fbpx

فنادق الشريط الحدودي في إدلب قصص مختلفة ووظائف متعددة

-تتزايد اعداد الفنادق الصغيرة في مدن وبلدات الشريط الحدودي السوري التركي مشكلة ظاهرة اقتصادية، وخدمية، حيث توفر العديد من الخدمات، لكنها تواجه العديد من المشاكل والصعوبات فما هي أوضاع هذه الفنادق؟ وماهي الخدمات التي تقدمها لزبائنها؟ خصائص طبيعية: تمتلك العديد من مناطق الشمال السوري وخاصة في ريفي حلب وإدلب الكثير من المقومات السياحية التي جعلتها مقصدا للسياحة والاصطياف سابقا، كما أن موقعها على الشريط الحدودي السوري – التركي مكنها كمركز تجاري هام لتبادل السلع والبضائع وتنقل الأفراد بين طرفي الحدود، لذا فقد شهدت مدن مثل عزاز، منبج، الباب، عفرين، سرمدة، دركوش، سلقين وغيرها من المدن والبلدات الحدودية تحسنا نسبيا في الأوضاع الاقتصادية  لسنوات خلت  لكن ومع تغير الأوضاع وبعد اندلاع الانتفاضة السورية في 2011 فقدت تلك المناطق أهميتها السياحية وتحولت الى مراكز لتهريب البشر والبضائع بين سورية وتركيا ، وقد أدى ذلك إلى انخفاض مستوى المراكز الخدمية السياحية الموجودة فيها وخاصة في مناطق وبلدات مثل دركوش. هذه التغيرات انعكست على تلك المناطق وسكانها والمرافق الموجودة فيها ومنها الفنادق التي كانت تقدم خدماتها لزوار تلك المناطق. وفيما تختلف الإجراءات (العرفية) التي تسير مثل هذه المرافق الخدمية (الفنادق) في المناطق باختلاف السلطات المسيطرة عليها، إلا أن أوضاعها الاقتصادية والخدمية متشابهة بشكل عام. إذ لا يوجد في أغلب هذه المناطق قوانين ناظمة لعمل الفنادق أو معايير مرعية فيها رغم أنها لاتزال تشهد نشاط تجاري وبشري. استثمار ناجح:

  • “هناك أشياء لا تتغير مثل الموقع الجغرافي والتنوع الطبيعي، والأهمية التجارية، والنشاط البشري” يقول عبد الله بدران (41 عاماً) من دير الزور ومقيم في مدينة إدلب متحدثا لمرصد “مينا” عن فترة صعبة تمر بها سوريا بشكل عام بسبب تداعيات النزاع المستمر فيها، مؤكدا على استمرار حركة التجارة والاستثمار رغم كل شيء.

وبحسب عبد الله فقد حلت رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة محل الاستثمارات الضخمة التي ابتعدت عن ساحة الاستثمار في المرافق السياحية، خاصة أن الاستثمارات الفندقية تعتبر طويلة الأجل وتحتاج إلى فترات طويلة لرد رأس المال وجني الأرباح كما أنها تحتاج إلى مناخ اقتصادي مستقر، ومستوى خدمي وأمني معين وهذه المتطلبات غير متوفرة في الوقت الحالي لذا فقد اختفت الفنادق الفخمة والمتوسطة وحل محلها فنادق بتجهيزات عادية أو متوسطة لتلبية حاجات الزبائن.

  • حول عبد الله أحد المنازل التي استأجرها إلى (فندق شبابي) صغير يستضيف فيه المسافرين مشيرا أن مثل هذه الأماكن قادرة اليوم على تلبية طلب السوق وكافية لسد حاجته، مرجعا ذلك إلى أن تغير نوعية الزبائن وانخفاض حجم الطلب على الخدمات الفخمة، لكن العامل الأهم بحسب هذا الرجل هو غياب الحماية والأمن والاستقرار الذي أثر كثيراً على هذه المرافق رغم كونها تشكل استثمارا رابحاً. قائلا لمرصد “مينا”: “إن رأس المال جبان ومن المستحيل أن يخاطر بالاستثمار في سوق غير مضمون الربح ومعرض لشتى أنواع التهديدات من السلطات المسيطرة أو بسب مخاطر النزاع المستمر والقصف”.
  • في منطقة غير بعيدة عن إدلب هي بلدة سلقين التي تنتشر فيها عشرات الفنادق الصغيرة يتشارك أنس الخلف (28 عام) من دير الزور مع عدد من أبناء عمومته في استثمار أحد المباني العامة بعد استئجاره من جبهة النصرة وهي السلطة المسيطرة في مدينة سلقين – ريف ادلب، حيث اختار هؤلاء الشباب استثمار أموالهم في تقديم الخدمات الفندقية  قائلا لمرصد “مينا”: “كثرة المسافرين في هذه المناطق وسهولة العمل وعدم حاجته لكثير من الخبرة، ومحدودية الخسائر في حال وقوعها”، وبعد أكثر من عامين على عملهم يرون أنهم تمكنوا من تحقيق أرباح معقولة ساعدتهم على تأمين معيشتهم والادخار، حيث تقتصر مصروفاتهم على شراء كميات كافية من المياه يوميا وساعات محدودة من الكهرباء التي يستجرونها من (مولدة كهرباء) قريبة على مكان فندقهم، أما بقية المستلزمات الداخلية  مثل (الفرش، وأدوات المطبخ وغيرها فلم يتم تغييرها منذ بداية عملهم قبل عامين.
  • وقد باشر هؤلاء الشباب عملهم في هذا البناء المؤلف من طابقين والقريب من (دوار الساعة) الذي يعد مركز البلدة، بعد أن أجروا له الإصلاحات اللازمة، وقاموا بتجهيزه بشكل بسيط كما يشرح أنس قائلا: “كلفني تجهيز الفندق حوالي 500 ألف ليرة سورية شملت الإصلاحات والديكورات والأثاث، فضلا عن 500 ألف ليرة سورية أخرى يتم دفعها كإجار سنوي لجبهة النصرة بصفتها الجهة المسيطرة في المدينة، وهو مبلغ بسيط، مضيفاً أن إجار الغرفة فيه ما بين 3000 ليرة سورية و5000 ليرة سورية لليلة الواحدة بحسب عدد النزلاء ومساحة الغرفة.

وتشهد أسعار الخدمات الفندقية اختلافات كبيرة في هذه المناطق بحسب تجهيزات الفندق وضغط الزبائن، والخدمات المقدمة. صعوبات ومشاكل: يبرر عبد الله الأوضاع المتردية لما يطلق عليه (الصناعة الفندقية) بغياب رؤوس الأموال الضخمة عن هذا الاستثمار. مضيفا أن الظروف الأمنية، وغياب الخدمات الضرورية لإقامة فنادق مناسبة، فضلاً عن غياب مساعدة السلطة، واختلاف نوعية الزبائن بحسب اختلاف غرض وجودهم، حيث غابت النوعية رغم وجود الكم واختلفت المتطلبات وحجم الإنفاق، والمقصود بذلك هو أن الزوار بقصد السياحة أو التجارة من اصحاب الدخول المتوسطة والمرتفعة يختلفون عن عابري الطريق حيث أن أصحاب الدخول المنخفضة يميلون الى الخدمات الأرخص سعرا ولا يفضلون الخدمات النوعية الباهظة التكاليف ولا يميلون إلى الانفاق بسخاء لقاء خدمات تعد بالنسبة إليهم كمالية. هذه العوامل وغيرها أدت الى انخفاض الطلب على الخدمات الفندقية (المحترمة) أو ذات مستوى معين على حد تعبير عبد الله. ولذا فقد غابت الفنادق السياحية الكبرى وحضرت الفنادق ما دون المتوسطة وانتشر تأجير (الفرشة) أو السرير باليومية، التي تتناسب مع القدرة المالية للزبائن. وتعاني الكثير من الفنادق الموجودة في الشمال السوري اليوم من غياب العناية الضرورية والصيانة اللازمة في الأثاث والخدمات، كما تعاني من غياب النظافة والرقابة. – خدمات محدودة: محمد العلي 32 عام من ريف دير الزور، يتنقل بشكل مستمر بين ريف حلب وإدلب بسبب عمله مع إحدى المنظمات الخيرية في الشمال السوري، يصف أحوال الخدمات الفندقية في هذه المناطق بـ” المحزنة والمخزية”، منتقدا ما بات يدعى محليا بـ (الاستراحات أو السكنات الصغيرة) لأنها تقدم مستوى متدني من الخدمة وبأسعار مرتفعة كما يقول هذا الشاب لمرصد “مينا”: “الكثير من هذه الفنادق يعاني من غياب الراحة الأمان – ويرافقك فيه الشعور بالخوف من السطو والسرقات “موضحا أن بعضها يستغل حاجات العابرين لابتزازهم مستفيدا من غياب البدائل”. وبحسب محمد فإن الخدمات الفندقية باتت تقدم بالفرشة أو السرير والتي تصل أسعارها حتى 1000 ليرة سورية لليلة الواحدة، حيث تكتظ بعض الغرف بالنزلاء، وينخفض مستوى النظافة كما أن أغلب الفنادق تعاني من مشكلة عدم توفر الكهرباء سوى لساعات قليلة في اليوم. التشريعات الناظمة: ورغم غياب قوانين واضحة تنظم عمل هذه الفنادق باستثناء تصاريح محدودة تصدرها الجهات المسيطرة في مناطق وجودها إلا أنها ليست خالية من الرقابة بشكل كلي، ذلك أن أغلب هذه الفنادق تتعرض لتفتيش أحيانا من قبل السلطة المسيطرة، كما يتم إجبارها على إرسال قوائم دورية (أسبوعية أو شهرية) بأسماء النزلاء، كما يتم إلزام أصحاب هذه الفنادق على التبليغ عن أي نزيل يشتبه فيه، في حين تنقل بعض مصادر “مينا” عن وجود مخبرين للسلطات في كل فندق لمراقبة النزلاء. وهي بحسب عمر حسون (31 عاماً) من ريف حلب يعمل في أحد فنادق بلدة سرمدة في ريف إدلب “أمور ضرورية ضمن محاولات ضبط عمل هذه الفنادق والسيطرة على ما يجري فيها، وأيضا لمراقبة الأخلاق والمنكرات، مؤكدا الحاجة في مثل الظروف الراهنة وحالة عدم استقرار الأوضاع الأمنية إلى التشديد على الغرباء، مرجعاً غياب قوانين واضحة تحكم العمل الفندقي إلى عدم وجود القدرة حتى اليوم على إصدار تشريعات متكاملة لضبط مثل هذه المرافق والاستثمارات، ولعدم وجود القدرات الفنية الضرورية، والكادر البشري المختص والمؤهل. ويرى عمر: الوظائف الفندقية توسعت، وتعددت بحسب تطور الأوضاع في المنطقة، حيث أصبحت هذه الفنادق الصغيرة تساهم في أنشطة أخرى “كالتهريب” عبر الحدود وتقديم خدمات النقل بين المناطق، مشيراً إلى العديد من الفنادق التي تصف نفسها بشركات تسفير إلى جانب خدماتها الفندقية مبرراً ذلك بما فرضه الواقع من حاجات، ورغبة أصحاب الفنادق في زيادة أرباحهم. ويؤكد العديد من الناشطين في المنطقة لمرصد “مينا” أن هذه الفنادق الصغيرة لاتزال تقدم خدمات ضرورية للزبائن في هذه المناطق الهامة على خارطة التحرك البشري السوري، في ظل زيادة عدد السوريين الموجودين في مناطق الشمال السوري نتيجة نزوح أعداد كبيرة من السوريين إليها هربا من مناطق النظام أو نتيجة التهجير القسري والتهديدات والمضايقات التي يتعرضون لها في مناطق أخرى، لكنها (الفنادق) بحاجة إلى تطوير آليات عملها وتحسين نوعية خدماتها والتفاعل أكثر مع حركة السوق خاصة أن هذه المناطق تشهد تطور اقتصادي وتجاري ونشاط متزايد ما يجعلها مؤهلة للتطور والنمو خلال السنوات القادمة في ظل سيناريوهات انتهاء النزاع السوري والتسويات التي تصاغ للمنطقة وتراجع نفوذ الفصائل المتعددة لحساب سلطات قوية أكثر التزام بالقانون وأكثر تركيزاً على متطلبات التنمية والتطوير والاستقرار. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى