fbpx

خاص مينا..حرَّاقات النفط البدائية شمال سورية تنشر الأمراض السرطانية

تحقيق صحفي

يفتقد النفط المستخرج بطرقه البدائية في مناطق الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي من سورية، للكثير من المواصفات لتجعل منها مواد تندرج تحت مسمى مشتقات نفط، بدءاً من استخراجه مروراً بعملية تكريره وتصفيته وصولاُ إلى تصديره إلى خارج مناطقها.

ولدى الرصد والمتابعة لهذا الموضوع، توصلنا إلى نتيجة كانت خيبتنا فيها أكبر مما كنا نتوقع.. فمعدل الضرر قياساً للكميات المستخرجة يترك تأثيرات لا تحصى، لأنّ معظم الحلول المعمول بها مؤقتة وآنية منذ نحو عشر سنوات منصرمة، ولا حلول بديلة ومقترحات جدية لدى مديريات البيئة التابعة لهيئة البيئة والإدارة المحلية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لتعديل نمط العمل في هذا المجال، فجل ما يهمهم هو جني الأرباح والتحصيل الضريبي، دون الاكتراث بما تعود عليهم مخلفات عملية الاستخراج البدائية من أضرار صحية وبيئية تلحق سكان القرى القريبة من مناطق تجمعات العمل في الحراقات، إضافة إلى ما تلحقه بالعاملين فيها، وبالحيوانات والمحاصيل الزراعية أيضاً.

* بيئة ملوثة تحدثها مخلفات مشتقات النفط في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سورية

كلما حاولنا الاقتراب من مدينة القامشلي على سبيل المثال، وكذلك من مختلف مدن وبلدات الشمال الشرقي من سورية التابعة لنفوذ الإدارة الذاتية الديمقراطية وعلى طول الشريط الحدودي، نجد هالة ضبابية أو غيمة من الدخان الرمادي المائل إلى السواد يحيط بها من بعيد، ناهيك بأصوات المولدات التي تحوِّل المدن والبلدات إلى مناطق صناعية، ونتيجة لتلك الطرق البدائية في عمليات التكرير لم تستطع الإدارة الذاتية حتى اللحظة تأمين احتياجات الناس من الوقود الجيد للسيارات ولا للتدفئة ولا لمختلف مجالات الاستخدام المرتبطة بهذه المادة، بأسعار مع التلاعب بها بين الجيد والممتاز والشائب، أما الأمراض الناجمة عن ذلك فتتعلق بالجهاز التنفسي وباستنشاق الغازات السامة الملوثة للهواء، إضافة إلى الأمراض الجلدية التي تصيب العاملين في هذه الحراقات، وكان لـ: “مرصد مينا لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقية- جولة للوقوف على واقع تكرير النفط بعد سنوات من عمله.

* أكبر وأكثر مناطق تجمعات استخراج النفط شمال شرق سورية وتصنيعه

لدى جولتنا الميدانية وجدنا أنّ أكثر المناطق والبلدات التي تستخرج النفط وتصنع مشتقات هي مدينة القحطانية/تربي سبي- إذ يعمل فيها نحو 220 حراقة، وهي عبارة عن خزانات كبيرة بسعة 100 إلى 200 برميل، بينما يوجد عدد محدود من هذه الحراقات تسمى بـ “الفايكو” تعدُّ أكثر تطوراً من الحراقات العادية إذ تصل سعتها إلى نحو /400/ برميل، وتمتد على طول ألفي متر وعرض خمسمئة متر، وتشغل مساحة ألف دونم تقريباً، تتوزع عليها الحراقات، ويفصل بينها طريق لعبور الصهاريج والآليات لتصديرها خارج حدود المنطقة.

* حقيقة مستثمري حراقات مشتقات النفط

يستأجر مالكو الحراقات مساحة خمسة دونمات تقريباً تكفي لإنشاء حراقة واحدة تكلفتها ما بين /450/ إلى /500/ ألف ليرة سورية أي ما يعادل /810/ إلى /910/ دولاراً) سنوياً، فيما يكلف المشروع نحو تسعة ملايين ليرة سورية ما يعادل (16300 دولار)، ويعمل في كل حراقة ثلاثة إلى أربعة أشخاص: عاملان وحارس والمستثمر القائم بأعمال المتابعة والمراقبة، ويستثمر الحراقة الواحدة ما بين ثلاثة إلى ستة أشخاص وثمة أشخاص ينفردون بملكية حراقة واحدة وأحياناً عدة حراقات، وأكدت لنا بعض المصادر المحلية الخاصة، بأن معظم هذه الحراقات تعود ملكيتها لممثلي الإدارة الذاتية وبعض الشخصيات السياسية النافذة، وغالباً ما يكون المستثمر مجهولاً، ويدرج أسماء أصحاب الحراقات من السكان المحليين كواجهة يختبئ وراءها المستثمر الحقيقي الذي يخشى الملاحقة القانونية فيما بعد..!

وفي الوقت الذي يحصل فيه العاملان على مبلغ خمسة وعشرين ألف ليرة سورية تقريباً عن كل عملية تكرير للنفط الخام التي تسمى (الطبخة)، في مدة تقدَّر بعشرين إلى ثلاثين ساعة، يحصل المستثمر على مبلغ تسعين ألف ليرة أي ما يعادل (165 دولاراً) ويدفع المستثمر تكاليف إضافية عدا أجور العاملين وثمن المادة الخام إضافة إلى 250 ألف ليرة أي ما يعادل (450 دولاراً) شهرياً لترحيل المخلفات ولديه أيضاً أجور إصلاح أعطال الحراقة، وتستهلك الحراقة صهريج ماء لكل عملية تكرير.

* مراحل عملية التكرير وصناعة التلوث..

تبدأ عملية الحرق بتعبئة خزان سعته مئة برميل، ويعادل عشرين طناً من النفط الخام، ويبدأ تشغيل (الشودير) الذي يعمل على محرك ديزل، ويستخرج من الطبخة الواحدة 6 ستة براميل بنزين سوبر، /19/ تسعة عشر برميلاً من البنزين العادي، إضافة إلى 64 برميلاً من المازوت الممزوج بمادة الكاز، ويستخلص نحو 10 إلى 11 طناً من المواد، ويتبقى من المخلفات حوالي 10 -11 طناً التي تحترق حين تعرضها للأوكسجين، وتبعث أدخنة سوداء كثيفة لمدة نصف ساعة، وترمى المخلفات في مقلع قريب من قرية (كري بري) في ريف القحطانية لتطمر بعد ذلك بطبقة من التراب، وأما فيما يخص الإنتاج فيباع عبر معتمدين إلى شركة عودة للنفط، ويزعمون بأنَّ البيع الحر غير مسموح به، لكن يمكن البيع إلى جهات أخرى بصفقات خارجية، ويؤمّن المعتمدون النفط الخام لأصحاب الحراقات، ويشترون إنتاجهم، وهناك نحو عشرة معتمدين يتابعون عمل الحراقات، ويقومون بدور الوسيط بين مختلف الجهات (الإدارة الذاتية، أصحاب الحراقات، شركة عودة للنفط (شركة نفط سورية) التي تعمل في المنطقة منذ 10 أعوام..

وعلى الرغم من أن العاملين في الحراقات باتوا يعرفون أن لهذا العمل والاحتكاك مع المواد النفطية ومخلفاتها تأثيرا مباشراً على صحتهم، ولكن يبدو أن الكثير منهم يفضل عدم معرفة التفاصيل ويصم أذنيه، ويفضل الحصول على مرتبه نهاية كل طبخة من النفط المستخرج.

* الأضرار التي تعود على سكان القرى المجاورة لعمل هذه الحراقات

ومع أن الكثير من العاملين باتوا يعرفون مضار هذه الحراقات على صحتهم، إلا أنهم يواصلون العمل فهي مصدر رزقهم الوحيد وسط الغلاء الذي تعانيه مناطق الإدارة الذاتية، وبحسب إحصائيات الهلال الأحمر الكردي في القحطانية/تربي سبي فإن الهواء الملوث يؤثر على الأجنة في بطون أمهاتهم، فقد وثقت سجلات تلك المنظمات الكثير من الحالات دون تسليط الضوء على هذه الكارثة الإنسانية والبيئية.

وقد أكدت واحدة من المتطوعات في إحدى النقاط الطبية التابعة للهلال الأحمر الكردي قسم الإحصاء لـ “مرصد مينا لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقية- أنهم وثقوا مراجعة نحو 652 حالة التهاب للجهاز التنفسي السفلي، وأمراض ذات الرئة والتهاب القصبات، أما بالنسبة للالتهابات التنفسية العلوية فبلغت حوالي 630 حالة، فيما بلغت حالة الأمراض الجلدية نحو 174حالة، أي إن مجموع الحالات بلغت حوالي /1523/ حالة مرضية منذ بداية العام الحالي، وإن معظم الحالات هي من المناطق المحيطة بالحراقات، وترى أن للحراقات تأثيراً كبيراً في ازدياد هذه الحالات، وقد حصلنا على إحصائيات المنظمة من قسم التوليد، تفيد بحصول نحو سبع حالات إجهاض، وخمس حالات تشوه جنيني وخمس إلى سبع حالات إسقاط مبكر كل شهر، وتعزي المنظمة ازدياد الحالات وكثرتها إلى تلوث الجو..

* 50% زيادة في نسبة مرضى الأورام والأمراض السرطانية وفقاً لإحصاءات مشفى البيروني

ويؤكد الدكتور زنار سليمان المختص بأمراض الدم والأورام السرطانية في مدينة القامشلي لـ “مرصد مينا: أن زيادة حصلت في نسبة الأورام الشائعة، خاصة في المناطق الشرقية (أي مناطق القحطانية/تربي سبي.. وحتى باتجاه المالكية/ ديريك) وبنسبة ملحوظة في مدينة القحطانية/تربي سبي وريفها، وبالتأكيد فإن للمواد الكيماوية والسامة دوراً كبيراً في هذا الأمر، وهذا ما أشارت إليه آخر الإحصاءات التي قام بها مشفى البيروني بدمشق مؤكداً بأن للحراقات دوراً كبيراً وبأن النسبة زادت 50% عما كان موجوداً في المنطقة قبل ظهور الحراقات”.

* لا حلول جذرية بخصوص عمل الحرقات.. طالما لمديريات البيئة حصة ضريبية تجنيها من هذه الحراقات

لدى عن سؤالنا عن الحلول المستقبلية لعمل هذه الحراقات، أكد الخبير الفني في إحدى مديريات البيئة التابعة لمقاطعة القحطانية/تربي سبي، الأستاذ آزاد خلف:

” في الحقيقة هناك حاجة ضرورية وملحة لتوفير الوقود سواء للسيارات، أو للتدفئة والأفران وإلى ما هنالك من أعمال يكون الوقود حاجة ضرورية وأوليِّات لا يمكن الاستغناء عنها، وأنهم إذا ما أوقفوا هذه الحراقات فسيكون هناك أزمة وقود وجمود في مجالات الحياة كافة فمشتقات النفط شريان الحياة، وذلك في تصريح لـ” مرصد مينا: كان هناك مشروع لنقل الحراقات وتجميعها في مكان واحد، وأنهم وجدوا أرضاً مناسبة، وبمعايير أقل ضرراً للبيئة وبعيدة عن التجمعات السكانية، حيث أنها تربة ملحية، إلا أنهم في مديرية البيئة لم يلقوا استجابة لطلبهم، من هيئة البيئة حتى الآن، ولمديرية البيئة حصة ضريبية بقيمة تقدر بـ 15 ألف ليرة (27 دولاراً) عن كل حراقة تصفِّي 130 برميلاً، ويوجد هناك من يقوم بمتابعة عمل الحراقات بتكليف من مكتب البيئة لجبي الضريبة المطلوبة.

* خاتمة

إننا إذ نتطرق إلى هذا الموضوع الخطير في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سورية، ومجمع القحطانية/تربي سبي نموذجاً عن مناطق استخراج النفط، نؤكد الكوارث البيئية والصحية على البيئة والإنسان والحيوان، ونشير إلى أعداد من الأجنة التي ولدت مشوهة إضافة إلى حالات الإجهاض بسبب استنشاق الأمهات الحوامل للغازات نرى تجاهل الجهات المعنية إذ تقف مكتوفة الأيدي غير مبالية بهذه الأخطار.. نأمل أن تلتفت تلبية لنداءاتها المتكررة بالحفاظ على البيئة وزراعتها بالأشجار الحراجية، فهذه الأمور لا تنتظر التأجيل ولابد من إيجاد حلول جذرية تحافظ على صحة الإنسان وسلامة البيئة.

مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى