fbpx

دفء لكفين باردتين جداً

لم يجرّب الحسن الشامي فرك يديه بحثاً عن اشتعال الدم، فلقد كانت دمشق تغص بسوائل المحروقات وتدفق الكهرباء في الأسلاك، فيمر الشتاء كطفلٍ أليفٍ وديع العينين. ولسبب ما اشتعلت الحرب، وغضب القادة والسادة، فذهبوا إلى رغبة ملء الجيوب، التي نزفت كلّ غنائمها القديمة كحطبٍ ضروري لبقاء اشتعال النار في الأجساد والبيوت وأرواح الناس. كان القادة والسادة يُحسّون بنشوةٍ تغزو أبدانهم، وهم يرون الحرائق وتفحم الأشياء. هم يولدون ألف مرةٍ في الدقيقة الواحدة من هذا الحريق الرهيب، فيرسمون على أوراقهم مدناً جديدة، ويلغون مدناً موجودة، وليس مهمّاً أن تتغيّر الأسماء والسحنات، بل المهم أن تتحول هذي الجموع إلى كتلة من هتافٍ ساخنٍ أصمّ. هتاف يصرخ بأن الوقت والماء والهواء ملك سيّدنا الكبير. سيدنا الذي يحرس بضراوة منقطعة النظير مفاتيح بيوتنا وخزائننا وعقولنا. لكنّ الحسن الشامي زاد من فرك يديه ببعضهما، فهو يتوق لدفء منسي منذ أعوام، وهو يفعل ذلك أكثر فأكثر في لياليه، ليُحسَّ بشيء من نشوة الخوف الأخير. لا يحُبُّ الحسن الشامي أن يُكثر من الأسئلة المريرة، كأن يسأل عن اختفاء المازوت والكاز والغاز وبعر الجمال، وهو لا يُحبُّ الثرثرة عن انقطاع تدفق الطاقة الكهربائية في أسلاك حيّه أو أحياء المدينة، وهو يكره معاتبة السماء التي زادت من شدّة بردها وأمطارها وغضبها، فهو دائم الإحساس بالغبطة المخيفة. الحسن الشامي لم يعوّد عينيه على النظر إلى أيّ صورةٍ أو رسمٍ أو جدارٍ أو لافتة، لأنه يخشى أن تجرح نظراته هذه الأشياء والصور الجليلة. لذا اعتاد الحسن الشامي على فرك يديه بيديه، وكان يهمس لنفسه دائماً كن قنوعاً ورضوخاً وجميلاً كي لا تقبّل جلدك السياط والأسلاك الكهربائية. ومنذ ذلك التاريخ المنسي يتذكر الحسن الشامي أن السوائل المشتعلة والطاقة الكهربائية مجرد أضغاث أحلامٍ يتخيّلها الناس . لذلك يفعل الحسن الشامي المستحيل ليقنع أبناءه وأقرباءه بأن فرك اليدين اختراع وطني جرّبه القادة والسادة، وهم أدرى خلق الله بمثل هذي الشؤون. لكن الحسن الثاني وبعد أن دخل إلى داره وتفقدها جيداً، وقف أمام مرآة كبيرة في الصالة وهتف بصوت يكاد أن يكون صراخاً مكتوماً أنا بردان أنا بردان ولعن الله كل من فعل بنا ما فعل. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى