fbpx

إدلب.. السلاح بين الضرورة والثقافة

مقدمة: ساهم انتشار السلاح منذ بدء تحوّل الحراك السلميّ في سوريّا، إلى مواجهة مسلحة مع النظام السوريّ، وتدفق كمّيات كبيرة منه عبر مختلف حدود البلاد إلى الأراضي السوريّة، وكذلك توفّره بكثرة إثر عمليّات التسليح التي سلكتها الدول الداعمة للجماعات المعارضة في سوريّا، وتسهيل النظام من خلال خطط أمنيّة من وصول السلاح إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، ساهم في إنتاج ثقافة جديدة على المجتمع السوريّ، وهي ثقافة “حمل السلاح” لدى العامّة، إلّا أنّها في المقابل حالة طبيعيّة في أي بلدٍ يشهد حرباً، سنحاول خلال التقرير دراسة الأسباب والنتائج لظهور هذه الثقافة في محافظة إدلب: حمل السلاح قبل الأزمة: يجرّم القانون السوريّ، تداول وحيازة وكذلك التجارة في السلاح، بحسب ما يذكر لنا المحامي “محمد سلامة”، ويعتبرُ حيازة السلاح في القانون جريمة جُنحويّة، أمّا الإتجار به فهي جريمة جنائيّة يحال مرتكبوها إلى المحاكم العسكريّة للحدّ من هذه الظواهر، إذ أبدى القانون تشدداً كبيراً على حَمَلة السلاح لما يمكن أن يحدثه من فوضى أمنيّة، وتمرّد لا يتفق مع سياسات السلطة السياسيّة الحاكمة في سوريّا. وعلى الرغم من هذا، يوضح “سلامة” خلال حديثه لـ”مينا” أنّ المقرّبين من الأجهزة الأمنيّة، وعناصر الشبيحة كانوا يتجاوزون القانون في مسألة حمل السلاح، نظراً لدورهم الذي وجدوا من أجله على حدّ اعتباره، في ضبط المجتمع أمنيّاً وحراكيّاً وضبط أي عمليّة تمرّد أو انتفاضة، مشيراً إلى أنّ انتشار السلاح بين المدنيين قبيل اندلاع الأزمة السوريّة، ضئيل جداً، وكانت تقتصر على بعض المناطق النائية وبعض الأرياف. كيف ظهرت الثقافة؟ كان لعسكرة الحراك السوريّة الدور الأبرز في تفشيّ السلاح بين مختلف فئات المجتمع، بحسب ما يسرد لنا “سلامة” من كونه إلى جانب نشاطه الحقوقي، من أوائل المشاركين في الحراك الثوريّ في إدلب، مبيناً أنّ بعد صول السلاح إلى الفصائل العسكريّة، صار من السهل وصوله إلى مختلف فئات المجتمع وتداوله بين المدنيين، وخاصةً الشباب ممّن صار لديهم في حمل السلاح ضرورة لا مفرّ منها لقتال النظام وللحفاظ على أمنهم وسلامتهم. ويضيف: “تغيب اليوم القوانين الضابطة لانتشار السلاح في إدلب وتداوله وكذلك تجارته، في المحاكم ودور القضاء التابعة للفصائل، هذا التساهل يزيد من مشكلة انتشار السلاح العشوائية، ومن مخلّفاتها السلبيّة على المجتمع”. “عبد الرحمن البيّوش” وهو ضابط منشق عن النظام، وأحد كوادر شرطة إدلب الحرة لسنوات، يعتبر أنّ حمل السلاح صار ثقافة متأصّلة تنبع من مبدأ “أخذ الحقّ باليد” من قبل الأهالي، وخاصةً ممن يفتقر للثقافة العامة، وصار من المألوف مشهد حمل السلاح في مختلف الأماكن، الأسواق والمحال التجاريّة وفي كل مكان، وعند حدوث أي مشكلة تواجه حامل السلاح يلجأ مباشرةً لاستخدامه دون الرجوع لمؤسسات الشرطة أو أجهزة مختصّة، الأمر الذي ساهم في تكريس فكرة حملة السلاح للجميع بهدف امتلاك القوّة والحصانة”. وأضاف: “أهم أسباب التي ساهمت في انتشار السلاح وضياعه بين العامة، هو غياب التنظيم وأصحاب الخبرات في الفصائل العسكريّة، لضبط  عمليّة توزيع السلاح وانتقاء حملته من العناصر، إذ اتّسمت العمليّة منذ البداية بالعشوائيّة، إلى جانب تعدّد الفصائل والجماعات”. مخلّفات هذه الظّاهرة: سهّلت ظاهرة انتشار السلاح الواسعة في محافظة إدلب، وفقاً لـ”البيّوش” في تفشّي الجريمة بمختلف أشكالها بدءاً من الخطف الذي بات مهنة يرتزق منها كثير من قطّاع الطّرق، إذ أنّ المحافظة تسجل مياومةً حالات من الخطف والتشليح بهدف الابتزاز للحصول على مبالغ ماليّة، فضلاً عن عشرات العمليات من السرقة والقتل. وأوضح أنّ السلاح لم يعد يقتصر على عمليّات السطو والنهب الفرديّة، إنّما صارت جماعات وعصابات كبيرة تمتهن السرقة والسلب، وتقتل المدنيين وتخطفهم بدافع تحصيل مبالغ ماليّة. الحماية الشخصيّة: لم يعُد للأهالي ثقة اتجاه الفصائل العسكريّة التي تسيطر على المنطقة، في قدرتها على حمايتهم أو حفظ أمنهم، في ظل الفوضى الأمنيّة في المحافظة، ما دفع فئات مختلفة من المجتمع إلى حمل السّلاح، وخاصةً أصحاب المصالح والتجارات. ويقول محدّثنا “البيّوش” من خلال تجربته واحتكاكه مع فئات مختلفة من المجتمع: “إنّ الأهالي باتوا يحملون السلاح بدافع حماية أنفسهم من عمليّة خطف أو سرقة أو تشليح، بعد أن تكررت في المناطق المحررة، كما صار سكّان المناطق يتسابقون للحصول على سلاح ذي جودة جيّدة، متخطّين في ذلك شرعيّة حملهم للسلاح أو عدمه، ولضمان تنقّلٍ آمنٍ بين المناطق في ظل ظروف أمنيّة صعبة، وغياب جهات قادرة على ضبط الأمن بشكل جديّ”. تجارة الأسلحة: باتت تجارة الأسلحة رائجة بشكل كبير في محافظة إدلب، في ظل غياب الرقابة عليها وهيمنة “أمراء حرب” وتجّار مقرّبين من الفصائل وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام” على مفاصل التجارة، يتوافد عليها الشباب بهدف شراء الأسلحة دون وجود أي تراخيص تضبط عمليات البيع والشراء، أو تحديد هويّة الشخص المالك للسلاح أو تحديد وجهة السلاح. “أبو عمار” يعمل في تجارة السلاح الفرديّ، منذ سنوات في إدلب، يقول: “إنّ عمليات البيع والشراء حرّة بشكل كامل، ولا يقيّدها أي نظام أو ضوابط، ما أعطى أريحيّة لكثيرين وخاصةً من عناصر سابقين في الفصائل العسكريّة للعمل في هذا المجال”، ويضيف: “جميع التجار معروفون لدى الفصائل ووجهات السلاح يعرفها الجهاز الأمنيّ”. في هذا السياق، يقول محدّثنا “البيّوش”: “إنّ السلاح من خلال هذه العشوائية صار بيد الجميع، ولن يتمّ القضاء على هذه الظاهرة السلبيّة، إلا بحالة وعي جماعيّة تدرك مخاطر هذه الثقافة الطارئة على المجتمع”. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى