fbpx

العواقب الأمنيّة للفقر والتمييز في منطقة سيستان وبلوشستان في إيران

الكاتب: ضياء قدور فشلت قوَّات الحرس الثوري الإيراني، وقوَّات البسيج، وحرس الحدود، والقوَّات الأمنيّة والاستخباراتيّة الإيرانيّة “فشلاً ذريعاً” في إقامة حالة أمن واستقرار دائمة في منطقة “سيستان وبلوشستان”، ثم إنَّ موضوع اختطاف عدد من العسكريين بمن فيهم عنصرين تابعين لاستخبارات الحرس الثوري من قبل جيش العدل في منطقة “ميرجافه” الحدوديّة في ١٦ أكتوبر/ تشرين الأول 2018 ما هو إلَّا “تبيان واضح لهذه الحقيقة”. بعد اختطافِ ١٦ عنصراً تابعين لقوَّات حرس الحدود في منطقة “ميرجافه” الحدوديّة التي حصلت قبل حوالى ١١ سنة، على يدِ مجموعة تُسمَّى (جند الله) التي يُعتبر جيش العدل خليفةً لها، بدأت قوَّات الحرس الثوري بتنفيذ مُخطّط (البسيج المحلّي)، إذ عمدت من خلاله على الاعتماد على الأهالي المحلّيين في المنطقة، والمرتبطين بقوَّات الحرس الثوري، وذلك من أجل إعمال مُخطّطاتها الأمنيّة في مواجهة مجموعات مثل (جيش العدل)، وكان أحد الدوافع الأساسيّة لالتحاق طبقات المجتمع المسحوقة بمخطط (البسيج العشائري أو المحلّي) هو “الفقر المدقع”، في منطقة سيستان وبلوشستان. من جهة أخرى، استفادت مجموعات أخرى مثل (جيش العدل) من موضوع الفقر والتمييز في هذه المناطق، من أجل جذب مزيد من العناصر والقوَّات لجانبها، وفي النتيجة استخدم الطرفان كلاهما موضوع الفقر والتمييز من أجل المضي قُدماً في أهدافه بطرائق وأساليب مختلفةٍ. من ثم؛ فإنَّ “التمييز والفقر” كانا السببين الرئيسين لما يحدث الآن في هذه المنطقة، وكان لهما عواقب أمنية كثيرة في ما بعد. والجدير بالذكر، أنَّ سياسات التمييز المتبعة من قبل الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران كانت سبباً رئيساً في إفقار المنطقة إلى هذا الحدِّ الكبير، وهذه السياسة جرى انتقادها مرّات عدة من قبل وسائل الإعلام التابعة للجمهورية في إيران؛ ولكن “لا حياة لمن تنادي”. بدورها كتبت وكالة أنباء “تسنيم” المرتبطة بقوّات الحرس الثوري الإيراني، قبل مدّة في تقرير موثّق لها بعنوان “منطقة سيستان وبلوشستان حاملة الرقم القياسي في عدد المتخلفين عن التعليم”: جاء فيه: إنَّ التعداد المُتزايد للمتخلّفين عن التعليم يعود إلى العيوب العميقة والتاريخيّة والخطرة لمستويات المعيشة في مناطق مثل سيستان وبلوشستان، وسيكون له عواقب اجتماعيِّة واقتصاديِّة وثقافيِّة وأمنيِّة في بعضِ الأحيان. ويضيف هذا التقرير: أنَّ حوالى ٥٠ في المئة من الأطفال المتخلِّفين عن التعليم في كلِّ البلاد هم من منطقة سيستان وبلوشستان. وتأكيداً لذلك،ِ يقول “عليم يار محمدي” ممثل مدينة زاهدان في البرلمان الإيراني: إنَّ “جميع إحصاءات الأطفال المتخلِّفين عن التعليم في البلاد تتعلَّق بمنطقة بلوشستان”. في هذا الصدد، يُرسل عدد من العائلات الفقيرة أبناءهم إلى “المدارس الدينيّة” التابعة لأهل السّنة والجماعة الموجودة في منطقة بلوشستان وسيستان، غير المرتبطة بالمؤسسات الحكومية لسببين رئيسين:

  • السبب الأول: الفقر لأنَّ المدارس الدينيّة مجانيّة تماماً، وعائلاتهم ليست مضطرة إلى دفع أيّ تكاليف من أجل تسجيل أبنائهم فيها.
  • السبب الثاني: عدم وجود مدارس حكوميّة بسبب سياسات التمييز المتبعة من قبل إيران في هذه المناطق.

فيما لا يقتصر نقص الإمكانات والمرافق التعليميّة فقط على عدد من القرى في تلك المناطق، بل شمل مدن المنطقة أيضاً مثل مدينة “تشابهار” التي يعيش أكثر من نصف عدد سكانها في العشوائيات، وآلاف الأطفال فيها محرومون من التعليم. من جهتها، ادَّعت الجمهورية الإسلاميّة في إيران مرَّاتٍ عدةً أنَّ بعض خريجي هذه المدراس الدينيّة كانوا يلتحقون بجند الله سابقاً، وبجيش العدل حاليّاً. ومن بينهم (مولوي هاشم محمد زهي) الملقب بـ(ملا هاشم) الرجل الثاني في جيش العدل الذي قُتل قبل أسابيع عدة خلال اشتباكات جرت بين جيش العدل وقوَّات الحرس الثوري. تُشير هذه الاشتباكات المتكرّرة بين القوَّات الأمنيّة وجيش العدل في المناطق الحدوديّة بين إيران وباكستان بوضوح إلى “فشل السياسة الاستراتيجيَّة المتبعة من قبل قوّات الحرس الثوري”، والرامية إلى إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة. نقوم القوَّات الأمنيّة في إيران بإطلاق النار على السيَّارات التي تشتبه بأمرها في تهريب المحروقات، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من البلوشبين الأبرياء الذين أًجبروا على تهريب مادة المازوت من أجل تأمين لقمة عيشهم، وفُقدوا حياتهم على هذا الطريق. وتمتلك هذه القوَّات الحصانة الكاملة، ولا أحد يستطيع وضعها تحت المساءلة أبداً. من جانب آخر، كانت هناك زيادة في ميزانيّة قوَّات الحرس الثوري لعام ٢٠١٧؛ في حين انخفضت الميزانيّة التعليميّة في منطقة سيستان وبلوشستان. بينما عزا ممثل مدينة “سراوان”، وعضو لجنة التعليم والأبحاث في البرلمان الإيراني المشكلات التعليميّة في منطقة سيستان وبلوشستان، إلى نقص عمليَّات التجهيز والبناء، قائلاً: “جرى خفض الميزانيّة المخصّصة لتحسين وضع التعليم في تلك المناطق”. في حين، يقول نائب رئيس إدارة التطوير والدعم في وزارة التربية والتعليم: إنَّ الميزانيَّة المخصصة لتطوير التعليم في البلاد عام ٢٠١٨ “ازدادت بنسبة ١٠ في المئة عن العام الماضي ٢٠١٧”. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا انخفضت الميزانيّة التعليميّة في منطقة بلوشستان بشكل متعمّد على الرغم من ارتفاع الميزانيّة العسكريّة لقوَّات الحرس الثوري بنسبة ٤٢ في المئة عام ٢٠١٧، وأيضاً ارتفاع الميزانيَّة المخصّصة للتعليم في البلاد كلِّها؛ مع العلم أنَّ منطقة بلوشستان هي المنطقة الأكثر حرماناً في البلاد بالنسبة إلى عدد من مؤشراتِ التنميَّة البشريَّة والاقتصاديَّة، وبخاصّة التعليميَّة؛ فهي تمتلك أكثر من ١٢٠ ألف طفل مُتخلِّف عن التعليم. ووفقاً لتقرير وكالة أبناء البرلمان الإيراني؛ أعرب ممثل مدينة “خاش” في البرلمان عن قلقه من فقدان “العدالة التعليميَّة”، و”طريقة سير العمليَّة التعليميَّة” في بلوشستان. ويقول ممثل مدينة “ايرانشهر” في البرلمان الإيراني، ورئيس مُجمَّع ممثلي المحافظة: لقد ذكرنا وزراء التربيّة والتعليم المتعاقبين عشرات المرَّات حول موضوع منطقة بلوشستان، ولكن منظّمة التخطيط والميزانيَّة لم تُبدِ أيّ اهتمام حول ذلك. ثم إنَّ منظّمة تطوير المدارس وتحديثها وتجهيزها في إيران، لا تُراعي العدالة في توزيع الميزانيَّات أيضاً. لذلك؛ يُمكننا الاستنتاج بسهولة -من خلال شكاوي ممثلي منطقة بلوسشتان ومظالمهم في البرلمان الإيراني ومن خلال تقرير وكالة أنباء تسنيم- أنَّ مثل هذا النوع من التمييز يجري تطبيقه بصورة مُتعمّدة وبشكل هادف. وأيّ مصطلح آخر غير “التمييز المنهجي والمستهدف” لا يمكن أنْ يُسوّغ، عدم المساواة أو يُفسِّره في وصول أبناء البلوش إلى المرافق، والتجهيزات التعليميَّة، وفرص التعلُّم، كأقرانهم من أطفال الشعب الإيراني، وهذا الأمر سيكون له عواقب أمنيَّة كبيرة في مقبل الأيام. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى