fbpx

أقدم أسواق غزة طوله 70 متراً ومقتنياته تقدر بملايين الدولارات

غزة – خاص زقاق صغير بطول 70 متراً وعرض مترين ونصف يقع إلى الشرق من مدينة غزة سوق “القيسارية” أو سوق “الذهب” كما يشتهر بين الفلسطينيين والذي يضم على جنباته 64 محلاً صغيراً لبيع الذهب والاكسسوارات الثمينة، ويعود بناؤه حسب أرجح الروايات التاريخية إلى العصر الروماني عام 63 قبل الميلاد. السوق الذي يعد من أقدم الأماكن التاريخية في قطاع غزة، كان يستخدم كإسطبلات للخيول في قلعة الحاكم الروماني، ومن ثم استخدم لتخزين وبيع الحبوب، وبعد ذلك استخدم لصنع وبيع الأحذية، ومع نهاية العهد العثماني تحولت بعض محاله التجارية لبيع الذهب، وتوسع الأمر لتصل عدد محاله التجارية إلى أكثر من 60 محلاً تجارياً بعد احتلال إسرائيل لقطاع غزة عام 1967. المكان وعلى الرغم من صغر مساحته، إلا أن قيمته المادية كبيرة جداً ولا تعكس بالضرورة طبيعة الأوضاع التي تعيشها غزة على مدار السنوات الأخيرة، فأصحاب تلك المحال التجارية هم من العائلات الغنية في مدينة غزة، وقد تعاقب أبناء تلك العائلات على التجارة في ذلك السوق. مهنة تتوارثها الأجيال التاجر “سمير عياد” 74 عاماً، واحد من أكبر وأقدم التجار الذي عملوا في السوق منذ الطفولة، يقول لمرصد “مينا”: “منذ أن كان عمري 8 سنوات وأنا أعمل في هذه المهنة مع والدي الذي تعلمت على يديه صب وصياغة الذهب بمختلف أشكاله”. وأضاف: “الليرة الذهبية التي تغزو أسواق الذهب حول العالم هي في الأساس من صنع فلسطيني، فوالدي كان يقوم بتشكيلها وصك الرسومات عليها بطريقة يدوية، ناهيك عن تشكيله للعديد من القطع والأشكال الذهبية المعروفة منذ القدم كـ”المشخلع” و”الحبية”. وبين أن السياح الأجانب والعرب الذين كانوا يزورون قطاع غزة قبل فرض الحصار الإسرائيلي عام 2007، كان السوق واحد من أهم المحطات التي يقصدونها خلال زيارتهم، وذلك بسبب مكانته التاريخية كونه أقدم الأماكن الأثرية في غزة، بالإضافة إلى شراء بعض القطع الذهبية التي يتم صياغتها بطريقة يدوية. واستدرك: “إلا أن الحصار الإسرائيلي وتراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لسكان قطاع غزة، أصبح السوق شبه مهجور في غالبية أوقات العام ولا يوجد به سوى التجار وبعض المارة الذي يأتون للمشاهدة، ويشهد السوق بعض الازدهار الخجول في الصيف حيث تأتي الفتيات المقبلات على الزواج لشراء بعض المجوهرات”. ومن العادات الفلسطينية التي ظهرت بعد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، تشتري الفتيات المقبلات على الزواج بنصف مهرهن بعض القطع الذهبية كادخار لذلك المال، والنصف الآخر يذهب لشراء الملابس وبعض الاحتياجات اللازمة لحفل العرس، فيما كانت الفتيات يشترين في الماضي بثلث المهر ذهب والباقي يذهب للملابس ومتعلقات العرس التي تذهب مع انتهاء الحفل. محال أثرية باهظة الثمن من جانبه، قال الصائغ وائل حرب لمرصد “مينا”: “مهر الفتاة في هذه الأيام يتراوح بين 3000 إلى 4000 دينار أردني، تأتي العروس بنصفه أو أكثر قليلاً لشراء الذهب وهو ما يمنحها 60-80 جراماً من الذهب عيار 21 قيراط نتيجة الحصار ونتيجة غلاء الذهب على مستوى العالم، بينما كان ذلك المبلغ يمنحها في سنوات ما قبل الحصار وغلاء الذهب من 150-200 جرام. وكشف الصائغ حرب أن أصحاب المحال التجارية الصغيرة في السوق التاريخي والتي لا تتجاوز مساحة المحل الواحد المترين في مترين يبلغ سعره قرابة النصف مليون دولار، يجلسون في محالهم على الرغم من ركود السوق جراء امتلاكهم لتلك المحال بعكس بعض التجار خارج السوق والذين أغلقوا محالهم بسبب ركود السوق وعدم قدرتهم على دفع الآجار السنوي أو الترخيص. وبين أن أبسط التجار كان يبيع قبل سنوات الحصار الإسرائيلي بعشرات آلاف الدولارات في الشهر، وبعض كبار التجار كان يبيع بمئات آلاف الدولارات شهرياً، أما السنوات الثلاث الأخيرة فالبكاد يستطيع التاجر البيع ببضع آلاف من الدولارات في الشهر. ركود تجارة الذهب الأصلي أدى إلى ازدهار تجارة ما يطلق عليه الذهب “الصيني”، والذي تتراوح القطعة الواحدة منه من 30-40 دولاراً، وهو نوع من الإكسسوارات المصنوعة من خليط من المعادن التي تنتج في النهاية قطع معدنية تشبه الذهب في لمعانها، والناظر إليها يجد صعوبة في تمييزها عن الذهب الأصلي، واضطرت الكثير من الفتيات الغزيات لشرائه بسبب غلاء سعر الذهب الأصلي. أسوأ مراحل صناعة وتجارة الذهب أمين سر نقابة تجار ومصنعي الذهب في قطاع غزة إيهاب الشبراوي أكد لمرصد “مينا” أن تجارة الذهب في قطاع غزة تمر في أسوأ حالاتها بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة للسكان وعدم توفر سيولة نقدية بين أيديهم. وأوضح أن الركود العام في بيع الذهب أدى إلى تقليص عدد المصانع والورش التي تقوم بصناعة وتشكيل الذهب من 40 مصنعاً خلال السنوات الماضية إلى أقل من 10 مصانع في هذه الأيام، منوهاً إلى أن العديد من التجار أغلقوا محالهم التجارية جراء تراكم الديون عليهم. ولفت إلى أن المصانع الأربعين قبل سنوات الحصار كان تنتج أكثر من 130 كيلو جراماً من الذهب المشغول والمشكل شهرياً، منوهاً إلى أن احتياطي الذهب لدى المواطنين والتجار في قطاع غزة تهاوى من 30 طناً قبل عدة سنوات إلى 3 أطنان حالياً. وعلاوة على تراجع بيع الذهب، ساهمت إسرائيل بشكل واضح في تضرر تلك الصناعة عبر منعها إدخال أصناف من المواد الخام الأولية التي تدخل في صناعة وتشكيل الذهب إلى قطاع غزة، وذلك مثل مادة “النيتريك” بحجة أنها ذات استخدام مزدوج، ناهيك عن منعها إدخال آلات حديثة لصناعته وتشكيل الذهب، فآخر آلة مستوردة دخلت غزة عام 2006. ورغم سوء الأوضاع الاقتصادية وتراجع تجارة الذهب إلا أن سوق “القيسارية” أو سوق “الذهب” يبقى وجهة سياحية وتاريخية تحتفظ بها غزة على مدار آلاف السنوات، ويأمل الغزيون أن تعود الحيوية للسوق ولعجلة الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام بعد انهاء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة المستمر منذ 12 عاماً. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى