fbpx

أرقام مخيفة وتململ كبير .. ماذا يحدث في طرطوس؟

عند دخولك أول مرة إلى مدينة طرطوس في المدّة الأخيرة تستقبلك عند مدخلها صور قتلى أبناء المدينة، وقد تتجاوز عشرة آلاف صورة في مدخلها فقط، وعند تجولك في أحياء المدينة سترى انتشاراً كبيراً لصور القتلى وسترى عناصر سابقين في قوات النظام السوري منتشرين في الطرقات بين من يتسول ومن ينام في الطريق ومن يبيع اليانصيب، مع اختفاء كبير للرجال في المدينة من أعمار الشباب على الرغم من أن طرطوس من أكثر المدن السورية أماناً وبعداً عن الحرب السورية والدمار الذي خلفه النظام السوري.

  • التركيبة السكانية للسكان في طرطوس

تعد مدينة طرطوس المحافظة السورية الثانية عشرة من حيث عدد السكان بتعداد قدره (938,000) نسمة يشكلون ما نسبته 3.9% من إجمالي تعداد السوريين وتحوي أكثر من 400 بلدة أشهرها مدينة بانياس وصافيتا ودريكيش والشيخ بدر. ويبلغ عدد سكان محافظة طرطوس وفق إحصائية عام 2010 نحو 938 ألف نسمة، 472 منهم ذكور، و466 إناث. ويتوزع سكان محافظة طرطوس بنسبة 80% من العلويين و10% من السنة و9% من المسيحيين و1% من الإسماعيليين. ويشار إلى أن 90% من العلويين يعملون في إدارات الدولة والجيش. وأغلب سكان القرى يعملون في زراعة الحمضيات أو في مراكز الدولة موظفين أو ضباط شرطة أو عناصر أمن أو في الجيش، كانت المحافظة صندوق الإمداد الأكبر الداعم للنظام السوري ما أدى إلى تغييرات كبيرة في المدينة

  • أعداد القتلى في طرطوس

خلال الثورة السورية كانت مدينة طرطوس أكثر المدن السورية التي تقدم أبناءها من أجل حماية مصالح النظام السوري بسبب الارتباط الوثيق بين الطائفة العلوية والنظام السوري ولا يوجد حتى اليوم إحصائية دقيقة لأعداد القتلى او المفقودين بسبب التخبط الكبير لدى النظام السوري في إحصاءاته وعدم اهتمامه بأعداد القتلى أو المفقودين. وبحسب “دائرة الشهداء” في طرطوس في نيسان/ أبريل عام 2016 قُدِّر عدد القتلى بـ 7986، إضافة إلى 975 مفقودًا، و5450 جريحًا منذ عام 2011. وفي السنوات الأخيرة قتل أكثر من 3000 قتيل من مدينة طرطوس عدا عن آلاف الجرحى والمفقودين نتيجة معارك القلمون والبادية ودير الزور واللاذقية ودمشق وحلب وحمص خلال الدعم الروسي لنظام السوري لاستعادة السيطرة على الأراضي السورية المحررة. وعلى الرغم من الهدوء وسيطرة النظام السوري اليوم على أغلب المناطق السورية إلا أن أعداد القتلى في المدينة تزداد يوما بعد يوم بسبب اكتشاف قتلى سابقين أو عمليات متعددة في مدن التي عادت إلى سيطرة النظام السوري كدرعا ودمشق وبعض المناوشات قرب المناطق المحررة. ولن تجد معركة سواء للثوار أم للنظام السوري إلا وقد كان فيها عدد من أبناء مدينة طرطوس بسبب وجود أكثر من 100 ألف شخص تطوعوا في بداية الثورة السورية مع قوات النظام والميلشيات الرديفة له ضد الشعب السوري. أنشئ في 2013 مكتب أطلق عليه النظام «مكتب للشهداء» في كل محافظة لمساعدة العائلات. وتقول مديرة مكتب طرطوس منى إبراهيم، أرملة ضابط في الجيش قتل في 2011 في حمص، في تقرير للصفحات الموالية «استقبل يومياً نحو مئة أرملة ويتيم، وأحاول مساعدتهم عبر مخصصات من الدولة لهذا الغرض» المستشفى العسكري يشيع يومياً بين 3 إلى 10 قتلى من إلى القرى المحيطة بالمدينة.

  • القتلى في كل عائلة

لا يوجد اليوم في طرطوس عائلة سواء في المدينة أم الريف إلا وفي منزلها صورة لقتيل أو اثنين أو أكثر بحسب أعداد أبنائها المقتولين وربما تجد عائلة بأكملها قد قتلت في سبيل النظام السوري بسبب أعداد المتطوعات من النساء في صفوف الجيش حتى ما قبل الثورة السورية. وفي حديث لمينا يقول أبو جعفر -وهو أحد سائقي التاكسي في المدينة- في أثناء تجوالنا في المدينة -من دون معرفته بعملنا- لكن بسبب الإحباط الكبير بين الناس اصبح أبو جعفر يتكلم لجميع الركاب حول هموم المدينة “لا يوجد لدينا في المدينة منزل لا يحوي قتيلاً وحتى لم يبق في العائلات سوى الأطفال دون العشرة سنوات بسبب المعارك التي يخوضها الجيش منذ سنوات ضد “الإرهابيين” بحسب وصفه”. ويتابع أبو جعفر “أغلب العائلات في القرى والمدينة فقراء وليس لهم عمل سوى موظفين ورواتبهم منذ سنوات لا تكفي أصلا فنعمل سائقي تاكسي أو إنهم يتلقون الرشاوى. وبعد أن فتح النظام السوري باب التجنيد والتطوع في بداية “الأزمة” انضم كثيرون من أبناء المدينة طمعاً بالرواتب المغرية التي قدمت لهم إضافة إلى المغريات من السماح لهم بتجاوزات كبيرة للقانون وحتى السرقات التي كانوا يأتون بها من المناطق التي يسيطرون عليها “التعفيش” ما زاد أعداد المتطوعين زيادة كبيرة في السنوات الأولى وخلال السنوات القليلة الماضية بدأ النظام السوري بتعليم الطلاب القتال وحثهم عليه، وبسبب وجود كثير من العناصر في المدينة بدأ الشباب بتطوع من أجل المزايا التي قدمت في الفيلق الخامس بسبب رواتب الفصائل المسلّحة وشكل الخدمة فيها أفضل كثيراً من الجيش، فهناك من يفرّ من الجيش ويلتحق بتلك الفصائل التي يصل الراتب الشهري مع المهمات في بعضها إلى نحو 70 ألف ليرة، في حين متوسط راتب العسكري في جيش النظام 20 ألفاً، إضافة إلى أن ثقتهم أكبر بألّا خيانة في تلك الفصائل، وحقوقهم محفوظة أكثر”. وبحسب مصادر إعلامية فإن عدد الممتنعين عن الالتحاق بالجيش من أبناء طرطوس يتجاوز 20 ألف شاب، بسبب تطوع الشباب في الفصائل المسلحة الموالية إضافة إلى الخوف الكبير من الموت المحتم وهرب أغلب الشباب المتعلمين إلى خارج سوريا بعد مقتل أعداد كبيرة من أقربائهم.

  • الأوضاع المعيشية لسكان طرطوس

تعدّ أغلب قرى طرطوس فقيرة بسبب عدم وجود مساحات زراعية كبيرة وكان كثير من الأهالي يعتمدون على المنشآت الكبيرة التي توقفت مع الثورة السورية. ومع فقدان كثير من الأهالي لأبنائهم قتلى مع النظام السوري بقي كثير من الأهالي من دون معيل وحتى من دون أي اهتمام من النظام السوري بعائلات القتلى من ميلشياته حتى وصل الأمر بكثير من الأهالي إلى الانتحار هرباً من الفقر الكبير الذي وصلوا إليه. خديجة طرطوسي إحدى السيدات التي تعيش في مدينة طرطوس وتعمل في أحد محال بيع الألبسة في سوق طرطوس تقول لمينا “الوضع المعيشي للأهالي في مدينة طرطوس أصبح سيئا للغاية بسبب فقدان الأهالي أبناءهم ومن ثم فقدهم مدخول أبنائهم المالي الذي كان يقدم لهم نتيجة قتالهم في صفوف الجيش والميلشيات الرديفة ومع موت أبنائهم تعطى العائلات علب عدة من المعلبات ومن ثم يتركون للموت البطيء بسبب الفقر”. وتتابع طرطوسي “في المحل الذي أعمل فيه ربما يدخل زبون في اليوم أو حتى في اليومين ليشتري أشياء بسيطة فقط لسد احتياجاته بسبب عدم توافر المال وكثير من المحال في السوق قد أوقفت عاملات كثيرات لديها وطردتهم بسبب عدم وجود مردود مالي للمحال التجارية، ما أفقد كثيراً من العائلات وظائفهم وأيضاً الموظفات في دوائر الدولة يعملون ليلاً نهاراً ولا يكفي راتبها إيجار المنزل أو سد مصروف 3 أو 4 أيام في أقصى حد”. وتضيف طرطوسي “قبل أيام حاولت إحدى السيدات البالغة من العمر 26 عاماً وهي أم لطفلين الانتحار برمي نفسها من أحد المباني قرب كورنيش طرطوس لكن تمكنت القوات الأمنية من إيقافها بعد تعهد محافظ طرطوس بعمل لمساعدتها ومساعدة زوجها الذي ادعت أنه اعتقل “ظلما” قبل شهر ولم يبق لها معيل ولا يوجد لديها عمل لتتمكن من العيش مع طفلين وخصوصاً بعد طردها من المنزل الذي كانت تستأجره بسبب عدم تسديد الأقساط. وبسبب الأعداد الكبيرة للسكان في طرطوس في إثر النزوح الكبير للسكان القادمين من مناطق القصف إلى المدينة بسبب بعدها عن الاشتباكات ما أدى إلى تضخم كبير في السكان وفقدان فرص العمل والغلاء الكبير في المدينة”. ومن الناحية الطبية بحسب إحصاءات الحكومة السورية يوجد طبيب واحد فقط لكل 500 شخص نتيجة فقدان الأطباء لأسباب عدة منها الهجرة خارج سوريا وأيضاً عدم تخرج الشباب من الجامعات والرسوب في السنوات الدراسية خوفاً من الالتحاق بالخدمة الإلزامية، على الرغم من قلة عدد الشباب في الجامعات وقد بلغت نسبتهم أقل من 15% فقط من الطلاب الأمر الذي أدى إلى رفع أجرة المعاينة لدى الأطباء.

  • النساء تدخل سوق العمل الشاق

في العامين الماضيين فقدت مدينة طرطوس كثيراً من القتلى وتزايدت أعداد الجرحى ومع قرارات النظام السوري الأخيرة فقدت طرطوس كثيراً من العمال والموظفين نتيجة سحبهم إلى الخدمة الاحتياطية، ما أدى إلى توقف كثير من أعمال الدولة وحتى أوقفت مصالح الناس لأيام عدة بسبب عدم وجود موظفين في الدوائر الحكومية بعد سحب الرجال إلى الخدمة الاحتياطية وهرب من تبقى إلى خارج سوريا أو القرى النائية والبعيدة عن الأنظار. ما فتح مجالاً كبيراً للنساء بالدخول إلى سوق العمل الشاق الذي كان حكراً على الرجال. نشرت مواقع موالية سابقاً عن تشغيل نساء وفتيات في عمل مراقبين لعدادات الكهرباء وجمع الأرقام والتأكد من عدم السرقة في المنازل وهو عمل شاق يحتاج إلى رجال من أجل التسلق وفحص أكبال الكهرباء وقراءة العدادات، إلا أن الفقر الكبير وفقدان الرجال أدى إلى إدخال النساء إلى هذا العمل. عدد من النساء بدأن يعملن سائقات لباصات وسيارات الأجرة في المدينة وجرى تعيين اثنتين من النساء “مختاراً” للقرى المحيطة بالمدينة من أجل تسيير أمور الناس بعد فقدان الرجال، إذ لم تعمل النساء في هذه الأعمال سابقاً ما جعلها غريبة نوعاً ما على السكان. ونقلت صفحات موالية للنظام السوري عن نفوس طرطوس أنّ عدد النساء اللاتي تجاوزن ثلاثين عامًا ولم يتزوجن وصل إلى 82 ألف امرأة أي ما يقارب 2% من نسبة النساء في طرطوس وأشارت صفحة” هنا طرطوس“ إلى أنّ عدد النساء ”اللاتي لم يحالفهن الحظ في إيجاد شريك حياتهن في ازدياد بسبب فقدان كثير من الشباب من أبناء المدينة

  • حراك خفيف وتملل كبير في المدينة

شهدت مدينة طرطوس خلال المدّة الماضية حملات عدة تطالب بتحسين الوضع المعيشي وتسريح الشباب وأيضاً إسقاط النظام تحت (عنوان الموت لأولادنا والكرسي إلك) وحملات (يكفي) وحملة (سرحونا بقا) لتسريح الدورات السابقة. بدأ كثير من الأهالي بنشر منشورات مناهضة للحكومة السورية وصفحات لكشف الفساد ومجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها الفساد في طرطوس التي وجد فيها الناس مكاناً لفضح الفساد من الحكومة السورية. ومن خلالها نشر عدد من السكان طلبهم معاملة أهالي طرطوس الذين قدموا أولادهم لحماية النظام كمعاملة المناطق المصالحة وتشغيل الكهرباء كما يحدث تشغيلها في المناطق المصالحة. يتحدث السكان عن فرض التجار أسعاراً مرتفعة في المدينة مخالفة للأسعار في المناطق الأخرى في سوريا فقط لأنهم من طرطوس. ومع تزايد الحالات الإنسانية السيئة في مدينة طرطوس وتزايد أعداد القتلى وحالات التشبيح من القوات الأمنية على السكان قد تشهد المدينة حراكا أوسع خصوصاً مع ازدياد حالة التملل وفقدان العائلات لأبنائها واعتقالات كثيرة للرجال لسحبهم إلى الخدمة الاحتياطية ما قد يؤدي قريباً إلى انفجار الوضع في المحافظة والبدء بحراك لإسقاط الحكومة ولكن لن تتجرأ على إسقاط الأسد بسبب الموالاة الدينية له والارتباط بطائفة. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى