مضادًا للطائرات من طراز S-400، والسوريون يمتلكون أحدث طراز من طراز S-300.
باختصار، قد تسوء الأمور حقًا إذا قررت تركيا دفع عملاءها أو جيشها إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية أو قوات النظام السوري. وهناك تقارير عن وقوع اشتباكات في شمال شرق سوريا وإصابات بين الكرد والجيش السوري، لكن أي محاولة جادة من جانب تركيا لطرد الروس والسوريين تبدو مشكوك في نتائجها وعواقبها على تركيا.
ومن غير المرجح أن يتحرك هدف نقل اللاجئين من تركيا إلى سوريا إلى أي مكان، حيث إن إقامة بنية تحتية ونقل مليوني لاجئ إلى سوريا سيكلف حوالي 53 مليار دولار، وهو مبلغ لا تملكه تركيا بكل تأكيد. وقد أوضح الاتحاد الأوروبي أنه لن يقدم نيكلا واحدا لتلك الفكرة، ولا يمكن للأمم المتحدة أن تتدخل لأن الغزو التركي يمثل انتهاكا مباشرا للقانون الدولي.
عندما تغرق تلك الحقائق تركيا وجيشها، قد يجد “أردوغان” أن القومية التركية لن تكون كافية لدعم مغامرته السورية إذا تحولت إلى احتلال.
بالنتيجة، لا نستبعد مغامرة لأردوغان، فتاريخ الرجحل يشي بالكثير من مزاج المغامرة، غير أن السباحة في كل هذه العواصف قد يقود إلى غرق أردوغان.
قريبًا قد نشاهد تظاهرات في ميدان تقسيم، وقريبًا قد تبدأ الوكالات بالقول :
ـ أردوغان يطارد الانقلابيين.. هذا عن الداخل التركي.
أما على الحدود، فليس مستبعدًا أن يعود الكثير من الجنود الأتراك ملفوفين بعلم البلاد حاملين صفة :

ـ شهداء. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى