fbpx

الدستور السوري المقبل ودوره في التغيير الشامل

الكاتب: أحمد العبد الله الدستور الجديد في سوريا ليس محض كتابة نصوص، أو توافقات بين بعض الأطراف المحلية والإقليمية، وهو ليس معادلة روسية، تعني القبول الدولي بفكرة توسيع النفوذ الروسي على دولة ذات جغرافيا شرق أوسطية مهمة. فالدستور الجديد الذي يمكن اعتماده آلية صالحة للتغيير، هو نتاج عملية سياسية شاملة، ينتج منها البدء بإعادة إعمار سوريا، وهذه العملية التي تعني (البدء بالإعمار) لا يمكن لها أن تجري وفق المتغيرات الحالية، التي تروج لها روسيا، فمسألة الدستور والإعمار التي يريدها المجتمع الدولي، تعني باختصار (إعادة إنتاج سوريا بوصفها ـدولة يمكنها أن تكون جزءاً من نسيج المجتمع الدولي) وهو أمر ما يزال غير متاح، لا من ناحية النظام، ولا من ناحية المعارضة، وما تزال سوريا ساحة صراع غير مستقرة حتى إشعار آخر.

  • التوافق المحدود حول إدلب

نقطة البداية التي يبني عليها الروس آمالاً كثيرة هي مسألة التوافق الإقليمي حول وضع إدلب الخاص، بحيث يعتبر الروس أنهم نجحوا في صناعة توافق إقليمي ودولي لتجنيب إدلب الحرب، لأن الروس يعتبرون أن هذه العملية، تصلح وسيلة لإقناع المجتمع الدولي بقدرتهم على إدارة عملية سياسية شاملة في سوريا، تبدأ الفكرة الروسية بحصر المتشددين الإسلاميين في مربع محدود، ثم الانتقال نحو عملية سياسية يجري فيها صوغ شكلي للدستور، بحيث تصبح الحلول السياسية محض محاصصة سياسية محدودة، يجري من خلالها بقاء النظام كما هو. أما في ما يتعلق بمسألة إعادة البناء في سوريا، فنلاحظ أن الخطوة الروسية بدأت من الجانب غير الصحيح، فذهبت تحاول إقناع المجتمع الدولي، بضرورة القبول بفكرة إعادة اللاجئين، وهي فكرة لئيمة، تعمل على تحويل اللاجئين إلى مادة مساومة غير أخلاقية. فكرة إعادة اللاجئين تحديداً، إضافة إلى كونها تصب في مصلحة النظام عبر طرائق شتى، لكن الروس يريدون من خلالها إحداث شرخ في الموقف السياسي الأوروبي الموحد تجاه المسألة السورية، وذلك من خلال الترويج لفكرة (إعادة مليوني لاجئ من أوروبا)، وهم بهذه الشائعة التي يطلقونها إنما يريدون استمالة الحكومات والأحزاب اليمينية الأوروبية، نحو فكرة القبول بالحل الروسي، باعتباره قادراً على حل مشكلة اللجوء التي تتخوف منها أوروباً، وهذه الفكرة عملياً تصب في مصلحة الأحزاب اليمينية الأوروبية ومستقبلها، ويساهم في صعودها السياسي، تماماً كما ساهم المتطرفون الإسلاميون مثل داعش والنصرة وغيرهم في خدمة صعود اليمين الأوروبي خلال المدّة القريبة الماضية. هنا تحاول روسيا اليوم إتمام هذا الصعود لليمين الأوروبي ما يعني عملياً العبث الروسي بمستقبل وحدة القارة الأوروبية، تماماً كما (قيل إنها حاولت العبث في الانتخابات الأمريكية وغيرها) وإذا صحت هذه الرواية، فهذا يعني أن محافظة روسيا على نظام الأسد ليس لأجل النظام نفسه، ولكن لأن هذا النظام هو فردة الحذاء الوحيدة التي تتيح لروسيا أن تعود إلى صدارة المشهد السياسي الدولي. مهم جداً أن نفهم، أن التوافق الغربي مع الروس حول مسألة إدلب، كان لأسباب إنسانية أولاً، علاوة على بعض الأسباب الأمنية القاهرة التي برزت في هذا الاتفاق، لأنه وفي حالة قيام حرب شاملة ضد إدلب، فهذا يعني أن التنظيمات الإسلامية المتطرفة سوف تتسرب فردياً نحو القارة الأوروبية، لذلك إن بقاءها ضمن الجغرافيا السورية، سيتيح إمكان تفكيكها بأقل الأضرار على المجتمع السوري أولاً، وعلى المجتمع الدولي ثانياً. ما نعنيه بالضبط، أن ما جرى كله من اتفاقات حول إدلب، وكل ما سيحدث حولها لاحقاً هو ليس جزءاً من عملية سياسية شاملة، بمقدار ما هو جراحة ضرورية، تعني أولاً وأخيراً تفكيك الجسم المتطرف والغريب عن البيئة السورية. لذلك فالحل الروسي في جانبه السياسي هو محض توافق إقليمي مؤقت ومحدود، وهو ليس عملية سياسية تقبل بها أوروبا لإعادة الإعمار من جديد، فمسألة إعادة الإعمار لن تقوم بها روسيا ولا إيران، ولكن هي مسألة بالأساس تحتاج إلى مساهمة كبيرة من المجتمع الدولي، الذي من غير المعقول أن يدفع 450 مليار دولار من دون عملية سياسية واقعية.

  • المعارضة والدستور

توجه المعارضة نحو الحل السلمي هو أمر مهم في سوريا، لأن الثورة السورية أصلاً انطلقت سلمية، ومن كان يتخيل أن الحسم العسكري مع النظام هو أمر واقعي، فقد بات اليوم أكثر وعياً وإدراكاً لطبيعة لوحة الصراع الدائر في سوريا، لأن الملايين من المدنيين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام هم حصراً ليسوا معه، ولأن الطائفة العلوية التي دعمت النظام خلال الأزمة، باتت على معرفة أن النظام قادها نحو الهاوية. من ثم إن محض التفكير بالحل السياسي السلمي هو فعلاً يعني نهاية حتمية للنظام والصراع معاً، ولكن ذلك يتطلب من المعارضة إدارة اللعبة السياسية جيداً، بحيث تعمل على تبديل نفسها أولاً، ثم عليها الخروج بمشروع سياسي يكون مقبولاً لدى المجتمع الدولي. مشكلة المعارضة السورية هي وجود مليشيا إسلامية محلية الصنع، وأُخرى أجنبية أدخلتها أطراف عدة من بينها النظام نفسه، لذلك إن تفكيك هذه الظاهرة هو بمنزلة الورقة الأولى التي تتيح للمعارضة أن تقدم نفسها صاحبة مشروع، وأرى أن التفكيك السلمي لهذه الظاهرة أمر وارد، ثم يأتي لدينا دور التوافق الداخلي بين أطياف المعارضة السورية، للوصول إلى ورقة سياسية واحدة، وهذا يتطلب استقلال القرار السياسي لهذه الفصائل، وهذا أمر ممكن، إذا أدرك الجميع حجم المعاناة التي يعيشها المدنيون الذين كانوا شرارة الثورة، ولكنهم باتوا ضحاياها. هنا بالضبط على المعارضة أن تدرك أن دخولها إلى المجتمع الدولي يتطلب منها أن تكون صاحبة برنامج حقيقي يطرح مصلحة المدنيين أولاً فوق كل اعتبار، وما لم تصل المعارضة إلى هذه الخطوة، فإن الحلول الحقيقية التي تعني الدستور والإعمار سوف تبقى معطلة إلى أمد بعيد.

  • النظام والدستور

يرتكز النظام اليوم على وجود طوابير من المليشيا الطائفية، من إيران وأفغانستان والعراق إضافة إلى مليشيا حزب الله. ويضاف إلى ذلك بالطبع الوجود الإيراني الذي تُرجم من خلال بناء قواعد عسكرية إيرانية على الأرض السورية، وهذا يعني بالضبط، أن النظام غير مؤهل بالمطلق لعملية سياسية واقعية، وأن واقع التفاوض بين النظام والمعارضة في سوريا، لا يعني أكثر من التفاوض نفسه، ولعل المكسب الأوحد هو الهدنة العسكرية على الأرض. النظام بهذه الأرضية من المليشيا وبهذا العبث الإيراني لا يصلح أرضية لإعادة هيكلة سوريا، ولا يمكن أن يكون وكيلاً لإعادة الإعمار، وأما الدستور الجديد -ففي حالة كتابته- لن يغير من المعادلة شيئاً، لأن هذا النظام بهذه الشاكلة لن يقبل به المجتمع الدولي، ومن ثم سوف تستمر العزلة الدولية، ما يعني أن أطراف النظام ذاته، (مع استمرار الهدنة العسكرية على الأرض) سوف تجد نفسها في مواجهة داخلية، وهو ما سيتيح تأكل النظام من داخله. لذلك إن بقاء داعش من جانب، وبقاء المتطرفين الإسلاميين في أي مكان على الأرض السورية من جانب آخر، هي فقط حبال النجاة التي تُبقي هذا النظام واقفاً، وتمنعه من التأكل الداخلي.

  • خاتمة

إن طرح المعارضة معادلة سياسية جيدة، وقيامها بخطوات ميدانية صحيحة داخل مناطق سيطرتها سيؤدي تلقائياً إلى حالة التأكل للنظام من داخله، وسيدعم موقفها ويعيدها نحو إدارة دفة الصراع. مهم جداً أن يدرك الجميع، أن خطوات المعارضة إذا جرت بالشكل الصحيح، فهذا يعني أن ولادة دستور حقيقي والتوجه نحو الإعمار هي مسألة ممكنة. ثم ماذا لو أن مظلة عربية دولية كانت حاضرة على الأرض السورية على شاكلة قوات الردع العربية التي دخلت إلى لبنان عشية الحرب الأهلية؟ وإنها لمن الفوارق التاريخية، أن يجد السوريون أنفسهم بحاجة إلى قوات ردع عربية (بغطاء دولي حصراً) وسوف يكون ذلك نقطة محورية تنهي الوجود الإيراني، وتخنق الوجود الروسي ضمن الغطاء الدولي فقط، فهل تنجح المعارضة بشيء من هذا؟ مهم أن نتذكر أن (نيلسون مانديلا) نجح من سجنه في صناعة مشروع ألزم العالم كله على احترامه ونجح في تحرير شعبه. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى