fbpx
أخر الأخبار

قبل المجاعة وخراب أوروبا

إذا لم تتوقف الحرب الروسية الأوكرانية، ما الذي سيحل باوروبا والعالم، هذا سؤال الذين ينظرون إلى الحرب من واقع ما تنتجه من كوارث دون تحميل المسؤولية لواحد من اطرافها، غير أن ثمة سؤال آخر:

ـ ماذا إن انتصرت روسيا في هذه الحرب وحققت أهدافها؟

هو السؤال المنحاز سلفًا للاوكرانيين، وهو سؤال ربما سيكون ألصق بصحيفة مثل “االغارديان”، وقد وصفت النظام الروسي بـ “المارق” قبل أنن تنبئ قرائها بالتداعيات التي تنتجها هذه الحرب على العالم وعلى المجموعة الاوربية على وجه الحصر.

في استخلاصاتها اعتبرت أن “انتصار روسيا في حربها على أوكرانيا سينذر بعصر جديد”، أما العصر الجديد فهو عصر  “يسوده عدم الاستقرار والتصدع الاقتصادي والمجاعات والاضطرابات الاجتماعية”.

ـ إذن لماذا لاتشتغل بريطانيا على سبيل المثال لا الحصر على إيقاف هذه الحرب عبر تسوية ما، تحول دون انتصار أي من طرفيها، والبحث عن صيغة لإنزال الدببة عن الشجرة؟

البريطانيون وسواهم يدركون بأن  من سيفوز بهذه الحرب سيكون الروس، حتى ولو كانت تكاليف فوزهم اللعب بالأسلحة النووية، ومع إداركهم هذا يشتغل بوريس جونسون على الدفع نحو “المزيد من الحرب”، وبالوسع الإصغاء اليه  وهو يدفع بالحرب لتكون بالغة الشدة أقله عبر تصريحات تشكك بامكانية أية تسوية مابين الاطراف المتقاتلة فالرجل يتساءل وبثقة : “أنا لا أدري حقًّا كيف يمكن للأوكرانيين الجلوس (إلى طاولة المفاوضات) بسهولة والتوصل إلى اتفاق ما… كيف يمكنك أن تتفاوض مع تمساح عندما تكون ساقك بين فكيه؟”.

كلام بوريس جنسون يعني فيما يعنيه أنه “طرف محارب”، فالدبلوماسية تقتضي بالحد الادنى من الشغل على المشتركات لايقاف حرب قد تودي بأوروبا إلى “المجاعة”، وكل من يتابع وقائع الحرب لابد ويدرك حجم التناقض المذهل بين موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وموقف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون؛ إذ أطلق غوتيريش مبادرة لوقف الحرب في أوكرانيا على نحو عاجل، وأعلن المتحدث باسمه عزمه على مناقشة خطوات عاجلة لإحلال السلام، وإجراء مباحثات شخصية فورية مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين في موسكو والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف.

التباين الصارخ في المواقف يشي بضعف التنسيق حول أنجع السبل للتعاطي مع الحرب، كما يسلط الضوء على مشكلة أوسع هي تباين بل تعارض المقاربات التي ينتهجها القادة الغربيون تجاه الأزمة والتي تحكمها أحيانا المصالح الذاتية، رغم تأكيدهم لوحدة هدفهم، وتنفرد بريطانيا بالحث على المزيد من الحرب وهو مالا تدفع اليه بقية مجموعة الدول الاوربية، فبالنسبة لبقية الأوربيين الملاحظ إن غضب دول المجموعة الذي أشعله غزو بوتين لأوكرانيا بدأ يتلاشى، شأنه شأن موجة التفاؤل التي أعقبت نجاح أوكرانيا في صدّ التقدم الروسي نحو كييف.

مع حملة موسكو العسكرية الضخمة والبطيئة في شرقي أوكرانيا، يتنامى الآن القلق من أن الصراع سيكون طويل الأمد وأن الأضرار الاقتصادية والبشرية الهائلة المترتبة عليه قد تكون دائمة وذات بعد عالمي.

بوريس جونسون في تعاطيه مع الأزمة لا ينظر إلى ما هو أبعد من اللحظة الراهنة، حيث صرح بأن المملكة المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) سيواصلان إستراتيجية فرض العقوبات على روسيا وتزويد كييف بالأسلحة ما يعني إطالة زمن الحرب، وعلى الرغم من أن جونسون يدعم حرية أوكرانيا واستقلالها، فإنه مثل غيره من قادة الحلف يفتقر إلى خطة مدروسة وطويلة الأمد لتحقيق ذلك.

والحال كذلك :

ـ ماذا سيحدث لو بدأت القوات الأوكرانية تخسر الحرب؟ ماذا لو انقسمت أوكرانيا أو شارفت على الانهيار؟

ثمة مستقبل قاتم ينتظر البشرية فقد خفض صندوق النقد الدولي بشكل كبير توقعاته للنمو بسبب الصراع، وتوقع تصدع الاقتصاد العالمي وزيادة الديون وحدوث اضطرابات اجتماعية. وهذه تداعيات الحرب بدأت بالظهور راهنًا منها:

ـ فرار 5 ملايين أوكراني من بلادهم منذ بداية الحرب، على نحو يفاقم أزمة اللاجئين في العالم.

ـ كارثة إنسانية تلوح في الأفق نتيجة للزيادة غير المسبوقة في أسعار المواد الغذائية التي تقدّر بنحو 37%، نظرا لانقطاع الإمدادات بسبب الحرب، تلك الزيادة ألقت بملايين من الناس في براثن الفقر، وتسبّبت في ارتفاع أعداد من يعانون من سوء التغذية، وفي خفض التمويل المخصص للتعليم والرعاية الصحية للشعوب الأقل ثراء.

أوكرانيا قد تخسر هذه الحرب على الرغم من بطولات شعبها وتضحياته، وبوتين قد ينتصر. وامام مثل هذه النتيجة المقروءة سلفًا فالعالم أمام واحد من خيارين:
ـ إما يدخل الحرب انتصرًا لاوكرانيا، وهذا يعني حربًا عالمية ثالثة لن تبقي ولن تذر.
ـ واما الاشتغال على الطاولة سعيًا لتسوية ما بين المتحاربين تنقذ ما تبقى من اوكرانيا ولا تدفع بالروس نحو المزيد من التهور والكل يعلم ان فلاديمير بوتين لاتنقصه الحماقة أبدًا.
بريطانيا اليوم، توقد نيران الحرب لتزيدها اشتعالاً.. ليس هذا حال فرنسا، ولا أي من دول المجموعة الاوربية.
أوروبا قد تذهب الى النكبة الكبرى، وليس ثمة من يوقف تداعياتها، وهانحن نسمع وزير الخارجية الروسي يكرر ماقاله رئيسه، وبالكثير من الجدية:
ـ لا تستبعدوا حربًا نووية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى