fbpx

السلمية بين مطرقة العلوية السياسية، وسندان "الجيش الحر"

نجح نظام الأسد وعلى مدى السنوات القليلة الماضية بإشراك عدد من مكونات الشعب السوري المتمايزة دينياً وعرقياً إلى جانب قواته في حربه على السوريين الذين طالبوا بالحرية واللافت في ذلك أن نظام الأسد ومن خلال دوائره الأمنية الضيقة، تمكن من إيقاع بعض الطوائف في شرك الحرب القائمة بسوريا، إما عن طريق الخداع وبث الشائعات والفتن وضرب المكونات ببعضها ليخرج هو بمظهر حامي الأقليات، أو بالإرغام العسكري غير المعلن من خلال القتل غير المباشر وافتعال حالات التوتر في بعض المناطق التي كانت مناوئة لحكمه لا سيما في مدينة السلمية شرق حماة، والتي كانت تغص بالمعارضين لحكم الأسد قبل العام 2011 والتي لاقت بالحراك السلمي في ذلك العام فرصة ثمينة للخروج على السلطة الحاكمة المستبدة، والسؤال: كيف نجح الأسد باحتلال مدينة السلمية واخضاع سكانها ووجهائها لسلطة مخابراته وما هي أبرز مكونات تلك المدينة؟ نبذة عن المدينة تعد مدينة السلمية تاريخياً موطن الطائفة الإسماعيلية في سوريا حيث تشكل هذه الطائفة 65% من سكان المدينة بينما تبلغ نسبة السنة نحو 25%، وشارك أبناء السلمية بقوة في الحراك السلمي للثورة. ويبلغ عدد سكان السلمية نحو 200 ألف نسمة إلا أن هذا الرقم تضاعف بعد أن عاد عدد كبير من أبناء المدينة إليها جراء المعارك التي اجتاحت محافظتي دمشق وحلب. كيف شاركت مدينة السلمية في الثورة؟ لم تتأخر مدينة السلمية في الخروج بالمظاهرات السلمية المنددة بنظام الحكم في سوريا لا سيما أن المدينة ذات الأكثرية الإسماعيلية كانت توصف بأم المعارضين، نظرا لحقدها على نظام الأسد الذي همش تلك الطائفة وفضل عليها الأقلية العلوية التي تسكن بعدد من أحياء المدينة، وفي تلك المدينة تجتمع الثقافة والعلم مع الفقر المدقع الذي أحاط بأفراد الطائفة الإسماعيلية، لا سيما أن لتلك المدينة سجل في المعتقلين السياسيين والذي اختفى بعضهم وبعضهم الآخر لازال مغيب في سجون الأسد ولعل أبرز تلك الشخصيات  علي عمر شمة وهمام ميوس، و رضا قاسم من أبناء الطائفة الإسماعيلية التي عانت ويلات المعيشة  وغياب الدعم الحكومي وعدم التمكن من الحصول على وظائف في مؤسسات الدولة بسبب وجود عائلات علوية في المدينة كانت لها الأفضلية في المشاريع العمومية والوظائف حتى على مستوى عامل التنظيفات. كل تلك التحديات أدت لحدوث الانفجار الأول في العام 2011 في المدينة التي كانت أولى بوادر المشاركة في الثورة بتاريخ 2532011 حيث تجمع أكثر من 300 شاب وفتاة في إحدى الساحات الرئيسية للبلدة وتنطلق الهتافات بالموت ولا المذلة، لتكون تلك المظاهرة نواة الانفجار الحقيقي للمدينة التي واجهها النظام بالصمت وعدم التعرض وفي تاريخ 54 من ذات العام خرجت مسيرة الشموع في المدينة بعدد تجاوز الـ 20000 شخص حيث كانت تلك الشموع رمزاً تعبيراً بحسب ما نشرته تنسيقية السلمية لأرواح الشهداء السوريين الذين قضوا وهم يهتفون للحرية كذلك الأمر لم يتعرض النظام لذلك الحراك وكتم غيظه الذي فجره في مواجهة المظاهرات التي تلت مظاهرة الشموع لما تصدرت من حيز في الصحافة والتلفزة العالمية حيث أمعن الأسد في قتل المتظاهرين في المدينة بعدد من المظاهرات الممتدة حتى الشهر السابع من ذات العام ليجتمع على أثرها في الشهر الثامن من 2011 المجلس الأعلى لعقلاء الطائفة الإسماعيلية والذي قرر المحافظة على سلمية التظاهرات. أعقب نظام الأسد ذلك الاجتماع بالخروج بمسيرة مؤيدة نفذها العشرات من العلويين القاطنين في المدينة وفي 10 82011 خرج آلاف المتظاهرين السلميين في المدينة ووزع بعظهم السكاكر على المتظاهرين الذين خرجوا ضد الأسد إلّا أن أجهزة الأمن اعتقلت كل من وزع سكاكر وحلوى على المتظاهرين وعذبتهم في أقبيتها. وبالرغم من تحوير الأسد لمنطق سلمية الثورة واستخدام النار ضد المتظاهرين في المدينة التي كشفت زيفه وخداعه بحماية الأقليات إلّا أن أهالي السلمية استمروا بالخروج بمظاهرات تضامن مع باقي المدن السورية لا سيما المظاهرة النسائية التي كانت فيها نساء السلمية يتشحن بالسواد حدادا على الشهداء من أطفال الحولة بريف حمص في الشهر الخامس من العام 2012 تبعها أيضا في يوم  21/6/2012 نفذ أهالي السلمية اعتصاماً ليلياً بالشموع، احتجاجاً على عدم تسليم السلطات الأمنية لجثة الشهيد ملهم أكرم رستم، ابن السلمية والذي استشهد إثر استهدافه من قبل حاجز قرية دير فول القريبة من مدينة الرستن بحمص ثم تم نقل جثمانه إلى المشفى العسكري بحمص، ليحتجز هناك قبل أن تسلمه السلطات في 23/6/2013 حين خرجت الآلاف في جنازة تشييعه.. فكأن السلمية كانت تحرص على أن تداوي جراحها من النظام بأرقى أشكال الثورة عليه.  أبرز المعارضين من مدينة السلمية: للسلمية تاريخ طويل في ولادة المعارضين لآل الأسد كما يقول الناشط شحود جدوع الذي يؤكد أنك حين تذكر السلمية فان أسماء عدد كبير من المعارضين المرتبطين فيها مثل ناجي الجرف الذي تم اغتياله بمدينة غازي عينتاب التركية، ولينا عطفة وثائر نصرة ومصطفى رستم وغيرهم الكثير من الذين قادوا مراحل الحراك السلمي والحقوقي ضد نظام الأسد ولعل أول مطلوب لأجهزة الأمن كان الناشط منصور نصرة الذي تم اغتياله عن طريق عبوة ناسفة في المدينة في تمز 2012. كيف استطاع نظام الأسد السيطرة على المدينة دأب الأسد منذ بداية الحراك في مدينة السلمية إلى إخضاعها بدون عنف عن طريق بث الشائعات من خلال أجهزته الأمنية بأن المسلمين السنة سوف يقتلون كل منتمي للطائفة الإسماعيلية تارة ومن خلال الترويج لفرص عمل تارة أخرى تطال جميع الشبان في المدينة بحسب الحقوقي أحمد الاسماعيل ابن ناحية عقيربات القريبة نوعا ما من السلمية حيث يتحدث الاسماعيل إلى أن أجهزة النظام حاولت إيقاع الفتنة بين أبناء الريف المسلمين السنة وأبناء المدينة الإسماعيلية، إلّا أنّ السلمية فتحت أبوابها للنازحين من الريف ومدتهم بمختلف أنواع المساعدات كما ساهمت تيارات من السلمية بإيصال التبرعات والمساعدات العينية من مناطق الشمال السوري إلى مناطق الحولة والرستن عبر طرق صحراوية. كل تلك التصرفات لم ترق لنظام الأسد بحسب الاسماعيل الذي نوه إلى أن نظام الأسد بدا يستخدم لغة الحديد والنار مع أبناء المدينة، ففي تاريخ 21/1/2013 في أحد مقار ما يسمى اللجان الشعبية حدث تفجير وسقط بنتيجته أكثر من 42 ضحية جلهم مدنيون وأكثر من مئة جريح وخسائر مادية للأبنية والمنشآت المحيطة. واللافت أن قوى إعلام النظام ومؤيديه وشبيحته سارعوا وفور وقوع التفجير باتهام جهات سلفية وجهادية محسوبة على الثورة وتوجيه النداءات لأبناء المدينة كي يغيروا من موقفهم منها. التفجير الآخر حصل في أحد معامل الدفاع في ريف حماة بتاريخ 6/2/2013 وحمل نفس الأسلوب في التفجير وفي الدعاية التي تلته الملفت للنظر في هذا التفجير أنه حدث في مقر شديد الحراسة تحيط به عدة حواجز والتفجير حدث بأحد الباصات التي تعودت دخول المعمل كما ظهر من الروايات الأولى، وبتوقيت خروج الباصات المليئة بالعمال أي في وقت الذروة والمقصود به إحداث أكبر عدد ممكن من الضحايا تحدثت عدة مصادر عن تأخر سيارات الإسعاف وحصول عمليات قنص للمتواجدين في المعمل عند محاولته إسعاف المصابين راح ضحية هذا التفجير أكثر من 320 قتيل من العمال المدنيين، ينتمون لعدة طوائف ومن عدة بلدات ومدن, منهم 103 من سلمية وريفها ومن كلا الجنسين من بينهم العديد من الناشطين الثوريين من مدينة السلمية ممن قدموا يد العون للاجئين واحتضنوهم. ويلفت الاسماعيل إلى أن نظام الأسد نجح بجر نسبة مقبولة من أبناء المدينة بصفوف قواته وميليشياته بعد الاغراء بالمال والرواتب والمقتنيات لا سيما أن 70% من الإسماعيليين يعانون من فقر مدقع. نظرة المعارضة للسلمية: كغيرها من الطوائف لم تتمكن المعارضة من كسب الود الكامل للاسماعيلين لاسيما بعد عدة هجومات طالت المدينة منذ بداية العام 2014 إما من جبهة النصرة أو تنظيم داعش الذي ارتكب عدة مجازر هناك، ولكن الملفت للنظر هو ما صرح به الضابط في الجيش السوري الحر رياض الاسعد بأن مدينة السلمية مدينة طائفية يتعامل فيها السكان بالسياسية البعثية القمعية حيث القوي يأكل الضعيف، ذلك التصريح سبب موجة من الانتقادات وابتعاد الكثير من شباب السلمية عن مبدأ الثورة التي كان الاسعد أحد رموزها في آب من العام   2012. وبالعودة للتفجيرات وعمليات الدهم التي كانت تنفذها النصرة وداعش ضد الاسماعيلين في السلمية منذ العام 2012 وما تلاه من بيانات إدانة للتفجير من بعض الجهات السياسية المعارضة والعسكرية، إلّا أن تبّني العمليات من قبل النصرة وداعش شكل إحراجاً للهيئات السياسية المعارضة التي شرعنت وجود «النصرة» فاضطر كل من «المجلس الوطني السوري» و«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» لإصدار بيانٍ تلفيقي لم يجرؤ على إدانة الجهة المنفذة بوضوح، وإنما اتهم النظام بافتعال الانفجار، لكنّ بيان «المجلس الوطني» كان أكثر تصالحاً مع كتلته الإخوانية فقد أسقط عن ضحايا المجزرة صفة «شُهداء» ووصفهم بـ «الضحايا»، كما قامت صفحة «أخبار الجيش الحر 24/24» باستفزاز طائفي عندما وصفت شهداء المجزرة بـ “الفطائس”. أبرز الميليشيات في السلمية ودورها في إنهاء الثورة في المدينة: لا تشكل العوائل العلوية في مدينة السلمية سوى 5% من نسبة السكان إلّا أن تلك النسبة وكالمعتاد في عموم البلاد كانت ممسكة بالمفاصل الأمنية والحياتية لسكان السلمية وتسيرهم بحسب مصلحة الأسد وترتكب الأعمال الإجرامية بهدف فرض حالة الرعب والاذلال لنظام الحكم ومن أبرز تلك الميليشيات فراس ومصيب سلامة العلويين، والمتزعمين للمخابرات الجوية بالإضافة للمدعو سمير الجربوع من خنيفس ومعظم العناصر في ذلك التشكيل من قوات النظام ذات الانتماء العلوي، فاضل وردة عضو مجلس شعب سابق متزعم ميليشيات الدفاع الوطني الذي يعتمد على بعض الإسماعيليين والكثير من العلويين من ناحيتي الصبورة والسعن، ومن الجدير ذكره أن فراس ورد متزعم فوج الزرازير المدعوم إيرانياً ذات النشاط الديني المخفي في المدينة، ويضاف اليه نورس المير ميرزا متزعم نسور الزوبعة ذات الأصول المسيحية حيث يشكل المسيحيين نسبة لا بأس بها من تلك الميليشيات لا سيما مسيحيي السقيلبية ومحردة، وتنتشر في ريف مدينة السلمية الكثير من الميليشيات المنضوية ضمن الدفاع الوطني في بلدات بري شرقي والمبعوجة وخنيفس والكافات وناحيتي الصبورة والسعن. لقد دعمت قوات النظام وأجهزته تلك الميليشيات التي يشكل فيها أبناء الريف العلوي 80% بشتى أنواع الدعم القتالي والمالي حيث أطبقت تلك الميليشيات منذ العام 2013 على المواطنين في المدينة ونشرت أعمال السلب والنهب من التجار وكبار المزارعين حتى أطبقت على كل جوانب الحياة واستطاعت بفضل الأسلوب الهمجي القضاء على كل من يفكر بنصرة الثورة السورية في وجه النظام الاستبدادي. الدور الإيراني في السلمية: حاولت إيران مراراً منذ العام ربيع العام 2013 أن تؤسس مركزا دعوياً باسم موسى الكاظم في المدينة إلّا أن مجلس أعيان الطائفة الإسماعيلية وجه إنذارًا شفهياً بحسب الناشط ثائر نصرة ابن مدينة السلمية لمحافظة حماة بكف يد إيران عن المنطقة ومشاريعها الدينية ومنذ ذلك الحين لم يلاحظ للإيرانيين أي دور في تلك المدينة وربما حرص الأسد على عدم ضياع اللقب بحامي الأقليات دفعه لإقناع الإيرانيين بالابتعاد عن الإسماعيليين في المدينة وتركيز النشاط في قرى وبلدات الصبورة والسعن حيث الطائفة العلوية.   مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى