fbpx

هل ينزل الإرهاب من السماء؟

إلى متى تؤجل السلطات الفرنسية و المجتمع المدني البدء الجدي و الحقيقي في محاربة الذين ينشرون الايديولوجية الجهادية و يكونون الإرهابيين في كثير من المساجد و المراكز الاسلامية التي يديرها الإخوان المسلمون و السلفيون ؟ إلى متى يتمادى القوم في معالجة أعراض المرض بدل أسبابه الحقيقية؟

عدم تسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة يزيد من مآسي العالم، يقول الفيلسوف البير كامو، و هو حال الطبقة السياسية في فرنسا التي لا تنظر إلى الاسلاموية على أنها مصنع للأفكار الجهادية بطريقة ملتوية حينا و علنية أحيانا أخرى و لم يع بعد أن الاخوان و السلفية هما قاعة انتظار تعج بمتربصين معبئين بالكراهية يمكن أن يتحولوا إلى قتلة في أية لحظة.

يعمل الاصوليون عن طريق المساجد و المدارس الدينية و حتى النوادي الرياضية و غيرها على كسب ثقة المنحدرين من الثقافة الاسلامية منذ نعومة أظافرهم و يحضرونهم ليكونوا “جند الله” عن طريق ترديد خطاب عدواني ضد الآخر و بترسيخ صراع وجودي و همي ضد الحضارة الغربية في نفوسهم.

تقول الاحصائيات الامنية أن عدد هؤلاء المستعدين لارتكاب أعمال عنف إرهابية و المصنفين تحت علامة “س” يقارب الــــ 13000 حسب المصادر الأمنية من بينهم 2000 من أخطر المتشددين. فمن أين جاء كل هؤلاء؟ أين تكونوا و تأدلجوا ؟ من زرع في نفوسهم التكفير و الكره و بذرة العنف و الارهاب ؟

من السذاجة طبعا ترديد ما يقوله من نصبوا أنفسهم متخصصين في موضوع الاسلام السياسي في فرنسا و لا من نصبوا أنفسهم دعاة و علماء إسلام إذ لم تكن الشبكة العنكبوتية مصدر الارهاب الأساسي و لا الاسلاموية بريئة كما يريدون أيهام الرأي العام . و ربما أكبر خطأ قاتل يرتكب في فرنسا و اوروبا كلها اليوم هو محاولة عدم الربط بين الاسلام السياسي الناشط رسميا في العلن و الارهاب الذي يحصد الارواح في الشوارع. و لئن كانت العلاقة بينهما جلية بديهية، فكثيرا ما تطمس لأسباب كثيرة أهمها الضغط الانتخابي الممارس من قبل الجمعيات الاسلامية على المنتخبين المحليين و حتى على المستوى الوطني كما رأينا في الانتخابات الرئاسية الثلاث الاخيرة في فرنسا. تلك الجمعيات الإخوانية و السلفية التي أوكل إليها بلا روية تسيير شؤون المسلمين في فرنسا، هي التي تعبث و تتلاعب بعقول الكبار و الصغار في المساجد و المراكز المسماة ثقافية و المدارس التي تسيطر عليها.

في كل مرة يرتكب فيها إرهابي جريمة في مدينة فرنسية، يبدأ البحث و التخمينات عن جماعة محتمل أن يكون منتسبا إليها الارهابي كداعش أو القاعدة أو غيرهما، و لكن تبقى تحليلات المعلقين و الخبراء بدون فائدة بل قد تكون مضللة و تبعد الانظار عن حقيقة غدت واضحة للجميع ما عدا الذين لا يريدون رؤيتها : في فرنسا ظهر في ضواحي بعض المدن الكبرى كباريس و بوردو و مرسيليا و ليل و تولوز و ستراسبورغ و غيرها مجتمعا مضادا تنتشر فيه تجارة الممنوعات و ترتكب فيه الجرائم و يلتقي فيه التشدد الديني و الخروج على القانون في نقطة مشتركة هي كره فرنسا.

و قد يجتمع في الشخص الواحد التطرف الديني و الإجرام كما رأينا مؤخرا مع إرهابي ستراسبورغ الذي يجر وراءه أثقالا ثلاث : ” الإجرام، السلفية و حياة السجون”. و هذا لا يعني أن “الاسلاموية ” هي أساسا محاولة لإعطاء الجنوح صبغة دينية و إنما التأكيد على وجود تشابك مصلحي و لوجيستيكي بينهما فبدون علاقات أولية للجهادي مع دوائر الاجرام سيجد صعوبة كبيرة في الحصول على السلاح و ضمان التواطؤ الضروري للمرور إلى الفعل. و من هنا يبدأ التشابك في المصالح و النتيجة ذلك التعايش الخطير بين الايديولوجية الجهادية و الربح السريع من تجارة المخدرات و السلاح و السطو على الاملاك.

ترتفع بعض الاصوات تدعو إلى وضع جميع المتطرفين المصنفين في خانة “س” تحت الاقامة الجبرية أو السجون اتقاء لشرهم!

علاوة على أن القانون لا يسمح بسجن أناس لم يرتكبوا جريمة حتى و إن كنا نعتقد بأنهم سيرتكبونها آجلا أو عاجلا، فهؤلاء ليسوا أفرادا منعزلين بل هم متحصنون داخل جماعتهم الاثنية و الدينية و أي مس أو مضايقة بسيطة لهم، سيعتبر الجميع بأنه مس بحقوقهم كمسلمين و سرعان ما ترفع تهمة الاسلاموفوبيا في وجه كل من تسول له نفسه الاقتراب من نشاطاتهم في الأحياء التي باتت شبه مستقلة و سريعة الالتهاب. ذلك الالتهاب الذي يقض مضجع المسؤولين الفرنسيين و هم يتذكرون انتفاضة الاحياء العنيفة سنة2005 . و هذا ما يستغله الاصوليون و يرهبون به المجتمع الفرنسي منذ ذلك الحين.

و مع ذلك ستشهد فرنسا في الايام القادمة لا محالة نقاشا حادا نظرا لزيادة الاعتداءات المرتكبة من الموسومين بــــــ” س” ( 19 لحد الآن )قد يصل إلى البرلمان ذاته و قد يطالب اليمين و اليمين المتطرف بتغيير القوانين لتتمكن العدالة من التعامل مع هؤلاء المتطرفين بطريقة أخرى أنجع و طبعا سيرفض اليسار و الوسط و الخضر تغيير القانون.

و هكذا يبقى هؤلاء المجرمون بالقوة إلى أجل غير مسمى يستغلون الحقوق التي تضمنها لهم الديمقراطية الغربية و دولة القانون التي يكرهون و التي لا يمكن فيها توقيف مشبوه قبل أن يرتكب الجرم ، و هو ضعف الديمقراطية المزمن المستغل من طرفهم والذي يضمن لهم حرية التحرك بكل اطمئنان و القتل في الوقت المناسب.

يوفر الاخوان و السلفيون السلاح الفكري و الديني و تجار السلاح الكلاشنكوف و الارهابي يقتل بهما معا.

هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى