fbpx

الساروت .. حس الشعب يسبق

جاوز مقتل عبد الباسط الساروت مجرد الحدث، الخبر، الواقعة، وبات يشكل إعادة نظر في الكثير مما قيل ولم يقل عن ثورة السوريين، اولئك الذين دفعوا أثماناً، قلّما دفعها شعب من الشعوب. عبد الباسط، لايمثل اديولوجيا، ولاحزباً ضيّقاً، ولا طائفة سورية أو قبيلة .. ببساطة، هو التعبير الاكثر وضوحاً وصراحة عن هاجس الحريّة، تلك الكلمة التي تعني فيما تعنيه إنجاز الإنسان لإنسانيته، ووقوفه مرفوع الكرامة. عبد الباسط، لاعب كرة، مغني، شاعر، وفتى يشبه السهم في انطلاقته، تلمس بعمر مبكّر فداحة الطغيان، وشهد كما جيله مصادرة الرأي، القرار، النشيد والصوت، فأعلى رأيه ونشيده وصوته، مثله مثل جيل كامل من الشباب، ورث شيخوخة الاستبداد الذي تجدّد ما بعد موت الأسد الأب، فكانت تعبيراته في الأسد الابن وهو الذي ينتمي فيزيولوجياً إلى جيل الشباب، فيما رضع كهولة السطوة من أبيه وقد كان من افجر مستبدي الشرق، واكثرهم استرسالاً وديمومة وإمعاناً في قهر الناس. يوم انطلقت التظاهرت الشبابية، كان عبد الباسط حارس المرمى، نعم كان كذلك، وكان محمولاً فوق أكتاف أقرانه منشداً عذباً، غنى لسوريا.. كل سوريا. نقولها .. كل سوريا. وحين اختطفت ثورة الشباب إلى السلاح، كان من ضحايا البيّاضة، شاهداً وجريحاً، ويوم أغرق النظام البلاد بالدم، كان لابد من السلاح، لا كخيار، وإنما كممر إجباري لحفظ الروح، والروح غالية. وما أن ابتدأت المشروعات تلتهم سوريا، واللعبة الدولية تمارس فجاجتها على الأرض السورية، حتى اتخذ قراره بمفرده.. نعم بمفرده ومجموعته، وكان على الفصائل أن تتنازعه.. أن تشتريه.. أن تحوّله إلى رهينة لعقائدها، وكل الدلائل تقول أنه بقي الصبي الطائر، الذي لم يتسعه قفص، حتى وإن ناور كي ينجو بشبابه من القتل. اليوم جنازته، وجنازته كانت وبكل القراءات، استعادة لليوم الأول من ثورة شباب سوريا.. بسلميتها، ونشيدها، وتطلعها للحرية واستقلال البلد. هو كما كل قادة الثورات من خارج العقائد والأجندات.. يحرّكه حس العدالة، وشرف الكلمة، وتكسير القيد وإذا كان لابد من استحضار نماذج لثوار تركوا للتاريخ درساً فسنجدهم في عبد الباسط.. وكأنه بات الفتى الذي جمعهم في شخصيتة: ـ العفوية / الشجاعة / بسالة الرأي والفكر ووضوح الهدف. الناس.. كل الناس لاتجمع على قائد لأنه نجم إعلامي.. لأنه ثري.. لأنه ابن قبيلة . الناس بحسها الفطري تختار قيادات ثوراتها بحدسها الذي لايخيب.. وسوريا اختارته، وسنعيد ما قاله أحمد فؤاد نجم: حد فيهم كان يصدق بعد جهل وبعد موت إن حس الشعب يسبق أي فكر و أي صوت؟ مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى