fbpx

خديعة نصر الله؛ قراءة في خطاب الاستجداء الأخير

في مطلع عام 2017 أطلق حزب الله حملة تبرعات كان الهدف الظاهري منها دعم الحزب نتيجة أزمة مالية ادعى مروره بها، لكن جوهر الحملة، أنه أراد تحميل الشعب اللبناني والمؤسسات اللبنانية فاتورة تدخلاته في الحرب السورية، ولم تكن تلك الحملة بالضبط نوعاً من التبرعات بمقدار ما هي مسألة إجبارية، خصوصاً للشركات والمؤسسات التي تخضع أمنياً لسيطرة حزب الله، فهي مؤسسات كانت تجد نفسها واقعة تحت مطرقة عصابة حزب الله، التي بالإضافة الى جيشها المسلح، فهي تضم تجار المخدرات والدعارة وغير ذلك مما تكشّف في الآونة الأخيرة، وأما مسألة دفع المال للحزب، فهي تعني أحد أمرين، إما أنها تأتي من خلال طابع الولاء الذي يشمل أتباعه، أو الخضوع القسري وتقديم الإتاوات. خدعة الإفلاس: من الناحية النظرية بدا خطاب حسن نصر الله وكأنه حقق مراده، حيث أظهر الحزب أمام وسائل الاعلام في حالة من الاستجداء للتبرعات لدعم بقاء الحزب واقفاً على قدميه، غير أن الواقع مختلف تماماً، فالحزب لا يعاني من ضائقة جوهرية، ولكنه يمر بفترة معقدة، تتمثل في الرقابة الدولية الصارمة، وانكشاف العديد من وسائل التمويل الخاصة به، نتيجة تفكيك بعض شبكات الحزب التي تقوم بالإتجار بالمخدرات وتبييض الأموال، التي اخرها توقيف عضو حزب الله (أسعد بركات) الذي صنفته أمريكا أبرز الأعضاء الممولين للحزب في أمريكا اللاتينية منذ عام 2004. يضاف إلى ذلك الضغوطات السياسية على حزب الله وتوصيفه كمنظمة إرهابية في أمريكا ثم بريطانيا، وهي الخطوة التي أربكت المشهد السياسي للحزب، لاحتمالية توسيع الدائرة على المستوى الأوروبي، ما يعني أن الحزب سوف يواجه مشكلات عميقة داخل لبنان، بوصفه مشاركاً في الحكومة اللبنانية، ما يعني أن وزراء الحزب في الحكومة سيواجهون مشكلات تتعلق بالسفر أو إمكانية التواصل مع وفود الدول الأجنبية التي تصنف الحزب كمنظمة إرهابية. هنا عملياً يفكر حزب الله بعقلية العصابة، التي عندما تتلقى العديد من الضربات تحاول اللجوء إلى فترة من الصمت، من أجل تخفيف الأنظار عنها ريثما تعيد بناء الشبكات الإجرامية من جديد، وفي حالة حزب الله يحاول الحصول على أمرين معاً، الأول الدعم المالي خلال فترة إعادة ترتيب شبكات تبييض الأموال، والثاني هو الحصول على التفاف شعبي لبناني، من أجل التخفيف من حدة القرار البريطاني الأخير، واستباقاً لإقدام دول أوروبية جديدة بالسير في خطوات حظر الحزب، ما يعني أنه يريد أن يوجه رسالة للعالم مفادها أن قاعدته الشعبية كبيرة. أهداف الاستجداء للمال: مطلع عام 2017 أطلق حزب الله حملة الاستجداء في لبنان بقصد إشراك المواطن اللبناني بشكل مباشر في تحمل تبعات حربه في سوريا، ولكنه الآن وبعد عامين، كانت ثمة متغيرات كبيرة قد حدثت، أبرزها النتائج الاجتماعية لتلك الحرب على لبنان. فما فعله حزب الله هو أنه أرسل عشرات آلاف المتطوعين للقتال في سوريا، ورجع بآلاف القتلى وآلاف الجرحى الذين يحتاجون رعاية صحية واجتماعية طويلة، وهي مسألة في علم الحروب تعتبر شاقة وقاسية جداً، لكن المجهول الذي لا يعلمه كثيرون، إن حزب الله يمتلك ما يسمى بالكتلة الصلبة للحزب، وهم أولئك الأعضاء الأساسيون الذين شارك قسم منهم في الحرب السورية كمستشارين أو قادة ميدانيين، وهناك بالمقابل الكتلة الأكبر وهي كتلة المتطوعين، الذين يرتبطون بحزب الله في مواسم معينة، وهم بالتحديد الذين جلبهم إلى سوريا وكانوا الأكثرية من بين جنوده. هذه الشريحة من آلاف المتطوعين باتوا جميعاً في خطر، فالقسم الأول هو الذي أعطبته الحرب وانضم الى جيش المعاقين في لبنان، والقسم الثاني وهو الذي لا يزال موجوداً في سوريا، ويدرك الحزب أنه سيكون مجبراً على سحبهم من سوريا في نهاية المطاف، وبالتالي هؤلاء سينضمون قريباً إلى جيش العاطلين عن العمل في لبنان، سوف يكون الحزب في مواجهة داخلية معهم، لأن المتغيرات السياسية القادمة تعني خروج حزب الله وإيران من سوريا. حزب الله هنا يريد عملياً أن يتخلص من ملف متطوعيه الجرحى وتحميلهم للمؤسسات اللبنانية، كما انه يمهد لرمي جيش العاطلين القادم من متطوعيه في وجه لبنان، ويريد تحميل ذلك للمواطن اللبناني، بذريعة أنه بدأ يعاني من أزمة مالية لأنه حزباً مقاوماً. تفكيك أكذوبة المقاومة: إسرائيل التي تمتلك السلاح الأقوى في الشرق الأوسط، هي تملك أيضاً سياسة إعلامية ثابتة في جانبها الرسمي، تقوم دوماً على توصيف أي قوة لديها أي نوع من الأسلحة بأنها تمثل خطراً وجودياً على إسرائيل، ولهذا هدف سياسي استراتيجي يضمن لإسرائيل استمرار حصولها على الدعم، وهذا ما يمكن أن نسميه بالخطة السياسية الذكية، لكن ذلك لا يعني أن وجود حزب الله هو مقلق بشكل حقيقي لإسرائيل، كما لا يعني أن حزب الله قادر على مقارعة إسرائيل، فالحزب من الناحية العملية مجرد حالة نظرية بالمنطق العلمي العسكري رغم امتلاكه لآلاف الصواريخ، وما نعنيه أن جسد حزب الله العسكري يصلح للاستعراضات العسكرية، أو في قتاله في سوريا ضد مجموعات من المعارضة السورية مفككة التركيب ولا تملك خطة ولا قيادة خبيرة ولا سلاحاً نوعياً وغيره، وأما اكذوبة المقاومة وانتصاره على إسرائيل فهي مسألة طويلة، ولكن دعونا نفكك قليلاً منها. حزب الله عملياً في حرب تموز 2006 كان يبحث عن نصر إعلامي فقط، على شاكلة النصر (العظيم الذي ادعى البعثيون أن حافظ أسد حصل عليه من إسرائيل) وأما بالميزان العسكري، والنتائج، دعونا نذهب إلى التالي: عام 2006 استمرت حرب تموز 33 يوماً كان مجموع ما أطلقه حزب الله هو 4000 مقذوف متنوع من قذائف صاروخية وصواريخ متوسطة ذات راس تفجيري محدود، بمعنى أنه كان يوميا يطلق على إسرائيل فقط (121) مقذوفاً متنوعاً ما بين قذيفة هاون 82 الى 120 ومن صاروخ 106 الذي استخدم في الحرب العالمية الثانية، إلى صواريخ غراد، إلى الاستخدام المحدود لبعض الصواريخ التي وصلت صفد وحيفا والناصرة، التي كان حزب الله حريصاً في حينها على استهداف الأحياء العربية في الناصرة وحيفا، ويمكن للباحثين مراجعة تواريخ وأماكن ذلك، مع العلم أن إسرائيل أدرجت الضحايا العرب  ضمن قائمتها لضحايا تلك الصواريخ التي اصابت المدنيين لأن هؤلاء كانوا الفلسطينيين يعيشون داخل الخط الأخضر(1948) ويحملون جنسية إسرائيلية. النقطة الثانية، ان طول الخط الأزرق الذي يفصل لبنان عن إسرائيل هو 120 كيلو متر، ما يعني أن حزب الله كان يطلق كل يوم على إسرائيل في حرب تموز فقط (121) مقذوفاً على مساحة مقدارها 120 كيلو متر، فأين هي أسطورة المقاومة؟؟ هذا مع العلم فقط أن الحزب كان يقصف مدينة القصير السورية يومياً بأضعاف هذا الرقم، فأين هو الانتصار العظيم الذي حققه حزب الله؟ خاتمة: ما قبل ظهور حزب الله كان لبنان دولة طائفية لكنها كانت طائفية لبنانية متوازنة، وكانت مختلف الطوائف اللبنانية تجد تعاطفاً شعبياً عربياً، ولم نسمع عن دولة عربية أنها قامت بالتعامل مع اللبنانيين على أساس طوائفهم وانتماءاتهم الدينية، بينما في عهد حزب الله، أقدم الحزب على تصدير فكرة الطائفية إلى خارج حدود الجغرافيا اللبنانية، حيث ظهرت تدخلاته في سوريا والعراق واليمن والبحرين وحتى غزة، وما نعنيه بالضبط أن حزب الله أخرج النزاعات الطائفية الموجودة في لبنان إلى خارج الحدود، بقصد صناعة قنبلة طائفية في عموم المنطقة العربية تنفيذاً لأجندات إيرانية. في الجانب الثاني، قام حزب الله بصناعة أذرع إجرامية امتدت من أمريكا الجنوبية، إلى أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وتحول الى واحد من أخطر عصابات المال والمخدرات في العالم، ما سينعكس في الغد القريب على عموم الشعب اللبناني، الذي تميز بإبداعاته واسهاماته الحضارية حيثما حل المواطنون اللبنانيون. من هنا، إن تفكيك ظاهرة حزب الله المسلحة داخل لبنان، وإسقاط أكذوبة المقاومة، هو عمل لا بد منه. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى