fbpx

المرشديون في سوريا…وغياب الزعامة

أذكى نظام الأسد منذ توليه الحكم في سبعينيات القرن الماضي، التمايز الطائفي بين مكونات الشعب السوري، التي عاشت لقرون سلفت تحت اسم سورية. ومنذ تولي الأسد الأب الحكم في سوريا، من خلال ما اسماها الحركة التصحيحية، التي يفسرها غالبية الشعب في سوريا بالانقلاب، عمل ومن خلال أجهزة نظامه الأمنية، التي يرأسها المقربون من العائلة الحاكمة، على إيجاد شرخ ديني اثني بين مكونات الشعب السوري، من أجل تثبيت حكمه وتدعيمه، ليبقى هو المتفرج على الخلافات الاثنية والعرقية، التي من شأنها إشغال الشعب عن الحكم وشكله والنظام السياسي، من خلال إبقاء الشعب في حالة التشتت والضياع والفرق. وباستلام بشار الأسد للسلطة لم يترك نهج أبيه المبني على الفرقة الطائفية، بل زكاها وأوجد لها سبل جديدة لاسيما بتقوية طائفته، وتسليم رجالاتها مختلف زمام الحكم والادارة في المؤسسات بالبلاد. ومع انطلاقة الثورة السورية ضد بشار الأسد في العام 2011، قوى نظام الأسد من خلال أجهزة المخابرات، لاسيما الجوية والعسكرية الفرقة الطائفية، ودعمها وبدأ يضخ المال من أجل استمالت أطراف، وزجها في الحرب التي أعلنها على الشعب السوري، لاسيما الطائفة المرشدية التي أتعبها الفقر واستمالها الأسد ببعض العطايا. فمن هم المرشديين…؟ وما علاقتهم بنظام الأسد…؟ وكيف نجح الاسد بتجنيد أبنائهم…؟ وما علاقة المرشدين بإيران…؟

من هم المرشديين؟

تعود الجذور الأولى لظهور الطائفة المرشديّة في النصف الأول من القرن العشرين في سوريا، عن طريق سلمان المرشد والذي يشتهر أكثر باسم سليمان المرشد ريف اللاذقية، والذي بشر بقرب ظهور المهدي في العام 1923، حيث نجح سلمان مرشد اثنائها باتباع عدة جماعات له، لتمتد دعوته التي تقول بعض المصادر الدينية أنها كانت دعوة انشاء دين جديد، ادعى فيه سلمان الالوهية لكن الكثير من المصادر التاريخية نفت ذلك، وارجعت سبب توسع دعوته الى دعم الاستعمار الفرنسي حينها لسلمان المرشد، لتدعيم نفوذهم في المنطقة الساحلية. وفي العام 1946 تم اعتقال سلمان المرشد واعدامه بتهمة قتل زوجته، إلا أن السبب الأساسي لإعدامه كان دينيا أكثر ما يكون جزئيا، بحسب كتاب لمحات حول المرشدية، الذي آلفه “نور المضيء مرشد” أحد أبناء سلمان. بعد إعدام “سلمان مرشد” تسلم ابنه “مجيب” الدعوة والذي أعلن صراحةً عن الديانة المرشدية في 25 آب، 1951 والذي يعتبر عيد لدى الطائفة المرشدية من كل عام، يطلقون عليه أسم عيد الفرح بالله. قُتل “مجيب” على يد “عبد الحق شحادة” آمر الشرطة العسكرية في عهد أديب الشيشكلي، وبإيعاز منه في 27 تشرين الثاني 1952. وبعد مقتل “مجيب” تسلم أخوه الأصغر “ساجي” الدعوة، والذي بقي المرجع الديني الأكبر والوحيد للمرشدين، والذي توفى في العام 1998، وبموته لم يوصي بالإمامة أو الزعامة لأحد مما أسفر عن غياب الزعامة الفعلية للمرشدين اليوم. ينتشر المرشدين في أرياف اللاذقية وحماة وحمص، وبعدد قليل في محافظة دمشق، تشير التقديرات إلى وصول عدد المرشدين الى حوالي 800 ألف نسمة، ولم يُسجل لهم أي وجود خارج سوريا إطلاقا.

ما علاقة المرشدين بنظام حافظ الأسد…؟

عمل حافظ الأسد على التمايز العرقي والطائفي في سوريا، لإشغال السوريين عن قضايا الحكم والسياسة، وتقرب من بعض الطوائف، واستعمل أبنائها لتدعيم نظام حكمه، فكانت الطائفة المرشدية منذ العام 1970 قد حظت بالحرية الدينية في إقامة طقوسها، إلا أن الوضع المعاشي لاتباعها يصفه الأستاذ “بكار حميدي” الناشط بمنطقة سهل الغاب بأنه الأسوأ والأرداء، حيث عمل نظام الأسد على إضعاف تلك الطائفة، اقتصادياً، ليتحول اغلبها إلى عمال ومأجورين لدى طائفة الأسد، التي كثيراً ما تتداخل بلداتهم ببعضها، لاسيما في منطقة الغاب وجبال اللاذقية. ويتابع “حميدي”: كان المرشدين هم الطائفة الأفقر بين مكونات الشعب السوري، فجل أبنائهم يذهبون للعمل في لبنان أو في دمشق، أما بناتهم فتعمل على مدار السنة في الأراضي الزراعية المجاورة، لاسيما في منطقة سهل الغاب لتامين لقمة العيش. ويؤكد أن المرشدين لم يحصلوا على أدنى الحقوق في عهد حافظ الأسد، سوى السماح لهم بإقامة طقوسهم بحرية، بل كانوا عبارة عن مواطنين من الدرجة العشرين ومرد هذا كله بسبب كره العلويين للمرشدين، ونظرتهم الدنية لهم دينيا وعرقيا، إذ يعتبر العلويين المرشدين كفار، بسبب اعتقادهم أن المرشدين كانوا علويين وتخلوا عن ديانتهم.

علاقة بشار الاسد بالمرشدين

لم يحدث أي تطور بحال أتباع الطائفة المرشدية بسوريا بعد تسلم بشار الأسد للحكم، بل استمر التمايز الطائفي في مناطق وجود المرشدين، حيث كانت دوائر الدولة والمؤسسات الموجودة ضمن مناطق المرشدين يديرها اتباع طائفة النظام، لا سيما في منطقة الغاب ببلدات جورين وشطحة وعبر بيت سيف والجيد والبحصة والرصيف، والتي كانت تعج بالموظفين العلويين من قرى وبلدات عين سليمو وسلحب وطير جنة والمحروسة. وبهذا الصدد يتحدث الأستاذ عبد الباقي المحمود الذي كان يشغل منصب عضو مكتب تنفيذي في مجلس محافظة حماة قال: إن أكثر الوظائف قبل 2011 تكون للمرشدين هي المستخدم وعامل النظافة ومدرس ساعات في مدارس بعيدة نوعا ما. ومع انطلاقة الأحداث في سوريا في الـ 2011، ولجوء نظام بشار الاسد إلى استخدام العنف ضد المتظاهرين، سعت الأجهزة الأمنية في دمشق إلى استقطاب الطائفة المرشدية، وجرها إلى الصراع من خلال بث شائعات وأخبار بين أواسط تلك الطائفة، تحذرهم من التقارب مع فصائل المعارضة التي سوف تقتلهم بسبب ديانتهم، بحسب الناشط :أنس العبد: من ناحية الزيارة الذي قال: إنه ببداية الحراك السلمي في العام 2011 كان لازال الكثير من أبناء بلدات جورين وشطحة يترددون الى بلدة الزيارة بمنطقة الغاب، ويسألون أهالي البلدة عن نية المعارضة تجاههم، وما هو مصيرهم إن تسلمت المعارضة الحكم. ويتابع “العبد” قائلا: إن نظام الأسد جعل من بلدات جورين وشطحة والبحصة التي تسكنها الطائفة المرشدية من فردة، هدف لمدفعية المعارضة حيث عمد النظام إلى إنشاء ما يعرف بمعسكر جورين، والذي كان ولا زال مبنى القيادة العسكرية للشمال السوري بالنسبة لنظام الأسد، فضلاً عن توزيع القوات والميليشيات في البحصة والصفصافة وشطحة والجيد، وجعل تلك البلدات مرابض للمدفعية التي تستهدف الأحياء السكنية للقرى والبلدات الواقعة تحت سيطرة المعارضة. وإزاء ذلك ونتيجة الانتشار الكبير للميليشيات المختلفة الاعراق في بلدات الطائفة المرشدية، ونتيجة الفقر المدقع الذي كان يعاني منه المرشدين، اختار شباب تلك البلدات في حماة واللاذقية الانضمام لميليشيات النظام، وتشكيل مجموعات تابعة لقوات الأسد، تنتشر في معظم المناطق التي يسيطر عليها النظام.

أبرز التشكيلات والقيادات في الطائفة المرشدية التي قاتلت بصفوف النظام

شكل أبناء الطائفة المرشدية ميليشيات قاتلت بصفوف قوات النظام، حيث كان أبرز قياداتهم في الدفاع الوطني المدعو “باسم محمد” ذا الولاء المطلق للفرقة الرابعة بقوات النظام، فيما يتبع المدعو “شاهين شاهين” المتزعم لمجموعة عناصر كبيرة تتبع للمخابرات الجوية، وتحمل إسم متزعمها (نسور شاهين)، إضافة للقيادي في ميليشيات العرين “أيمن بدور” الذي شكل مجموعة ميليشيات في بلدة شطحة لتكون مرتبطة بمعتقل دير شميل مباشرة. عملت المجموعات والميليشيات المرشدية على الخطوط الخلفية لقوات النظام، لا سيما في حلب ودمشق ومنطقة سهل الغاب، حيث كان المدعو “شاهين شاهين” مسؤولاً عن سرقة المنازل والمحلات التجارية بحلب الشرقية، ونقل الأمتعة والمقتنيات إلى اللاذقية وبيعها هناك. فيما كان المدعو “أيمن بدور” مسؤولا عن سرقة ونهب منازل المدنيين في بلدات الزيارة والقرقور في منطقة سهل الغاب، وبيع تلك المقتنيات في ناحية شطحة تحت مسمى سوق السنة في صيف العام 2015. وبحسب الناشط “أنس العبد” فإن الميليشيات المنحدرة من الطائفة المرشدية، كانت تعمل بالسلب والنهب للمناطق التي تسيطر عليها قوات النظام. حيث تعمل قيادات الميليشيات على استئجار الأحياء في المدن والبلدات من ضباط قوات النظام، للعمل على فك وسرقة كل مقتنيات المنازل والمحلات التجارية، وبيعها في أسواق مخصصة لذلك في محافظات طرطوس واللاذقية. “العبد” اعتبر أن السماح للميليشيات المرشدية بالقيام بأعمال السلب والنهب للأحياء والبلدات والمدن التي تسيطر عليها قوات النظام، أحد أساليب الإغراء التي اتبعتها المخابرات في نظام الاسد لاستمالة أبناء الطائفة وزجهم في اتون الحرب المشتعلة بسوريا. وبحسب وسائل تواصل يديرها رواد من بلدات جورين وشطحة فإن عدد قتلى الميليشيات من أبناء الطائفة المرشدية منذ عام 2011 تجاوز الـ 75 ألف من التعداد العام للطائفة والذي يبلغ 800 ألف نسمة مما يعتبر مؤشر خطير على تواجد الطائفة.

الوجود الإيراني والطائفة المرشدية:

منذ التدخل الإيراني في سوريا بشكل علني في الـ 2011، سعت المدارس الإيرانية للتغلغل بمنطقة سهل الغاب، لاسيما القسم الغربي منه، وشرعت تلك المدارس باستقطاب شباب وبنات لجذبهم للديانة الشيعية، تمهيدا لإنشاء قاعدة شعبية في تلك المنطقة التي يسكنها العلويين مع الطائفة المرشدية. وبحسب “بديع العمر” الحائز على درجة دكتورة في التاريخ من جامعة دمشق، والعامل ضمن مجلس محافظة حماة التابعة للحكومة المؤقتة، فإن إيران نجحت باستقطاب الكثير من الشباب العلويين، وتحويلهم للمذهب الشيعي إلا أن رغباتها بتوسيع القاعدة الداعمة لها في جبال اللاذقية ومنطقة الغاب اصطدمت بوجود الطائفة المرشدية، التي رفضت وجود مثل هكذا مدارس في سلحب ومصياف وجبلة والصلنفة. وبحسب “العمر” فإن إيران سعت لافتتاح معهد تعليمي في بلدة شطحة بالعام 2016، وحصلت على ترخيص من وزارة التعليم في نظام الأسد، إلا أن أبناء الطائفة المرشدية منعوا افتتاح المعهد، بعد تجمع أعداد كبيرة منهم أمام مبنى ناحية شطحة، وابلاغ مدير الناحية هناك بأن الإيرانيين غير مرغوب بهم في القرى والبلدات التي تحوي الطائفة المرشدية، مما اضطر الإيرانيين الى نقل المعهد الى قرية عين سليمو ذات الغالبية العلوية. ومع احتدام المواجهات الباردة بين الميليشيات التابعة للفرقة الرابعة المدعومة من إيران من جهة، وميليشيات الفيلق الخامس التابع لروسيا من جهة اخرى في الشهر الأول من العام الجاري، دعم أبناء الطائفة المرشدية الوجود الروسي بمنطقة سهل الغاب لطرد النفوذ الإيراني الذي وصفهم بالكفار كما أكد الدكتور “بديع العمر” بعد رفضهم لافتتاح معاهد دينية شيعية في مناطقهم. حيث سعت روسيا منذ مطلع العام الجاري إلى السيطرة على منطقة سهل الغاب وإزاحة الوجود الإيراني هناك، مما أشعل نار مواجهات خفية بين وكلاء روسية (الفيلق الخامس) ووكلاء إيران (الفرقة الرابعة)، وبتلك المواجهات وجد المرشدين أنفسهم فرحين للوجود الروسي، الذي من شأنه زحزحة نفوذ الإيرانيين وابعادهم عن مناطقهم.

كيف تعاملت فصائل المعارضة مع الطائفة المرشدية

كغيرها من الطوائف لم تتمكن المعارضة من استمالة الطائفة المرشدية وكسب تأييدها، بل على العكس شكلت خطابات الفصائل الراديكالية بحسب الدكتور “بديع العمر” تهديدا خطيراً لوجود أبناء الطائفة المرشدية. ويتابع “العمر” بأن الخطأ الأول الذي ارتكبته فصائل المعارضة الراديكالية والمعتدلة بوصولها لقرية البحصة في العام 2015 وفتح باب السلب والنهب لمنازل المرشدين هناك، مما شكل نفوراً كبيراً لدى أبناء الطائفة، الذين ارتسمت بوجوههم صورة العداء للمعارضة مهما كان تصنيفها. ويؤكد “العمر” أن الاستهداف العشوائي من قبل الفصائل الراديكالية لنقاط قوات النظام، والخلط بينها وبين المناطق السكنية في بلدات المرشدية بريف حماة، والذي نتج عنه مقتل العشرات من أبناء الطائفة المرشدية، ادى لزيادة الكره من تلك الطائفة للمعارضة وتعلقها بالنظام.

الواقع الاقتصادي للمرشدين

لازال أبناء الطائفة المرشدية يعانون من فقر مدقع، يسكنون في منازل قديمة يعتمدون في معيشتهم على السلب والنهب من البلدات التي تسيطر عليها قوات النظام منذ العام 2011، أما قبلها فكان غالبية أبناء تلك الطائفة يعتمد على انشاء استراحات ومطاعم صغيرة على طريق الصلنفة السياحي وطاحونة الحلاوة، لكسب قوت يومهم فيما تعمل النساء كعملات زراعية في البلدات المجاورة من الخط الشرقي لمنطقة سهل الغاب. الأمر الذي يؤكده الدكتور “بديع العمر” بأن الطائفة المرشدية تعتبر الطائفة الأفقر في سوريا وأن نظام الاسد يستعملهم كمرتزقة ووقود للحرب. ويتابع “العمر” بإن مواقع التواصل الاجتماعي تضج بشكاوى من أبناء الطائفة المرشدية، الذين يشكون سوء الخدمات وغياب مياه الشرب والكهرباء والغاز، وافتقارهم لأدنى مستلزمات الحياة، ويستطرد “العمر”: وبالرغم من كل هذا تُعد قيادات الميليشيات المرشدية مسؤولة عن عمليات قتل ممنهجة طالت مدنيين من إدلب وبلدات الزيارة والحويز وقلعة المضيق بمنطقة سهل الغاب لا سيما المدعو “شاهين شاهين” المسؤول عن حرق أكثر من 13 مدنيا طاعنين بالعمر إبان اقتحام قوات النظام لبلدة الزيارة في العام 2015.

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي ;مينا;

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى