fbpx

 الاسلاميون السوريون والقوى السياسية الأخرى: الإخوان المسلمون نموذجاً

الكاتب: محمد سيد رصاص ليست جماعة الإخوان المسلمين في سورية قبل يوم 8 آذار 1963 هي نفسها في فترة ما بعد هذا اليوم . يمكن الإستدلال على ذلك من خلال الشيخ مصطفى السباعي المراقب العام للجماعة في فترة 1946-1964. كان الشيخ السباعي مرناً ومنفتحاً على القوى السياسية الأخرى ، ويقبل بالحلول الوسط ، مثل اقتراحه التخلي عن الصيغة التي كانت بمشروع دستور1950: “الاسلام دين الدولة” واستبدالها بنص يقول: “دين رئيس الدولة الإسلام..والشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع” ، تجنباً أزمة وطنية عامة بعد أن احتجت الطوائف المسيحية ،ومعها اليساريون،على تلك الصيغة المقترحة. رغم الدم والسجون التي كانت بين عبدالناصر و (الاخوان المسلمون في مصر) منذ عام1954فإن السباعي أيد الوحدة المصرية – السورية وقام بحل التنظيم السوري للجماعة التزاماً بحل الأحزاب الذي اشترطه عبدالناصر لقيام الوحدة عام 1958. لم يؤيد السباعي،ولاالقائم بأعمال المراقب العام للجماعة عصام العطار في فترة مرض الشيخ السباعي ، حكم الانفصال منذ يوم 28 أيلول 1961 ، وهذا لم يمنع الجماعة من الاشتراك في انتخابات البرلمان بعد شهرين من الانفصال حيث فازت بعشرة مقاعد. كان السباعي أقرب لنموذج السياسيين الذين يؤمنون بالعملية الانتخابية لتحديد تمثيلية الأحزاب والقوى السياسية ، ولا يؤمن بالنظرية الطليعية ،التي ولدت مع كتاب لينين:” ما العمل؟ “عام 1902،التي من رحمها في القرن العشرين ولدت النزعات الثورية والانقلابية ، التي كلها تقوم على رؤيا ودور “طليعة ” تصدر “الوعي الثوري” إلى طبقتها الاجتماعية، التي لا تستطيع ” لوحدها ” أن تصل لأكثر من ” الوعي العفوي “، حتى تنضج لحظة الثورة .لم يقتصر تأثير نظرية (الطليعة) اللينينية على الشيوعيين بل امتدت للبعثيين والناصريين وإلى سيد قطب في كتاب “معالم في الطريق”الذي حمله مؤلفه ونشره بعد خروجه من السجن عام 1964. ظهرت تأثيرات قطب في التنظيم الإخواني المصري عام 1965 الذي حاول اغتيال عبدالناصر والقيام بحركة تمرد مسلح على النظام القائم ، إلا أن هذه التأثيرات كانت أبكر في سورية مع طالب كلية الزراعة الآتي من مصر مروان حديد الذي قاد “عصيان حماة”في نيسان 1964.عند مروان حديد اجتمعت “الطليعة” كمصطلح مع ” الحراك المسلح ضد السلطة القائمة ” مع مفهوم ” التكفير ” . صحيح أن مروان حديد قد اضطر للانشقاق عن التنظيم العام لجماعة الإخوان المسلمين المعترف به من قيادة التنظيم الدولي للجماعة في القاهرة أوائل 1975 وتأسيس ” تنظيم الطليعة المقاتلة ” إلا أن من سيطروا على (التنظيم العام) ، وأولهم المراقب العام عدنان سعد الدين ، لم يكونوا بعيدين عن أفكار مروان حديد وإن اختلفوا معه في مواقيت التحرك وتكتيكاته.في أواسط السبعينيات كان عصام العطار،الذي أيد حركة 16 تشرين ثاني1970،في وضع معزول أمام عدنان سعد الدين ومروان حديد.صحيح أن “تنظيم الطليعة المقاتلة”الذي قام وتبنى مجزرة مدرسة المدفعية بحلب يوم 16 حزيران 1979 كان منفصلاً عن “التنظيم العام”من الناحية التنظيمية إلا أن الأخير كان في اجتماع (مجلس الشورى ) في نيسان 1979 قد اتخذ قراراً ب ” التعبئة والمواجهة ” رداً على اعتقالات شباط 1979. التنظيمان:أي”الطليعة”و”التنظيم العام” أطلقا على الأحداث السورية حزيران 1979- شباط 1982 ما أسماه ب ” الثورة الاسلامية “.الفرق بينهما أن “التنظيم العام” لم يمانع بشهر شباط 1980 في مساعي الوساطة والتهدئة التي قام بها القيادي الإخواني السابق أمين يكن الذي أثمرت مساعيه مع القصر الجمهوري عن إطلاق سراح مايقرب من خمسمائة سجين من كوادر وقيادات الجماعة الذين تم الافراج عنهم من سجن كفر سوسة بحضور شخصي من أمين يكن . لم يكن ” تنظيم الطليعة “، بقيادة عبدالستار الزعيم الذي خلف حديد بعد وفاته في إضراب عن الطعام بشهر آب1976ثم تولى بعد مقتله في أيلول 1979 القيادة كل من هشام جنباز وعمر جواد وعدنان عقلة، موافقاً على التهدئة أو الدخول في مفاوضات مع السلطة السورية. كانت “الطليعية”مترادفة مع (السلاح) و ( اللاتفاوض ) وعدم الاقتراب من القوى السياسية الأخرى،وهو ما لوحظ في نشرة”النصر”التي أصدر عددها الأول ” تنظيم الطليعة “في صيف1980حيث تمت مهاجمة صريحة ل(التجمع الوطني الديمقراطي)الذي ضم خمسة أحزاب وحركات يسارية معارضة :الحزب الشيوعي(المكتب السياسي)- حزب الاتحاد الإشتراكي العربي- حركة الاشتراكيين العرب- حزب العمال الثوري العربي- حركة 23 شباط ، لما اتهمت نشرة”النصر” اليساريين ب” محاولة سرقة الثورة “وداعية إياهم ” للعودة إلى جحورهم ” . في كانون أول1980تمت عملية الاندماج في تنظيم واحد بين” الطليعة المقاتلة “و” التنظيم العام “و” تنظيم الطلائع الاسلامية ” التي كان يقودها منفصلاً منذ عام 1970 عصام العطار. في 11 آذار 1982 أعلن عن قيام ” التحالف الوطني لتحرير سورية ” بعد أسبوعين من إنتصار السلطة على(الإخوان المسلمين) في المواجهات العسكرية في مدينة حماة. ضم هذا التحالف(الإخوان المسلمون) و(بعث العراق) و(الاتحاد الإشتراكي) بقيادة محمد الجراح . يمكن تفسير هذا التحالف بالمظلة التي أعطاها صدام حسين للإخوان المسلمين في مجابهتهم مع السلطة السورية،ولكن يمكن القول بأنه ولد أساساً من تفكير القيادات الإخوانية :المراقب العام حسن الهويدي(من تنظيم العطار)ونائبه عدنان سعدالدين من أن هزيمة حماة تتطلب كتعويض البحث عن تحالف سياسي مع القوى السياسية الأخرى كوسيلة لإعطاء (الإخوان)ترياقاً ضد سم الهزيمة.لم يكن عدنان عقلة،وهو المنحدر من “تنظيم الطليعة المقاتلة”،في هذا التفكير حيث أعلن بسبب قيام هذا التحالف الانشقاق و” المفاصلة “مع جماعة الإخوان المسلمين ومعيداً تأسيس ” تنظيم الطليعة ” . في عامي 1984و1987دخل (الإخوان المسلمون) في مفاوضات مع السلطة السورية ، وفي التسعينيات جرت مفاوضات غير مباشرة بينهما عبر وساطة حركة حماس و(حزب الرفاه الاسلامي)التركي بزعامة نجم الدين أربكان. كانت مطالب الجماعة منخفضة السقوف:الإفراج عن السجناء،عودة المنفيين، والقبول بتغيير اسم التنظيم لاسم آخر يشتغلون تحته،فيما أصرت السلطة على العودة الفردية وعلى رفض أي تنظيم يشكل استمراراً ل(الاخوان المسلمون)،وهو ما أفشل مساعي مماثلة بذلها أردوغان بين عامي 2004 و2010. مع العهد السوري الجديد مع وفاة الرئيس حافظ الأسد في يوم 10 حزيران 2000 انتهج (الإخوان المسلمون)نهجاً جديداً:اعتدال في الموقف من الرئيس السوري الجديد ، وتغيير أفكارهم كما في وثيقة”ميثاق الشرف الوطني”التي أصدرتها الجماعة في أيار 2001 باتجاه تبني(الديمقراطية) والدولة المدنية)،كما قاموا بالانفتاح على القوى السياسية والشخصيات المعارضة حيث قاموا بتنظيم مؤتمر لندن للمعارضين السوريين في آب 2002 الذي ضم طيفاً اسلامياً- ليبرالياً- عروبياً- ماركسياً.كان واضحاً أن الضعف التنظيمي والرغبة في إثبات الموجودة وفي تقديم قميص جديد، وفي العودة من المنفى بعد الدم والسجون ، قد أقنعت غالبية (الاخوان المسلمون)بالسير خلف السياسة الجديدة للجماعة التي انتهجها علي البيانوني.عندما شعر(الإخوان المسلمون)بضعف السلطة السورية إثر (14 آذار)اللبناني قاموا في بيان 3 نيسان 2005 لمجلس شورى الجماعة بالعودة إلى سياسة التشدد ضد السلطة وصولاً حتى انخراطهم مع ليبراليين جدد ومع قوى عربية وكردية في “إعلان دمشق”في 16 تشرين أول2005في مراهنة على تغيير بدمشق تمت المراهنة على حدوثه على وقع الأزمة الأميركية- السورية . رغم أن “إعلان دمشق” كان أول دخول للجماعة في تحالف سوري عريض إلاأن البيانوني قد قام من وراء ظهر حلفائه الجدد بمفاوضات سرية في شباط 2006 مع نائب الرئيس السوري المنشق عبدالحليم خدام بناء على قراءات منه بأن هناك ميل أميركي- فرنسي نحو قلب الأوضاع في دمشق حيث أنتجت تلك المفاوضات ماسمي ب”جبهة الخلاص”في حزيران 2006. خرج البيانوني من تحالفه مع خدام بخفي حنين لذلك سارع في عام 2009 بالخروج وأعلن “تجميد النشاط المعارض للجماعة”وفاتحاً صفحة تهدئة مع دمشق . في 3 2010 انتخب مجلس شورى الجماعة قيادة جديدة من حمويين كانا من الذين دخلوا مع ” تنظيم الطليعة ” في اندماج كانون أول 1980 مع ” التنظيم العام “و” تنظيم الطلائع الاسلامية ” ، ولم يخرجا مع عدنان عقلة عام1982: رياض الشقفة مراقباً عاماً للجماعة ، ونائباً له فاروق طيفور. مع انفجار الأزمة السورية انتهج هؤلاء ،في ظل دعم أميركي- تركي- قطري للجماعة، سياسة استخدام التنظيمات الليبرالية – العلمانية واجهة لجسم تحالفي يتحكم بمفاصله (الإخوان المسلمون) من وراء الستار.ظهر هذا بوضوح في “المجلس الوطني”وفي “الائتلاف”. في الوقت نفسه كان(الاخوان المسلمون)منذ خريف 2011هم دينامو الحراك المسلح المعارض ولكن من وراء الستار بخلاف قيادتهم العلنية للعمل المسلح في أحداث 1979-1982. في مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية 2-3 تموز 2012 وكان فاروق طيفور هو الطرف الرئيسي الذي منع تبني البيان الختامي للمؤتمر لبيان جنيف1الذي صدر قبل ثلاثة أيام وفيه تبني دولي لسياسة التسوية السياسية السلمية للأزمة السورية . مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى