fbpx
أخر الأخبار

كي لاتستكمل إيران هلالها الشيعي

ترك لبنان للريح، يعني تركه لملالي إيران، ما يعني تركه للعاصفة الإيرانية، هو الأمر كذلك، والموقف المتردد أو المقاطع، أو الصامت، سواء من مجموع دول الخليج وخصوصًا السعودية، بالإضافة للحياد الأمريكي، سيقود لاستكمال المشروع الإيراني عبر لبنان، فالبلد منهك ومديون، تحت وطأة سلاح “حزب الله” وفساد السلطات السياسية المتعاقبة عليه، لتكون شراكة السلاح والفساد طريقًا لإيران، ليس عبر باخرة نفط، بل عبر بسط اليد كل اليد على لبنان كل لبنان.

ـ ما الحل في هكذا حال؟

هل المطلوب من دول الخليج العربي، أو الإدارة الأمريكية مد اليد إلى سلطة فاسدة في جزء منها، ومرتهنة في جزئها الآخر لإنقاذ لبنان من إيران؟

سيكون الأمر في هكذا حال توطيد الفساد، ففاسدو الأمس مازالوا في مواقع السلطة والقرار، ولن تكون أية مساعدات مالية أو اقتصادية للبنان في منأى عن أياديهم التي لابد وستمتد بالفساد اليه.

وهكذا ثمة خيارين:

ـ إما ترك لبنان لإيران، وإما منح فاسديه المزيد من فرص الفساد.

هل من خيار ثالث؟

ليس أمرًا مفاجئًا القول أن القبضة الحديدية لـ “حزب الله”على السياسة والاقتصاد في لبنان قد تأخذ بالتراخي، والامر كذلك إذا قرأنا حقيقة بيئة حزب الله التي تعاني كما بقية اللبنانيين من وطأة الحرمان والفاقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى،  ليس عقلانيًا الإقلال من قيمة حركات المعارضة في الشارع اللبناني، الشارع المنهك، والذي يبحث عن ربيعه خارج ثنائية “فساد / حزب الله”، فلهذا الشارع خياراته التي تشتغل على قلب الصيغة كل الصيغة اللبنانية وهو الشغل المتمثل بشعار “كلن يعني كلن”، ولابد من النظر إلى حركة “رجال الأعمال” الذين اغرقوا في الصيغة الراهنة ولابد من انتشالهم ليكونوا في صف الناس، وهذا الحال وحسب قراءة لحنين غدار وقد توجهت بها إلى الإدارة الأمريكية تقول فيها أن حزب الله ” لم يعد يتمتع بالدعم الذي كان يحظى به من قَبِل في أوساط الشيعة. وعلى نحو خاص، يهتم العديد من رجال الأعمال بتأمين الوظائف أكثر من صراعات المقاومة التي يشنها الحزب”.

ستضيف غدار ” أمام إدارة بايدن حالياً فرصة للاستفادة من ضعف “حزب الله” ودعم البديل السياسي القابل للتطبيق لحكم الحزب الذي طالما كانت واشنطن تأمل فيه. ومن خلال التخلي عن تركيزها التقليدي على المؤسسات الفاشلة في لبنان، والاستثمار بدلاً من ذلك في قادة الأعمال والناشطين والشباب الذين يتنامى سخطهم إزاء حزب الله، يمكن للولايات المتحدة تمكين جيل جديد من الشيعة اللبنانيين الراغبين في التغيير فعلياً – وقد يكون لديهم أخيراً القدرة على القيام بذلك في النهاية.”

في التفاصيل تلفت غدار إلى  أنه “منذ قيامه، يصوّر حزب الله نفسه لأتباعه الشيعة على أنه الحامي والمعيل. وقد استند دعمه الشعبي على ثلاث ركائز: تقديم الخدمات الاجتماعية، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وصياغة هوية شيعية مشتركة. واليوم، تقلّصت شبكة الخدمات الاجتماعية لـ حزب الله  بسبب المشاكل المالية الناجمة جزئياً عن العقوبات الأمريكية. كما فقدت فكرة المقاومة قوتها منذ تدخل حزب الله في الحرب السورية لحماية بشار الأسد. ولم تعد الهوية الشيعية تربط الكثير من اللبنانيين بحزب الله بنفس القوة، حيث بدأ المجتمع يشعر بعزلة أكبر عن المنطقة.

في عام 2019، نزل اللبنانيون من كافة الطوائف إلى الشوارع احتجاجاً على الفساد والصعوبات الاقتصادية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت البدائل السياسية لـحزب الله في أوساط المجتمع الشيعي أكثر قوة. وبدأت مجموعات ناشئة في التعبير عن معارضة شديدة لـحزب الله، وتشمل شبكات الأعمال، والطلاب الذين شاركوا في الاحتجاجات (التي عارضها حزب الله، بالعنف الجسدي في بعض الحالات(، وناشطين أذكياء على مواقع التواصل الاجتماعي وأخصائيين من الشباب لا يتذكرون سنوات ما بعد الحرب الأهلية التي ساهمت في جلب حزب الله» إلى الساحة السياسية.. إن الاهتمامات الأساسية لهذه المجموعات هي اقتصادية واجتماعية وليست سياسية أو أيديولوجية”.

هذا الكلام تؤكده وقائع الشارع اللبناني بدءًا من حركة طلبة الجامعة الأمريكية وصولاً لتفرعات أزقة حارة حريك، ففي حارة حريك ينهار الاقتصاد الموازي لحزب الله،  فقد أدت العقوبات الأمريكية على إيران إلى شل تدفق الأموال من الجمهورية الإسلامية إلى حزب الله، كما أدى تدخل الحزب في العمليات العسكرية في المنطقة – وبشكل رئيسي في سوريا – إلى استنزاف خزائنه وقد أثر ذلك على قدرته على تقديم الخدمات الاجتماعية والمساعدات وتوفير فرص العمل غير العسكرية.

كما أن هناك بوادر خلاف بين حزب الله ومؤيديه التقليديين. فالحزب في صراع متزايد مع حركة “أمل”، ووفقاً لاستطلاع أُجري في وقت سابق من هذا العام، يحظى “التيار الوطني الحر”، الحليف المسيحي الرئيسي لحزب الله، بدعم 15 في المائة فقط من المسيحيين في لبنان، وضمن صفوف حزب الله نفسه، تؤدي الصعوبات المالية إلى توسيع الفجوة بين العناصر العسكرية وغير العسكرية، وما زال حزب الله يدفع لجنوده بالدولارات بينما يتقاضى الباقون مدفوعاتهم بالليرة اللبنانية التي فقدت نحو 90 بالمئة من قيمتها.

وفي ضوء هذا التراجع، تبرز مجموعات جديدة يمكن أن تكون حجر أساس في كسر هذه الحلقة المفرغة في لبنان،  فالشيعة، الذين يشكّلون أكثر من 30 في المئة من سكان لبنان، هم أهم قاعدة لبناء تحالف مناهض لـحزب الله» لأنهم يشكلون الجزء الأكبر من دعم الحزب. ومن المرجح أن تدعم المجموعات الأخرى في لبنان – ولا سيما السنة والمسيحيون والدروز – بديلاً شيعياً قوياً عن حزب الله، ويعزى ذلك جزئياً إلى أنهم يشاركون بشكل متزايد في الاستياء من السياسة المتزعزعة في البلاد.

مقابلات مع العديد من رجال الأعمال الشيعة في لبنان وأفريقيا والخليج أكدت أن رجال أعمال من الشيعة أعربوا عن استعدادهم للعمل مع المجتمع الدولي – وخارج مدار حزب الله لتوفير الوظائف والقروض لمواطنيهم اللبنانيين،  وهم يقدمون الدعم السياسي والمالي للناشطين وجماعات المجتمع المدني في البلدات والمدن الشيعية.

 إن دافعهم هو ترسيخ جذورهم في مجتمعاتهم، ولكن أيضاً لتجنيب أنفسهم العقوبات أو العزلة المالية عن طريق النأي بأنفسهم عن حزب الله [فعلى سبيل المثال]، قبل اغتياله في وقت سابق من هذا العام، كان الناشط السياسي الشيعي ورجل الفكر لقمان سليم منخرطاً بشكل وثيق مع هذه المجموعة غير الرسمية للمجتمع المدني وقادة الأعمال.

ويشير هذا الحماس إلى وجود مسار سياسي مختلف للبنان وفرصة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتغيير تركيزهما. فبدلاً من مواصلة العمل مع مؤسسات الدولة اللبنانية الضعيفة والفاسدة والخاضعة لسيطرة حزب الله، على الولايات المتحدة تحويل تركيزها بعيداً عن الاستثمار في هذه المجموعة غير الرسمية بل المؤثرة بشكل متزايد. وسيكون الهدف النهائي إنشاء منظمة مجتمع مدني أكثر تنظيماً تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وأوروبا والمؤسسات الدولية وتركز على خلق الفرص الاقتصادية وتمكين الأصوات السياسية الجديدة وتقديم بديل حقيقي لـ “حزب الله” للشيعة اللبنانيين المحبطين.

شجرة حزب الله المسمومة، لايمكن قطعها من الفروع، قطعها يأتي عبر قصقصة الجذور، والجذور ستكون في بيئة حزب الله وحاضنة حزب الله، واليوم، بيئة حزب الله باتت هشة، والجذور مكشوفة وبلا سقاية.

القطيعة مع لبنان، والفرجة عليه وعلى احتضاره، دون التدخل لانتشاله سواء من دول المجموعة الخليجية أو من الإدارة الأمريكية ، يعني فيما يعنيه تركه للفراغ، وفي حال الفراغ، فأكثر من يتقن لعبة إملاء الفراغات هم ملالي طهران الذين لابد وسيحاولون استعادة مافقدوه.

تلك خطيئة كبرى لدول الخليج العربي كما للإدارة الأمريكية.

ترك لبنان لايعني سوى تركه لإيران.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى