fbpx
أخر الأخبار

تونس من الداخل 3/3

مرصد مينا –  ملفات

ضمن ما تشهده تونس من تطورات سياسية واقتصادية؛ تطفو حقوق المرأة التونسية على السطح لا سيما مع تولي “نجلاء بودن” رئاسة الحكومة لأول مرة في تاريخ البلاد، وفي هذا الملف يتناول مرصد مينا حقوق المرأة التونسية وأبرز المحطات التي مرت به منذفترة ما قبل الاستقلال وحتى اليوم.

وكان الرئيس التونسي “قيس سعيّد” قد كلف قبل أسابيع “نجلاء بودن رمضان” بتشكيل الحكومة الجديدة، لتكون أوّل امرأة تكلف بهذه المهمة، ليس في تونس فحسب بل في العالم العربي ككل.

تاريخياً وقانونياً

بدأ طرح ملف حقوق المرأة التونسية مع تنامي عمل الحركات الإصلاحيّة التي تبنت قضيّة تحرير المرأة ودعت بالخصوص الى تعليمها، كما ظهرت منظمات نسائيّة ساعدت على إثارة الجدل حول قضيّة المرأة ليشمل دورها في بناء الوطن ومكانتها في النهضة، بحسب ما تذكره وزارة الأسرة والطفل التونسية.

وشهدت تونس في عام 1930 صدور كتاب للطّاهر الحداد بعنوان “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”، كما ظهرت أوّل الجمعيّات النسائيّة، لتتطور مشاركة المرأة إلى حد المساهمة في معركة التحرير وانخراطها في العمل السياسي.

تميزت فترة ما بعد الاستقلال (1956/1987) بوضع أسس الدولة العصريّة وبناء المجتمع الحديث وضمان الإرتقاء بأوضاع المرأة من أهم المشاغل.

منذ مرحلة ما بعد استقلال تونس، يعتبر قانون الأحوال الشخصية أبرز نص قانوني ينظم الحياة الاجتماعة والشخصية للمرأة وهي من أكثر الأنظمة القانونية الحديثة في العالم العربي بحسب بعض الدراسات التي تناولت ذات الشأن،  كما تحتفل تونس بيومين مخصصين للمرأة هما اليوم العالمي للمرأة يوم 8 آذار والذكرى السنوية لإعلان قانون الأحوال الشخصية يوم 13 أغسطس، الذي أصبح يوم عطلة ضمن ما يعرف بـ “يوم المرأة الوطني”.

من بين المواد المتعلقة بحقوق المرأة التونسية، هي المادة 21، التي تعلن المساواة بين المواطنين أمام القانون دون أي تمييز، وتضمن المادة 34 تمثيل المرأة في الجمعيات المنتخبة وتضمن المادة 40 الحق في العمل الذي يتم في ظل ظروف لائق وبأجر عادل.

كما تبرز المادة 46 ، التي تلزم الدولة بحماية حقوقها المكتسبة، ودعمها وتحسينها، وضمان وصول الرجال والنساء إلى مختلف المسؤوليات، وفي جميع المجالات، لإرساء مبدأ المساواة واستئصال العنف ضد المرأة.

وبمناسبة الذكرى الخمسين لصدور مشروع قانون مجلة الأحوال الشخصية، تم الإعلان عام 2007 عن مشروع قانونين أقرهما مجلس النواب في 8 أيار من العام ذاته، حيث ينص الأول على تعزيز الحق في السكن لفائدة الأم المطلقة الحاصلة على حضانة الأطفال، والثاني يحدد السن الأدنى للزواج إلى 18 عامًا لكلا الجنسين، على الرغم من أن متوسط العمر الحقيقي عند الزواج قد ارتفع إلى 25 سنة للنساء و 30 سنة للرجال.

كما يسمح قانون تم تبنيه في 10 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 للمرأة بالسفر مع أطفالها القصر دون الحاجة إلى طلب إذن مسبق من الأب، وسنة 2017 ، تم إلغاء منشور، يرجع تاريخه إلى سنة 1973، يمنع زواج النساء التونسيات من غير المسلمين.

في آب 2018 ولأول مرة تحصل امرأة عزباء على موافقة لتبني فتاة صغيرة، مما يحول دون المادة 27 من قانون 1958 التي تقضي بأنه يجب على المرأة التي ترغب بالتبني أن تكون متزوجة أو مطلقة أو أرملة.

على مستوى الدستور التونسي المقر  في 1959 فقد كرس في ذلك الوقت مبدأ المساوات بين المرأة والرّجل، وتتالت التشريعات لإقرار حقوق المرأة المدنيّة والسياسيّة (كحق الانتخاب والتعليم والعمل…)

وشهدت تونس تأسيس الإتحاد القومي النسائي التونسي (جانفي 1959) وهو أول تنظيم نسائي عمل على تدعيم المساواة بين الرجل والمرأة وتعبئة جهدها في مسيرة التنمية، بالإضافة إلى إدخال إصلاحات تشريعيّة جوهريّة على مجلّة الأحوال الشخصيّة ارتقت بأوضاع المرأة من طور المساواة الى طور الشراكة، واحداث عديد الآليات المساندة للمرأة من أهمّها: وزارة شؤون المرأة والأسرة والطّفولة والمسنين. مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة. لجنة ادماج المرأة في التخطيط الاستراتيجي للتنمية.

كما تم في مرحلة ما بعد الاستقلال تطوير النسيج الجمعيّاتي والمؤسّساتي لتشجيع المرأة على المساهمة الفاعلة في المجتمع المدني والحياة العامّة، والحرص على تنمية قدرات المرأة بما يجعلها تواكب التطورات في المجتمع.

المرأة في السياسة

تعود أولى مشاركات النساء التونسيات في الانتخابات والحياة السياسية إلى العام 1957 وهي التي جاءت خلال الانتخابات البلدية سنة 1957 فانه تمّ إقصاءهن في أوّل عملية انتخابية شهدتها تونس بعد الاستقلال والتي تمثلت في انتخاب المجلس القومي التأسيسي الذي وضع دستور 1959، غير أن الغياب النسوي عن قبة المجلس الوطني التأسيسي لم يمنع واضعي هذا الدستور من منح النساء جملة من الحقوق المهمة. فقد تمّ الاعتراف لهن بالمساواة أمام القانون، والحق في التصويت والترشح للانتخابات.

المكتسبات القانونية التي تلت الاستقلال تعززت بجملة من الإصلاحات الاجتماعية من خلال مجانية التعليم منذ 1958 والزاميته حتى سن 16 منذ 1991. كما تراجع معدل الخصوبة الإجمالي إلى أقل من النصف. فبعد أن كانت النسبة تقدر بـ 7،15 في عام 1966, أصبحت في حدود 2.2 في عام 2012. كما قدرت نسبة الوفيات المتعلقة بالأمومة بـ44،3 من ضمن مائة ألف سنة 2013.

خلال فترة حكم الرئيس التونسي المخلوع “زين العابدين بن علي” كانت المرأة حاضرة بشكل كبير ضمن مجال العمل السياسي، إلا أن تلك القضية لا تعتبر مؤشرا على أن المرأة كانت حاصلة على حقوقها الكاملة خلال تلك الفترة، وفقاً لما تراه الكاتبة الصحفية “خولة إيشي” التي تقول عن تلك الفترة: “رغم محاولات نظام بن علي التسويق لديمقرطية حكوماته المتعاقبة في التعامل مع العنصر الأنثوي كعنصر فاعل في الحياة السياسية، إلا أن صورة المرأة آنذاك ارتبطت برغبة النظام في الظهور بمظهر النظام التقدمي الذي يسعى لتشريك المرأة كعنصر مهمش لاعتبارات اجتماعية ودينية، غير أن قيام هذا النظام بإسكات ناشطات في مجال حقوق الإنسان وسياسيات مناهضات للدكتاتورية أفرغ كل محاولاته من قيمتها وتحولت المرأة لدى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي إلى ديكور تزين به الإجتماعات والإحتفالات.

كما ترى “إيشي” أن المرأة التونسية تعرضت عملياً لحالات استغلال سياسي من قبل الحكومات والتيارات السياسية لكسب الشارع التونسي خلال السنوات الماضية، مضيفةً: “المرأة تحولت إلى وسيلة بيد الأحزاب السياسية لكسب أصوات الناخبين والمناصرين، فقد حاول عدد كبير من السياسيين، من خلال برامجهم الإنتخابية، كسب تعاطف المرأة واللعب على مشاعرها بوعود لم تنفّذ حول إصلاح وضعيتها وتحسين ظروفها. ومن بين هؤلاء السياسيين نذكر رئيس حزب تيار المحبة (العريضة الشعبية سابقا) والذي كان يتوجه من خلال قناته المستقلة إلى هذه الفئة بقولته الشهيرة ”خالتي مباركة، إن حزبي سيعمل على توفير الصحة المجانية لك و لمثيلاتك”، وعلى هذا الأساس فازت العريضة الشعبية بأغلبية كبيرة في الإنتخابات السابقة غير أن أعضاءها انشغلوا بالصراعات السياسية وتحول أغلبهم إلى أحزاب سياسية أخرى كحزب سليم الرياحي والبحري الجلاصي بمقابل مادي تم إثباته بوثائق ممضاة من طرف بعضهم”.

في ذات السياق، تقول الباحثة في العلوم السياسية، “عفيفة المناعي”: “بالرغم من أنه لطالما تم اعتبار النساء التونسيات من بين أولئك اللاتي يتمتعن بحقوق فردية واسعة مقارنة مع المرأة العربية بشكل عام غير أن الواقع أبرز ضعفا على مستوى فاعلية مشاركتهن السياسية، حيث لم يتحسّن وضع المرأة في إطار الانتقال الديمقراطي مقارنة بالفترة الاستبدادية التي تم فيها إجراء إصلاحات فوقية، والاشكال المطروح هو كيف يمكن زيادة المشاركة السياسية للمرأة خاصة في ظل وجود ديمقراطية حقيقية؟”.

وترى “المناعي” أن أهم ما يعيق التمكين السياسي للمرأة هو إقصاءها من الإعلام الذي يركز عادة على الرجال ويرفض التعاطي بأكثر مرونة وتمثيلية مع النساء، لافتة إلى أنه على الرغم من نضال النساء هن غائبات عن الساحة الإعلامية، التي يمكن اعتباراها الواجهة التي ستمكن النساء من كسب ثقة جمهور الناخبين.

وتقول “المناعي”: “في المقابل يقتصر التركيز عليهن في الأعياد الخاصة بالنساء. هذه المناسباتية في التعاطي مع المرأة وملفاتهن الحقوقية ليست سوى مجالا لتلميع صورة السياسيين الفاعلين على المستوى الوطني وفي الواقع هي لا تخدم في شيء حقوق المرأة. فالتركيز لا يتم الا على ما هو مكتسب وليس على ما يمكن للمرأة أن تضيفه الى رصيدها الحقوق”

عنف وتهميش.. شكوى الناشطات!

تشتكي الناشطة النسوية “راية بن جوهر” مما تصفه بـ “الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية” التي تمر بها المرأة التونسية عموما، معتبرةً أن المشاركة السياسية عقب فترة الثورة على نظام “بن علي” ووصول المرأة إلى منصب حساس لا يعني بالضرورة أنها تعيش في حالة أفضل من بقية النساء في الوطن العربي

وتؤكد “بن جوهر” انه على مستوى الحياة العامة تعيش المرأة التونسية مستويات عالية من التهميش في مجالات الصحة والتعليم بالنسبة للمرأة الريفية والعنف الأسري والضغوط النفسية ذات الوازع الديني والذكوريا، لافتةً إلى أنه على المستوى العمل على سبيل المثال تشير الإحصائيات الرسمية إلى ان الفترة من 1990 و2010، أن نسبة البطالة في صفوف النساء مرتفعة عن تلك المسجلة في صفوف الرجال، حيث وصلت نسبة البطالة لدى النساء (21،9٪) في حين سجلت معدلات البطالة لدى الرجال (12،8٪).

إلى جانب ذلك، تشير “بن جوهر” إلى ان المرأة التونسية لا تزال إلى اليوم ضحية للعنف الجسدي والمجتمعي، مبينةً أن إحصائيات العام 2020 كشفت عن تعرض 80 بالمئة من النساء المتزوجات يتعرضن للعنف من قبل أزواجهن سواء المادي أو الجسدي أو اللفظي أو الجنسي.

يشار إلى ان التقرير السنوي الثالث حول مناهضة العنف ضد المرأة بين أن 36 بالمائة من النساء المتزوجات المعنفات تتراوح أعمارهم بين 30 و39 سنة، في حين تؤكد مسؤولة قسم مقاومة العنف ضد المرأة بوزارة المرأة والأسرة وكبار السن “حنان البنزرتي”، أن التقرير الذي أصدرته الوزارة يبين أن 90 بالمئة من المكالمات الوراردة على الخط الأخضر من قبل نساء ضحايا العنف اللفظي و84 بالمئة تعرضن للعنف المعنوي، فيما كانت نسبة 74 بالمئةمنهن ضحية العنف المادي و36 بالمئة منهن ضحية العنف الاقتصادي فيما تعرضت حوالي 18 بالمائة منهن للعنف الجنسي.

وتلفت “البزرتي” إلى أن الوحدة المركزية المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة ومصلحة وقاية الأحداث التابعة للإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بمعية بإدارة الشرطة العدلية والفرقة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل المحدثة بكافة مناطق الأمن الوطني، تعهّدت بـ 41668 قضية عنف بأشكاله المختلفة مادي، معنوي، جنسي، اقتصادي وسياسي منها 6842 قضية شملت أطفال أي بنسبة 42.16 % من المجموع العام.

يذكر أن مركز ” الأورومتوسطية” الحقوقي سجل منذ تفشي فيروس كورونا في آذار 2020، الإبلاغ عن أكثر من 7000 حالة عنف أسري وذلك من خلال الرقم المجاني الذي أنشأته وزارة المرأة والأسرة.

من جهتها، تقول الإخصائية في علم الاجتماع، “فتحية السعيدي”، إنّ “القانون في تونس متطور جداً، وبإمكانه أن يصبح رادعاً مع الوقت شرط ان يقترن بالآليات العملية أبرزها زيادة عدد فروع الشرطة المختصة بهذا النوع من الجرائم، مضيفةً: “قانون العنف ضد المرأة يشمل كل من الحماية، الوقاية، التجريم، دعم ضحايا العنف، وهي متطلبات كافية للتخفيف من هذا النوع من الجرائم، المرفوضة اجتماعيا”، مشيرة إلى “عدد النساء اللواتي يتقدمن بدعاوى جزائية موضوعها العنف أو الاعتداء الجنسي ليست بالقليلة”.

يذكر ان البرلمان التونسي كان قد القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 آب/أغسطس 2017 يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. ما اعتبر ثورة تشريعية في هذا السياق، ويتضمن الفصل الثاني “أن هذا القانون يشمل كل أشكال التمييز والعنف المسلط على المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين مهما كان مرتكبوه وأيّا كان مجاله، وعلى المستوى الجزائي فإن أهم النقاط الجديدة التي جاء بها هذا القانون تتمثل فيما يلي:

رفع مدة عقوبة مرتكب التحرّش الجنسي من سنة إلى سنتين ورفع قيمة الغرامة من ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف دينار، ويكون العقاب مضاعفا إذا كان الضحية طفلا أو كان الفاعل من أصول أو فروع الضحية أو كانت له سلطة عليه.

واستجابة لأحد أهم مطالب الجمعيات الحقوقية في تونس، تم إلغاء تزويج الجاني بالمجني عليها الذي كان يتم بهدف وقف الملاحقات ضده في قضية الاغتصاب.

 كما ينص القانون الجديد على تعريف جريمة الاغتصاب التي لم تكن معرفة في السابق إلا من قبل القضاء. كما يتضمن هذا القانون تعديلا في عقوبة جريمة الاغتصاب من السجن مدى الحياة إلى 20 سنة.

من جهتها، تعلق رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات “يسرى فراوس” على وضع لمرأة التونسية بأن هناك تباينا كبيرا بين قانون 2017 والممارسات المؤسساتية والاجتماعية والتي لا تواكب هذا المنحى، لافتةً إلى أنه يجب أن خوض معركتين بشكل متواز تشملان القوانين والعقليات من خلال تدريب قضاة ومحامين والشرطة والأطباء لرفع الظلم عن المرأة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى