fbpx

المؤلفة قلوبهم؛ في القرآن والموروث

الكاتب:عبد المنعم الشوماني في إطار الجهد لتنقيح بعض المفهومات من المغالطات التي دست فيها عبر قرون، والعودة لتشكيل واقع جديد لا مكان فيه للخرافة بل السمو فيه للقرآن، نستهدف في هذه الدراسة تفكيك ما ورد في كتب التراث حول مفهوم (المؤلفة قلوبهم) ومناقشة هذه التفسيرات وعرضها على القرآن الكريم لمعرفة صحتها من عدمها، وليس عرض القرآن عليها كما جرى وما يزال يجري. سوف نستخدم في هذه الورقة لغة سهلة قريبة من القارئ غير المتعمق في اللغة والفقه، ونتجنب الحشو والتكرار لتكون ملخصاً مفيداً يجلو الأبصار ويحقق الفائدة. وسنقسم الورقة إلى محورين اثنين نناقش ما ورد في كتب التراث، ونختم بالسياق القرآني، ومعنى المؤلفة قلوبهم كما تستخلصه القراءة المختلفة.

  • المحور الأول: المؤلفة قلوبهم في كتب التراث

زعم ابن قدامه في كتابه المغني (باب صدقه الغنم) ببقاء حكم إعطاء المؤلفة قلوبهم من أموال الزكاة ونسب القول بذلك إلى الحسن والزهري وأبي جعفر محمد بن علي وقال الشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. وابن قدامه إنما تعرض لحكم استمرار إعطاء المؤلفة قلوبهم أو وقف إعطائهم من دون التطرق إلى البحث في من هم المؤلفة قلوبهم، وهو بذلك ينهج نهج كتب التراث التي اعتبرت أن تعريف المؤلفة قلوبهم أمر مسلًم به. ونجد أيضاً ابن حجر العسقلاني قد تطرق إلى موضوع المؤلفة قلوبهم في كتابه (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) في باب (الوزير ورد الوزير أمر الأمير إذا رأى المصلحة في خلافه) الذي تطرق فيه إلى الأثر الوارد حول رد عمر بن الخطاب لكتاب منح بموجبه الخليفة أبو بكر الصديق أرضاً لعيينة بن حصن والأقرع بن حابس، وابن حجر لم يحقق في من هم المؤلفة قلوبهم، وإنما أورد اللفظ في سياق التسليم بمعناه. أما ابن أبي حاتم قد سلم في تفسيره المسمى بتفسير ابن أبي حاتم، بمعنى من هم المؤلفة قلوبهم الوارد في الحديث المروي عن سعيد الخدري الذي جاء فيه: (بَعَثَ علي ابن أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْيَمَنِ إلى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذهبية فِيهَا تُرْبَتُهَا فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاثَةَ الْعَامِرِيِّ وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ: أَيَقْسِمُ بَيْنَ صَنَادِيدِ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ»). وقد نسب ابن أبي حاتم إلى الزهري تفسيره لعبارة المؤلفة قلوبهم بأنها: تعني من أسلم من أهل الكتاب. كذلك الطبري في تفسيره لم يناقش القول في من هم المؤلفة قلوبهم وإنما أورد قولاً ليحيى بن أبي كثير حول عدد الذين تألفهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته. وقد ذكر ذلك أيضاً الكاساني في بدائع الصنائع، وقد عنون مسلم في صحيحه باباً بعنوان (إعطاء من يخاف على إيمانه). ولعل الشيء المشترك بين كتب التراث السني هو اعتمادها للتفسير الوارد في الأحاديث المروية حول قوله صلى الله عليه وسلم إني أعطي … وآتآلفهم.

  • المحور الثاني: المؤلفة قلوبهم في السياق القرآني

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (سورة التوبة:60). ويقول تعالى في سياق آخر وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (سورة الأنفال: 63). فلو كان ما ورد في كتب التراث من إعطاء بعض الناس أموالاً لتأليف قلوبهم للإيمان كما يزعمون صحيحاً كيف يخبر الله رسوله بأنه ألف بين قلوب أصحابه، (ولو أنك أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم). كيف يناقض القرآن فعل الرسول، أو كيف يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم، منهج القرآن. ثم أليس القرآن قد ذم النفاق وأنزل سورة تتحدث عنه عدا ذمه في سور أخرى عدة، أليس الإيمان لأجل المال نفاقاً أو البقاء في الإسلام لأجل المال نفاقاً، فهل يعقل أن يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم بفعل يدعو إلى النفاق. إن الجمع بين السياقين الواردين في القرآن الكريم والذين ذكرتهما أعلاه هو أن المؤلفة قلوبهم أناس ائتلفت قلوبهم لبعض من دون أي غرض ديني، وأن هذا التآلف قد كانت نتيجته مشقة دنيوية بسبب ضيق الحال، والأغلب أن المقصود بالمؤلفة قلوبهم هم (الأنصار المهاجرون)، الذين اقتسموا المال والدور حباً وإيماناً على الرغم من ضيق الحال، وهم الذين قال الله فيهم: لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وبعد أن نجحوا في الانصياع لله والإيثار على الرغم من المشقة أراد الله التخفيف عنهم ومنحهم سهماً في الزكاة. هذه قراءة خارج ما تعارف عليه المسلمون والله من وراء القصد مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى