fbpx

رؤوسهم حامية وبنادقهم فارغة

في خمسنيات القرن الفائت، طرح الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة خطة للسلام مع إسرائيل.. كانت الخطة تقضي بدولتين، دولة فلسطين والقدس عاصمتها، ودولة إسرائيل. يومها خوّنه العرب.. كل العرب، وكانت الرؤوس الحامية تحمل بنادق فارغة. كان هذا هو الحال. وما بعدها كانت حرب 1967 ولم يتبق من فلسطين أيّ من فلسطين، فامتدت اسرائيل لتأخذ الجولان وسيناء والضفة الغربية. وبعدها باتت الرؤوس الحامية تطالب مكتفية باستعادة ماخسرته في حربها. ومع كل مشروع سلام، تأتي (الممانعات)، حتى تحوّلت كامب ديفيد إلى لعنة على أنور السادات، وكان الرجل قد استعاد سيناء، ووفر على شعبه حرباً إن لم تكن مصر مهزومة فيها، فبلا شك لن تكون منتصرة، وكان السادات ضحية السلام، وما زلنا قادرين على إعادة مشهد المنصة حيث الرصاص وقد اخترق جسده. ومع كل خطوة باتجاه السلام، ترتفع أصوات (الممانعين)، والممانعون إياهم لم يقدموا خطوة واحدة باتجاه (التحرير) أو الانتصار على إسرائيل، أو رمي اليهود في البحار. ممانعو السلام لايقفون على الأرض العربية فحسب، ففي إسرائيل أيضاً ممانعي سلام، وهؤلاء هم من اغتال اسحاق رابين. هناك من لايقبل بالسلام، هنا من لايقبل بالسلام، وكل الفارق ما بين هؤلاء وأولئك، أن الإسرائيليين الذين لايقبلون بالسلام، مزودون بالسلاح المتطور، والاقتصاد المتقدم والدعم الدولي اللامحدود، فيما يقف ممانعو السلام من العرب على أرض رمال، بنادقهم فارغة، واقتصادياتهم مدمرة، وشعوبهم جائعة، واحتراباتهم الأهلية تفتك بما لا يسع الحروب الوطنية أن تفتك به. وها نحن اليوم في مبادرة سلام. مبادرة شائبة ويعوزها الكثير من العدالة، نعم، غير أن المشكلة الأكبر ستكون مع الغد، حيث لابد وأن يأتي اليوم الذي بكينا منه لنبكي عليه. في كل المقاييس الحرب خاسرة. هي كذلك عسكرياً.. اقتصادياً، وهي فوق ذلك إعلاء لشأن أنظمة لن تحارب، ولكنها قادرة أن تجعل من ديمومة الاشتباك معبراً لقهر شعوبها وتأبيد ديكتاتورياتها، وتعطيل شبابها. هو الأمر هكذا، ولنتساءل:

  • ما الذي قدمته أنظمة ديمومة الاشتباك للاشتباك؟

كل ما قدمته هو توطيد حكومات العسكر، وتوسيع السجون، وانتهاك بلدانها بالفساد. هذا هو واقع الحال، وتلك هي المقدمات التي زاد عمرها عن نصف قرن من الصراع. والحال كذلك، تعالوا لاستفتاء رأي شعبي عام، ودعوا الناس يقررون مصائرهم، والناس هنا هم من الفلسطينيين / السوريين / المصريين وكذلك الشرق أردنيين، وأسألوا الناس ما الذي يطلبونه. هل تتجرأ هذه الانظمة على استفتاء راي عام؟ بالتأكيد لا، ولا هنا لجملة أسباب، اولها أنها أنظمة لم تعر التفاتاً لوجدان الناس، وثانيها أن مجرد الاستفتاء يعني إسقاط هيمنتها إلى التراب، وثالث الأسباب، أنها إن فقدت مظلة (المواجهة مع العدو) فلابد وأن تفقد معها السلطة والهيمنة واحتكار السلاح. مع ذلك تعالوا نجرّب، نختبر الناس.. خيارات الناس. ديمومة الاشتباك لم تكن ولا في لحظة هي ديمومة الاشتباك مع الاسرائيليين.. لقد كانت على الدوام ديمومة الاشتباك مع سكان هذه البلاد ولو حاولنا أن نقوم بعملية احصاء بسيط، ونأخذ بضحايا الحروب الإسرائيلية العربية من الجانب العربي، لوجدنا أن ضحايا هذه الحروب بمجملها، كان أقل من ضحايا سجن واحد من سجون أي من أنظمة (الممانعة) التي يتحدثون. تلك هي الحكاية.. الصراع مفتوح، نعم مفتوح ولكن مع سكّان البلاد. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى