fbpx

مستقبل نظام الأسد في ظل الأوضاع الاقتصادية ونقص الموارد والخدمات

مشهد لا يمكن أن تراه إلا في أفلام نهاية العالم؛ جموع محتشدة ليس للتهجير هذه المرة، بل للحصول على ربطة خبر أو أسطوانة غاز أو وقود لمركبة. أثارت أزمة الغاز والمحروقات عدداً من رسائل الاحتجاج والنقد من شخصيات عامه خفت صوتها عندما استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي ضد مواطنيه، وعلا وارتفع من أجل ربطة خبز وأسطوانة غاز، حيث أثارت أزمة الغاز والمحروقات عدداً من الانتقادات، وبدت كرأس جبل جليد من أزمات معيشية واقتصادية هائلة، تراكمت في السنوات السابقة مع تحول سوريا إلى مناطق نفوذ لقوات أجنبيه متعددة، وهيمنة المليشيات الأجنبية، واقتصاد الحرب، وغياب الحل السياسي، وفقدان مظاهر الاستقرار.

  • سيناريوهات الأزمة المعيشية المتفاقمة في سوريا

يعود تردي الوضع المعيشي في مناطق النظام ومناطق نفوذ روسيا وإيران إلى عام 2012م، إلا أن أزمة حوامل الطاقة الأخيرة كشفته ووضعته تحت الأضواء، وهي أزمة لها أسبابها الاقتصادية والسياسية. تتمثل الأسباب الاقتصادية في عدم تناسب دخل المواطن مع الإنفاق؛ إذ يقدر متوسط دخل الموظف في سوريا بـ /40/ ألف ليرة، ويصل في أحسن الأحوال إلى /60/ ألف، بينما يبلغ متوسط إنفاق عائلة مكونة من خمسة أشخاص /240/ ألف ليرة، ووصلت نسبة البطالة في سوريا إلى 70%، وقد قفزت أسعار السلع والمواد الغذائية 12 ضعفاً خلال الثورة، وفقدت الليرة من قيمتها كثيراً وذلك بسبب توظيف النظام كافة الموارد الاقتصادية للمجهود الحربي ضد شعبه.

  • الأسباب السياسية

اعتاد نظام الأسد على إدارة البلاد من خلال افتعال الأزمات بهدف صرف نظر السوريين عن قضاياهم الأساسية، وربما لتمرير مشروعات، أو صفقات اقتصاديه، أو تأجير الثروات الباطنية، وبخاصة إذا علمنا أن إيران زاد إنتاجها من النفط مؤخراً 30%، وتعدّ روسيا من أكبر منتجي الغاز في العالم، ما يعني في الحصيلة أن أزمة حوامل الطاقة سببها الخلاف الروسي الإيراني داخل سوريا وعدم توافر السيولة النقدية لدى النظام في حال فكر بتأمين البدائل عن حليفيه. ويمكن القول إن أزمة المحروقات طفت على السطح في المرحلة الأخيرة في مناطق سيطرة النظام إلى توسع مناطق سيطرة النظام على حساب المعارضة، وعدم قدرته على تلبية الاحتياجات التي كانت خارج سيطرته، إضافة إلى إنجازه بعض مشروعات البنى التحتية لإظهار سيطرته ونفوذه على تلك المناطق، في وقت بدت فيه كل من روسيا وإيران غير راغبين في تقديم أي مساعدات للنظام، بل يبحثون عن منافذ متعددة للتعويض عما خسروه في سوريا في السنوات الماضية، وهو ما جعل الأزمة تبدو إثباتات فشل متراكمة. وفي المقابل عمل النظام بوساطة وزارة النفط في حكومته بإصدارٍ نصّ على ضرورة العمل بإجراءات إسعافيه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لوقف تداعيات أزمة المحروقات التي بدأت تتسرب إلى الشارع، وتخوفه من تحولها لاحقاً إلى احتجاجات واسعة؛ فحددت حصصاً معينة لكل فئات المركبات “عشرون  ليتراً لكل مركبة خاصة كل خمسة أيام، والكمية نفسها للمركبات العامة كل ٤٨ ساعة”، إضافة إلى وجود وعود خاصة لتأمين العجز النفطي، على الرغم من صعوبة ذلك في ظل المعطيات المتوافرة، ولا سيما أزمة الغاز المنزلي الممتدة منذ أشهر وتسببت في تعطل العمل في عدد من منافذ سادكوب في دمشق، وإغلاق المطاعم والمحال التجارية في مراكز المدن.

  • محاولة النظام إنقاذ نفسه

كعادته التي بات السوريون على معرفة تامة بها، ألقى النظام السوري ما يعانيه من نقص في هذه المواد على المؤامرة الخارجية التي تقف أمريكا وإسرائيل وراءها؛ مع اعترافه هذه المرة بانزلاق الأمور إلى الأسوأ بسبب انقطاع الإمدادات النفطية، إلا أنه يجتهد منذ ستة أشهر بإدارة الموارد النفطية الشحيحة من دون أن يعمل على تطوير علاقات عقدية مستدامة توفر الإمدادات الضرورية للمواطنين، ويحاول العمل على تحرير قطاع النفط بالسماح للصناعيين باستيراد النفط والفيول عبر البر والبحر، الأمر الذي كان حكراً على “النظام” طوال مدّة حكم الأسد الأب والابن، وهو ما يصر عليه بسبب العقوبات الأمريكية على إيران، وجدية الإدارة الأمريكية بتقليم أظفارها في المنطقة، كخطوة أولى وربما تكون الوحيدة للتغلب على مشكلات القطاع للمشتقات النفطية.

  • تداعيات الأزمة على مستقبل النظام الاقتصادي

حطمت الأزمات المتتالية صورة النظام القوي التي حاول تسويقها عن نفسه بعد انتصاراته العسكرية المدعومة من  روسيا وإيران، ويوجه هذا التحطيم ضربة قاصمة لمحاولات شرعنته وتعويمه، ويعزز احتمال وضعه على طاولة المفاوضات من جديد، إن لم يكن من باب الشرعية، فمن باب قدرته على الاستمرار الاقتصادي هذه المرة، فالنظام لم يعد قادراً على تأمين أبسط الاحتياجات المعيشية الضرورية للحياة. أما على الصعيد الداخلي والحاضنة الشعبية فقد نزعت الأزمة الحالية آخر الأوهام عند الموالاة حول قدرة النظام على الوقوف خارج الدعم اليومي المباشر، بافتراض أن الأزمات تظهير مباشر لتوقف الخط الائتماني الإيراني، ولا تشير المعطيات إلى عودة هذا الخط لأسباب متعددة تتعلق باقتصاد إيران المنهك، وتتعلق بمفعولات العقوبات على النظامين، ويؤكد ذلك تصريح جواد ظريف في زيارته الأخيرة إلى دمشق في معرض إشارته لتناول المباحثات “سبل تحسين معيشة الشعبين”، وهو تصريح لافت من جهة وضعه معاناة الشعب السوري في موازاة معاناة الشعب الإيراني، ما يعني توقف المساعدات الإيرانية للنظام، أو أقله لن تكون كما في السابق. ومن الناحية الاقتصادية والاجتماعية انعكس غلاء حوامل الطاقة حتى وإن نجح النظام في توفيرها على مجمل الاقتصاد السوري، نظراً إلى ضعف المدخولات السورية التي لا تتناسب مع أسعار السوق العالمية، وإن استمر الحال كما هو عليه سيصيب الشلل الكامل القطاعات الحيوية معظمها في سوريا، وقد بدأت صور تداعياته السريعة تظهر على أسعار صرف الليرة التي انخفضت مقابل الدولار في الأيام الماضية لتلمس حاجز 570 ل.س، مع تحذيرات من انهيار كامل للعملة السورية. وعليه يجد النظام نفسه أمام خيارات محدودة جداً تتمثل في استمرار الأزمة الخانقة وإدارتها، لعدم قدرته على الاستمرار في استيراد المشتقات النفطية –إن نجح في ذلك- بالقطع الأجنبي، واتجاه الأمور إلى مزيد من التدهور والتضخم إلى حدود لا يمكن ضبطها؛ وبخاصة إذا ما صدر قانون “سيزر” ومن ثم يتحمل المواطن السوري فاتورة تفوق قدرات تحمله، ويعاني نقصاً يومياً في الوقود والضروريات الأساسية الأخرى، وتدفع سوريا من ثروتها وسيادتها ثمناً على شكل اتفاقيات أو تنازلات، وما استئجار روسيا مرفأ طرطوس مؤخراً إلا إحدى تجليات تلك الفاتورة.  يستمر النظام بتبديد موارده القليلة لتمويل الميليشيات التي تقاتل إلى جانبه ضد الشعب السوري، وظهور فئة جديدة من أثرياء الحرب، وما ذلك إلا لسبب تعنته وعدم تطبيقه للقرارات الدولية وتراخي المجتمع الدولي في ليّ ذراعه. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى