fbpx

تُخَزَّن في الصحراء.. مافيا تنشط في تهريب السجائر إلى تونس

مرصد مينا – هيئة التحرير 

أنواع متعددة من السجائر مجهولة المصدر تنتشر في السوق التونسية وتعرض للمستهلكين بطرق عشوائية، اسعارها اقل بكثير من اسعار السجائر التي تباع بطرق قانونية ولكن مسارها أكبر. يوميا يتم حجز كميات كبيرة من تلك السموم ومع ذلك يتواصل عرضها ويستميت باعتها في تحدي القانون وتحدي المراقبين. ولا يكاد يمر يوم دون ان نسمع فيه اخبارا عن حجز سلع مهربة متمثلة اساسا في السجائر. اقتحام مخازن سرية، حجز سلع مهربة في شاحنات، كراتين مخباة ومهربين محنكين يخوضون مجال التبغ المحظور. وانتشار هذه الظاهرة يدفع اليا إلى طرح العديد من الأسئلة على غرار.. كم تبلغ حصة السجائر المهربة من السوق؟ كيف تهرب ؟ من يهربها؟ وأي سبيل تعتمده الجمارك التونسية لمقاومة الظاهرة ؟ ثم أي تأثير  لها على وكالة التبغ والوقيد الحكومية؟

كل هذه الأسئلة طرحناها على مصادرنا في الجمارك التونسية التي أكدت لنا أنها مرت الى اعتماد أقصى المجهودات والأساليب والتجهيزات لمقاومة هذه الظاهرة التي انتشرت بعد الثورة لتصل إلى مداها خلال الفترة الأخيرة. 

أجهزة متطورة للكشف

1300 مليار تونسي هو رقم المعاملات الذي تم تسجيله العام الماضي لفائدة السجائر المهربة مقابل 1500 مليار لمبيعات الوكالة الوطنية  للتبغ  والوقيد أي  43 ٪ للموازي و47 ٪ للمنظم..  وقد اكدت المصادر نفسها  ان الجمارك  شرعت في استغلال جملة من أجهزة الكشف المتطور التي تتلاءم أكثر  مع حيل المهربين والتي وصلت حدّ إدخال تحويرات على الهيكل الحديدي للشاحنات.

والسوق السوداء للسجائر هي اكبر مما يمكن توقعه، فهي ليست مجرد كراتين تدخل عبر الحدود باشراف مهربين عاديين يبحثون عن كسب قوتهم او ما شابه، وانما وراءها شبكات موازية تقوم بتوزيع السجائر بما في ذلك  منتوجات الوكالة ليقفز هامش  الربح الى نحو 30 ٪ مقابل 6 ٪ فحسب على الورق. وقد افادت مصادرنا أن المهرّبين محترفين الى درجة لا تخطر على بال، فهم يلجؤون إلى حيل غريبة لمغالطة عون الجمارك  مثل إنجاز صندوق خفيّ صلب الهيكل الحديدي للشّاحنة  أو اخفاء التبغ في أكوام التبن أو مع قطيع الماشية حتى لا يتشجع العون على تفتيش الشاحنة. وفيما يتعلق بمصادر السجائر المهربة فان مسلك التهريب حسب المعطيات التي تحصلنا عليها يقوم أساسا على عدد من “البارونات” الذين يستوطنون في دولتي الجوار إلى جانب التشاد والنيجر  وهؤلاء يتولون إيصال البضاعة الى الحدود التونسية ليتسلمها منهم كبار المهربين  في تونس والذين يتولون  تخزين  المنتوجات المهربة في المناطق الحدودية قبل أن تنطلق إلى مختلف جهات البلاد. وعلى اثر عمليات التخزين في المناطق  الحدودية يتم توزيع المنتوجات المهربة في كامل أنحاء البلاد عن طريق سيارات يقودها أشخاص يحصلون على عمولة لقاء مهمّة النقل.

وتتلقى تلك  السيارات القادمة من المناطق الحدودية تعليمات من كبار المهربين بعدم التوقف تحت أي طائل وهو ما يجعل مطاردتها لا تخلو من مخاطر. كما أن كل سيارة أو شاحنة صغيرة تنقل منتوجات مهرّبة عادة ما تسبقها سيارات أخرى تسمى “كشّافة” وتتمثل مهمتها في رصد انتشار أعوان المراقبة لتحديد المسلك الآمن .وعادة ما يستعمل المهربون سيارات كراء أو سيارات تم اقتناؤها عبر شركات الإيجار المالي. ويتم ترويج المنتوجات المهرّبة حتى صلب المسالك المنظمة. وقد تم ضبط عدد من أصحاب  رخص توزيع التبغ بصدد  ترويج منتوجات مهربة سواء أجنبية أو تونسية مقلدة وقد تم اتخاذ إجراءات وعقوبات ضدهم وصلت إلى سحب رخص التوزيع.

300 ألف صندوق سجائر

وكانت الديوانة  قد أحبطت  أربع عمليات تهريب بمينائي رادس وحلق الوادي تورطت فيها شبكة دولية لتهريب السجائر تنشط في دول الجوار. وعمليات التهريب تلك اعتمدت على دس السجائر بين المنتوجات الفلاحيّة حتى لا يتم التفطّن لها لجهة أن المنتوج الذي يحتوي على مادة عضوية لا يظهر بوضوح على شاشة السكانار. وتبعا لذلك فإن الكشف عن العمليات المذكورة تم عن طريق ما يسمى “الحدس” الديواني للأعوان. ولعل ظاهرة تهريب السجائر تراجعت ومن المنتظر ان تتقلص اكثر باعتبار ان الديوانة تقوم بمجهودات كبرى من اجل تجفيف منابع التهريب بما في ذلك السجائر عبر تكثيف الرقابة في مناطق التخزين على الشريط الحدودي ولاسيما جنوب البلاد. وقالت مصادرنا الخاصة انه تم خلال السنة المنقضية حجز اكثر من 300 الف صندوق سجائر. 

والسجائر المهربة او “الدزيري كما يسميه التونسيون، يلقى رواجا كبيرا بين التونسيين باعتبار انخفاض أسعاره. ويقبل على هاته السجائر المستوردة الشباب والأطفال خاصة وانها متوفرة بكثرة  في الأماكن القريبة من المدارس والمعاهد.

وتندرج  الحملات الامنية المكثفة الاخيرة في اطار القضاء على التجارة الموازية وتهريب السلع التي تضر المواطن ماديا وصحيا. وحول هذا الموضوع افادنا العقيد الاسعد البشوال من الجمارك التونسية ان مصالحهم تمكنت بمشاركة عدد من المصالح الاخرى على غرار الاستعلامات التابعة للحرس الجمركية وادارة الابحاث الاستعلاماتية والاستعلامات المركزية، من التصدي للعديد من عمليات التهريب الخاصة بالتبغ والتي استفحلت خلال السنوات  الاخيرة.

وقال ان الجمارك تمكنت من حجز كميات كبيرة من السجائر والمعسل والجيراك بقيمة جملية تصل الى قرابة 10 مليارات.

وقال انه يتم بالتنسيق مع الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد تسليمها المحجوز بمحضر تسليم وبحضور ممثل عن الوكالة وممثلين عن الديوانة ومرافقة البضاعة مع حضور عملية الاتلاف صحبة ممثل عن الوكالة الوطنية للبيئة وممثل عن وزارة الصناعة .

واضاف محدثنا ان مادة التبغ المهربة تاتينا عادة من الحدود الجنوبية ولكن هذا لا يمنع ان بعض عمليات التهريب نفذت على مستوى الحدود التونسية الجزائرية. ووصف تلك العمليات بانها تدخل في اطار الجريمة المنظمة العابرة للاقطار باعتبار انها تتاتى عبر مسالك غير قانونية وتدخل الى العاصمة وتباع في الشوارع والانهج. وقال ان وحدات الجمارك والبالغ عددها 6 وحدات تقوم بعمل يومي وروتيني وتقوم يوميا بحجز كميات من مادة التبغ. وقال ان عملياتهم تنقسم بين عمليات نوعية فيها جانب استخباراتي استعلاماتي حيث تقوم الوحدات بدراسة المحلات والمخازن ومن ثمة الحجز، وهناك عمليات تتنزل في اطار مراقبة جولان البضائع على كامل تراب الجمهورية ..

واكد الناطق الرسمي باسم الجمارك على ان التنسيقية الداخلية بين مختلف اجهزة تنفيذ القانون متواجدة على المستوى المركزي وعلى المستوى الجهوي والمحلي.. 

3 سنوات قبل وصولها الى المستهلك 

 وتضر السجائر المهربة في تونس كثيرا باقتصاد البلد، حيث تؤكد الدراسات أن التجارة الموازية للسجائر تستأثر بـ 42 بالمئة من المعاملات التجارية ويتجاوز انعكاسها السلبي والمباشر على ميزانية الدولة قرابة  الـ500 مليون دينار. وبالاضافة الى انها تضر الاقتصاد فهي ايضا تتكون من مواد مسرطنة اكثر من السجائر العادية حيث تحتوي على مكونات تدمر الشرايين في فترة قصيرة. وحسب مدير حفظ صحة الوسط والمحيط بوزارة الصحة، محمد الرابحي، فإن السجائر المهربة تحتوي على مادة أولية موردة من الهند وتسمى “الشعرة” التي لا تبرز مخاطرها في الحين أو في وقت محدد وتسبب العديد من الأمراض الخطيرة. كما ان السجائر المهربة تمر عبر عدة مراحل قبل وصولها الى المستهلك فيتم تخزينها وتهريبها من مكان الى اخر عبر الصحراء، وتظل احيانا مدة 3 سنوات قبل وصولها إلى المستهلك، مما يتسبب في انتهاء تاريخ صلوحيتها وبالتالي تتضاعف مخاطرها وأضرارها على المدخنين. 

وفي علاقة بنفس الموضوع، صرح طارق بن جازية المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك أن للسجائر المقلدة والمهربة تأثيرات على صحة المستهلك والاقتصاد الوطني ملاحظا أن الدولة تخسر سنويا حوالي 500 مليون دينار جراء عمليات تهريب السجائر وعدم مرورها بالمسالك الرسمية إلى جانب أنها تعتبر 11 مرة مسرطنة أكثر من السجائر العادية مشددا على أن كل السجائر مضرة بالصحة وان الأفضل هو الإقلاع عن التدخين .وأشار إلى انه تم توزيع العديد من المطويات والمعلقات الجدارية على المواطنين للتحسيس بمضار التدخين ومن ضمنها السجائر المقلدة والمهربة إلى جانب  القيام بومضات تلفزية واذاعية في الغرض وإرساليات قصيرة تحذر من اقتناء السجائر وخاصة المهربة.

السوق الموازية وراءها اباطرة كبار 

وحول هذا الموضوع قال كاتب عام نقابة الوكالة التونسية للتبغ والوقيد هشام الوسسلاتي انه ورغم الضغط الكبير الذي بدات تمارسه مصالح الديوانة التونسية على السوق الموازية للسجائر ،الا ان الاضرار التي تخلفها هذه الافة على مصنع السجائر وعلى ميزانية الدولة كبيرة جدا وتحتاج الى تدخل اكثر صرامة. واوضح محدثنا ان الدولة وحدها مسؤولة على مراقبة مسالك التوزيع غير الرسمية  وهي وحدها التي يجب ان تضع حدا لها لدرأ ما تلحقه بالوكالة وبالميزانية العامة..

وقال هشام الوسلاتي ان وكالة التبغ والوقيد تنتج سنويا ما يقارب 550 مليون علبة سجائر وان اغلب ايرادات هذا المنتوج يعود لميزانية الدولة دون اعتبار السجائر المستوردة كالفرنسية والامريكية والالمانية والتي تقدر كميتها السنوية بما يقارب 300 مليون علبة. وقال انه رغم حجم الانتاج الكبير، الا ان الحديث عن ضعف الايرادات وعن سلبيته يتزايد معتبرا ذلك غير مفهوم خاصة وان الوكالة تساهم بالفي مليار في ميزانية الدولة وان الدولة هي التي تهيكل الاسعار وليست الوكالة. واكد ان السوق الموازية تضر بدرجة اولى ميزانية الدولة باعتبار ان التوجه نحو السجائر المهربة كبير ويضر بدرجة ثانية التي الوكالة ينتفع منها العملة واصحاب رخص ومزارعين وغيرهم من المتدخلين في سوق السجائر..  وشدد الوسلاتيي على ان السوق الموازية ليست مجرد باعة على قارعة الطريق وانما يحكمها اباطرة يسعون بكل الطرق الى “ضرب” وكالة التبغ والى الاستحواذ على السوق وتحقيق الارباح المهولة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى