fbpx

الميزانية العسكرية الإيرانية بين قمع الداخل وإرهاب الخارج

وحدة الترجمة في مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي لطالما التفت هالة من الغموض حول الميزانية العسكرية ومصادرها في إيران، وبصرف النظر عن أن الميزانية الرسمية للبلاد تعرض سنوياً في البرلمان الإيراني فإن الميزانية العسكرية تمتلك أبعاداً مخفية ترهق أكبر الخبراء العسكريين والاقتصاديين في كشفها وحسابها وتقديرها. وفي هذا الصدد يقوم المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن[1] سنوياً بنشر تقويماته الشاملة حول القدرات العسكرية والمصروفات والتكاليف الدفاعية لدول العالم مجموعة جميعها في كتاب واحد يمسى (الميزانية العسكرية). ويقول المعهد في أحدث تقرير له أن فحصاً تفصيلياً لمشروع قانون ميزانية عام ٢٠١٨-٢٠١٩ في إيران يتحدث عن ارتفاع التكلفة العسكرية وعن تغييرات أساسية في كيفية تخصيص المصادر المالية للميزانية العسكرية الإيرانية. ويشير تقرير هذا المعهد إلى أن الميزانية السنوية في إيران ما هي إلا لقطة سريعة عن التكاليف الرسمية والواضحة في البلاد وأن هناك عدد من المنظمات -وبخاصة القوات المسلحة- تمتلك مصادر مالية خاصة خارج دائرة الميزانية الرسمية وهذه المصادر المالية الخاصة تمكنها من زيادة ميزانيتها العسكرية كما تشاء. ولهذا السبب سعت قوات الحرس الثوري الإيراني سعياً حثيثاً لإطلاق الشركات الخاصة في مستوى البلاد بهدف زيادة الاستثمار وإيجاد المصادر المالية الخاصة بها. فضلاً عن أن القوة السياسية المتزايدة لقوات الحرس الثوري في إيران مكنتها من إمضاء عدد من العقود الاقتصادية الكبيرة في إيران مثل عقود البناء والطاقة وشق الطرقات والأوتوسترادات والنقل وغيرها كثير من العقود والصفقات التي حصلت عليها قوات الحرس الثوري من دون أي منافسة. فمن أجل الوصول إلى التكلفة العسكرية الإجمالية في إيران لا يكفي أن نحتسب فقط تكاليف الجيش الإيراني وقوات الحرس الثوري وقوات البسيج وميزانياتها، بل يجب أن نضيف إليها أيضا تكاليف قوات الأمن والشرطة وتكاليف المنظمات التي يعمل فيها موظفو القوات المسلحة وأيضاً ميزانية عدد من المراكز التعليمية والدينية والسياسية الخاصة والمنظمات والجامعات التي تعنى بشؤون الخدمات والأبحاث الدفاعية للقوات المسلحة. وبما أن الشفافية تمهد الطريق للإجابة عن الأسئلة المطروحة لكن طريقة حساب الميزانية العسكرية الإيرانية وعرضها قد لُفَّت عمداً بهالة من الغموض، فحساب الميزانية الإيرانية يعدّ أمراً معقداً للغاية لأنه يخضع لمساومات الأجنحة والعصابات المتحكمة في إيران الذين يعدون عاملاً أساسياً في تخصيص ميزانيتهم الخاصة. وعلى الرغم من هذه التحديات والتعقيدات فقد وصل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية من خلال إجرائه تحقيقات وأبحاث عميقة إلى خمسة نتائج أساسية سنقوم بذكرها تباعاً: أولاً: إن التكلفة الرسمية للشؤون العسكرية والدفاعية في إيران قد وصلت إلى مراتب أعلى من المقدار العادي الذي يطلبه عادة المسؤولون المحافظون في البرلمان الإيراني. ثم إن وسائل الإعلام المرتبطة بقوات الحرس الثوري والمسؤولين العسكريين رفيعي المستوى مثل: العميد محمد باقري القائد العام للقوات المسلحة وعلاء الدين بروجردي الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيرانية وعدد من المتشددين والمحافظين في البرلمان الإيراني كانوا قد طالبوا الحكومة مرات عدة بتخصيص خمسة في المئة من الميزانية الكلية للبلاد للشؤون العسكرية، وعام ٢٠١٦ وافق البرلمان الإيراني على هذا الطرح وفي الحصيلة وصلت الميزانية العسكرية الإجمالية في ذاك العام إلى ٩٢١ ترليون ريال إيراني ( ما يعادل ١٩.٦ مليار دولار). وعام ٢٠١٨ حددت الحكومة الإيرانية ميزانية عام ٢٠١٨- ٢٠١٩ بـ١٢ ألف ترليون ريال (ما يعادل ٢٦٠ مليار دولار) وخصصت ٧.٥ في المئة (ما يعادل ١٩.٥ مليار دولار وذلك اعتماداً على الرقم السابق) من هذه الميزانية للتكاليف العسكرية أي ميزانية عسكرية في إيران. ثانياً: إن سقوط قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار منذ شهر نيسان/ أبريل وحتى شهر اكتوبر من عام ٢٠١٨ أدى إلى انخفاض التكلفة الدفاعية من ٢١.٤ مليار دولار إلى ١٩.٦ مليار دولار من حيث قيمة الدولار، ولكن الحكومة الإيرانية لم تراعِ هذا الأمر وأبقت على هذا الرقم بقيمة الريال الإيراني على الرغم من هبوطه الكبير وهذا دليل على أن أولوية إيران في هذا العام ليست محصورة بالشؤون الدفاعية فحسب، فهناك أمور أخرى استجدت في الساحة الداخلية ومنها “الانتفاضة الإيرانية” التي فرضت على الحكومة الإيرانية تغيير أولوياتها بشكل دراماتيكي. وعلى الرغم من هذا كله فإن التكاليف العسكرية الإيرانية جميعها عام ٢٠١٨ ارتفعت قيمتها ارتفاعاً حقيقياً وواقعياً بنسبة ٥٣ في المئة مقارنة بالسنوات الخمس الماضية. ثالثاً: إن البحث في الميزانية العسكرية الإيرانية لعام ٢٠١٨- ٢٠١٩ يشير إلى أن ميزانية قوات الأمن والشرطة قد ازدادت بنسبة ٨٣ في المئة وهذه الزيادة تعدّ ارتفاعاً أكبر بعد دمج ميزانيتها في الميزانية العسكرية الإجمالية للبلاد. وعلى أساس هذا الحساب، فإن ميزانية قوات الأمن والشرطة التي تعادل ١٦ في المئة من الميزانية العسكرية لإيران هي أكثر من ميزانية الجيش الإيراني التي تعادل ١٢.١ في المئة من الميزانية العسكرية لإيران. ومن هنا فإن الارتفاع الملحوظ في ميزانية قوات الأمن والشرطة التي تتولى مسؤولية الأمن الداخلي في إيران يعزى إلى حالة السخط الشعبي الواسعة والاحتجاجات الشعبية العارمة التي وقع أهمها في المرحلة الزمنية الممتدة ما بين ٢٨ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٧ وحتى ٧ كانون الثاني/ يناير ٢٠١٨. ثم إن البحث والتحقيق في ميزانية عام ٢٠١٨- ٢٠١٩ يشير إلى تخصيص ٣٣ في المئة من الميزانية العسكرية للبلاد لقوات الحرس الثوري التي كان لها دور أساسي في قمع الاحتجاجات الشعبية في إيران. وعلى هذا الأساس فقد وصلت ميزانية قوات الحرس الثوري الإيراني إلى ٣٠٣ ترليون ريال (ما يعادل ٦.٤ مليار دولار). رابعاً: إن الميزانية المخصصة عام ٢٠١٨- ٢٠١٩ للقاعدة المركزية خاتم الأنبياء (تختلف عن قاعدة خاتم الأنبياء لإعادة الإعمار) وإيكال قيادتها إلى العميد غلام علي رشيد يشير بوضوح إلى أهمية هذه القاعدة وزيادة نفوذها. فهذه القاعدة تولت مسؤولية التنسيق ما بين الجيش الإيراني وقوات الحرس الثوري في زمان الحرب العراقية الإيرانية ولكن عام ٢٠١٦ ومع تجدد نشاط القاعدة المركزية خاتم الأنبياء وفاعلياتها فقد أُعلِن أنه في حال نشوب حرب جديدة فإن هذه القاعدة ستتولى مسؤولية التخطيط والتنسيق والإشراف على عمليات القوات المسلحة وهذا الأمر هو مسؤولية هذه القاعدة لا مسؤولية القيادة العامة للقوات المسلحة. والعميد حسين حسني سعدي الذي تولى القيادة العامة للقوات البرية في الجيش الإيراني هو نائب العميد غلام علي رشيد القائد العام للقاعدة المركزية خاتم الأنبياء. ووفقاً لتقرير بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام الإيراني فإن القاعدة المركزية خاتم الأنبياء مسؤولة عن “التنسيق المهم والحساس في الشرق الأوسط” والعميد غلام علي رشيد قائد هذه القاعدة هو أحد قادة الحرس الثوري المهمين الذين يملكون علاقات مقربة من العميد قاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس التي يقع على عاتقها مسؤولية تنفيذ عمليات خارج الحدود الإيرانية من تدريب ودعم لبقية المليشيات التي تدعمها إيران في كل من سوريا والعراق واليمن وذلك بمساعدة حزب الله اللبناني. خامساً: إن ميزانية قوات فليلق القدس في مشروع موازنة عام ٢٠١٧ الذي قدم للبرلمان الإيراني كانت ١٠ تريليون ريال (ما يعادل ٢١٣ مليون دولار). وهذا المقدار نفسه أي ما يعادل ٢١٣ مليون دولار قد خُصِّص كميزانية للبرنامج الصاروخي ولكن في مشروع موازنة عام ٢٠١٨ لم تجرِ الإشارة إلى ميزانية هذين الأمرين (أي ميزانية قوات فيلق القدس وميزانية البرنامج الصاروخي) وهذا إن أشار إلى شيء فإنه يشير إلى وجود مصادر مالية أخرى للتكاليف العسكرية الإيرانية وذلك بعيداً عن الميزانية الرسمية الكلية للبلاد وبخاصة ما يتعلق بميزانية البرامج والمنظمات العسكرية التي يقودها خامنئي وبقية مسؤولي الحرس الثوري الإيراني ويعطونها أولوية خاصة عن غيرها من المؤسسات والمنظمات الأخرى في إيران. الاستنتاجات: إن هذه التحقيقات الأولية حول الميزانية والتكلفة العسكرية الإيرانية تتحدث عن تغيير في مقدار تخصيص المنابع المالية للتكاليف العسكرية في إيران وطريقتها وكيف يمكن للبرامج الأمنية والدفاعية أن تتأثر بها. فوفقا للإحصاءات المذكورة أعلاه فقد خصصت الحكومة الإيرانية حوالى ١٩.٥ مليار دولار ميزانية عسكرية أو تكلفة عسكرية للبلاد وهذا يعدّ ارتفاعاً كبيراً ملحوظاً. ومن جهة أخرى خصصت الحكومة الإيرانية من هذه الميزانية العسكرية ما يقارب ١٦ في المئة ميزانية لقوات الأمن والشرطة التي ارتفعت ميزانيتها بنسبة ٨٣ في المئة وأصحبت أكثر من ميزانية الجيش الإيراني الذي خصص له ١٢.١ في المئة من الميزانية العسكرية في إيران وهذا مؤشر يشير إلى قلق الحكومة الإيرانية من اشتداد الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في السنة الحالية والمقبلة. أما بالنسبة إلى قوات الحرس الثوري صاحبة الحصة الكبرى في الميزانية العسكرية الإيرانية فقد حصلت على نسبة ٣٣ في المئة من الميزانية العسكرية أي ما يعادل ٦.٤ مليار دولار وذلك لمدى أهمية قوات الحرس الثوري الإيراني في عمليات القمع الداخلي وتصدير الإرهاب الخارجي. وعلى الرغم من هذه الإحصاءات كلها نعود ونشدد على موضوع الإبهام الذي دائماً ما يلف التكلفة العسكرية الإيرانية وأكبر دليل على هذا هو إخفاء ميزانيات كل من قوات فيلق القدس والميزانية الصاروخية عام ٢٠١٨. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى