fbpx

دير الزور مدينة الإسلام الوسطي, وسط تحالف "الحسينية" مع "الزنزانة"، ماتزال المدينة حصناً

وحدة الرصد والاستطلاع في مرصد “مينا” رغم الجهود التي بذلت طوال عقود لنشر التشيع في مدينة ديرالزور الا ان هذا التيار بقي محدودا ومقتصرا على بعض الأشخاص الذين لم يتمكنوا من تشكيل حاضنة شعبية لأفكارهم، و وأجهوا رفض مجتمعهم لهم ، ما جعل النجاحات التي حققها هذا التوجه مقتصره على عدد من المناطق في ريف ديرالزور.. والسؤال: ـ هل ثمة متغيرات تدفع منطقة دير الزور إلى التسيع وقد استعصت عليه في السابق؟

  • قبلهم جمعية الامام المرتضى، وقبلهم “داعش”:

“هي حالة عابرة ومحدودة ، بهذه الجملة تحتزل السيدة مريم ( 42عام)، حقيقة ما يجري في دير الزور، مضيفة أن “المنطقة شهدت العديد من المحاولات لتغيير هويتها ولم تنجح”، وتتابع:”قبلهم حاول النظام علونتها، ففي نهاية السبعينيات غزاها بجمعية الامام المرتضى، وقبلهم حاولت داعش دفعها للظلامية، لكن هذه المنطقة لها هوية سنية وسطية واضحة ومعروفة ومستقرة داخل الوعي الجمعي لدى غلبية سكانها ولن يستطيع أحد تغييرها”. تتابع السيدة موضحة أن مدينة ديرالزور تشهد عملية مدروسة لنشر التشيع فيها منذ عقود، معيدة ذلك الى اكثر من( 4 )عقود عبر بعض الشخصيات الفكرية المعروفة، لكنها توضحت بشكل جلي في ثمانينيات القرن الماضي عبر افتتاح جمعية الامام المرتضى في ديرالزور عام 1982 والتي تعتبر فرعا لجمعية سورية تحمل ذات الأسم مركزها في مدينة القرداحة ويشرف عليها جميل الأسد الأخ الشقيق للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وعم الرئيس الحالي بشار الأسد، والتي كانت تعمل على نشر التشيع تحت ستار العمل الثقافي والإسلامي والمساعدات الأنسانية” . تؤكد مريم، التي كانت تعمل مدرسة لمادة التربية الدينية في ديرالزور، أن هناك بعض الشخصيات ذات البعد الثقافي والاجتماعي حاولت ايضًا دعم التشيع في المدينة و بينهم (عمار الشبيب ) الذي قدم نفسه كباحث اسلامي، وعدد من الأفراد من عائلة (العرفي) الذين عرف عنهم صلتهم القوية بالنظام ، وبعضهم حاول التواصل معها واقناعها بالعمل معهم مقابل دعمها ماديا وتقديم تسهيلات امنية لها ، لكنها رفضت ذلك . وبحسب هذه السيدة فإن هذه المحاولات بقيت مطوقة ومعزولة ومرفوضة من معظم اهالي المدينة حيث تمت مواجهتها والتصدي لها اجتماعيًا ودينيًا .

  • اختراقات في مناطق البؤس:

حديث هذه السيدة أكده معظم من تواصل مرصد الشرق الأوسط معهم، كما أشارت اليها عدد من الدراسات والأبحاث المنشورة عن التشيع في ديرالزور، وبخاصة دراسة الأستاذ خالد السنداوي وعدد من المقالات الصحفية وهذا ايضًا ما أكده الباحث الاجتماعي طه العبيد مشيرًا أن فشل التمدد الشيعي داخل المدينة، قابله بعض الاختراقات في ريف ديرالزور الذي يعتبر منطقة سنية رغم ان الدعوة الى التشيع وجدت بعض المرحبين بها والقابلين لها من الأهالي في مناطق ريفيه فقيره مثل الجفرة، وابو خشب، وزعيتر، والصعوة، حيث توزعت حوالي 5حسينيات في هذه القرى، اما ابرز القرى التي أنتشر فيها التشيع فقد كانت قرية حطلة التي يصل عدد سكانها لحوالي 30الف نسمة و وصلت نسبة المتشيعين بينهم الى 10% حسب تأكيدات الأهالي وفق ما نشره الأستاذ السنداوي في دراسته عن المنطقة، ما يعني أن قرابة 3000 فرد فقط من القرية التي كانت أحدى نقاط الارتكاز، استجابوا للتشيع، وهي قرية غزاها ابرز دعاة التشيع المحليين وهم (ياسين المعيوف –حسين الرجا –ابراهيم الساير )الذين كان لهم دور اساسي في عملية استقطاب الاهالي المحليين بعد أن تم دعمهم ماليًا وجمعتهم علاقات جيده مع المستشارية الأيرانية والسلطات السورية ، وكان أن وتركز نشاطهم على محاولة اختراق شيوخ العشائر واستقطاب الاهالي، عبر إقامة الولائم وتقديم المغريات المادية .

  • عشر آلاف من أصل 1,239 قبلوا بالتشيع:

ورغم النجاح (المحدود) الذي حققه ’”الساير والرجا والمعيوف’” خلال اكثر من 20عام في نشر التشيع وتحديدًا منذ عام 1982 بداية وجود جمعية المرتضى في حطلة والتي اشرف عليها طه ياسين المعيوف الذي وبحسب عدد من الأهالي كان قد تشيع قبل ذلك بفترة قصيره الا انهم لم يتمكنوا من استقطاب اسماء بارزة ، كما لاتوجد اعداد واضحة لمن استجاب الى دعوتهم ، رغم التقديرات المختلفة التي لاتصل في افضلها الى 10 الاف شخص في كامل محافظة ديرالزور التي وصل تعداد سكانها الى 1.239.مليون عام 2011 . جسور التواصل : وبحسب العبيد فإن تيار التشيع رغم فشله في مدينة ديرالزور الا انه استمر في نشاطه معتمدًا على افتتاح المكتبات ومنها مكتبة القران الكبير ، ومكتبة بحر العلوم، ونشر عدد من بسطات بيع الكتب في مناطق حيوية من المدينة محاولة بناء جسور لتواصل مع مثقفي المدينة وخاصة الشباب لنشر هذا الفكر، وتعمل هذه المكتبات والبسطات بحسب طه العبيد على جذب الناس عبر بيع كتب متنوعة باسعار رخيصة فضلا عن توزيع كتب ومطويات تحمل الفكر الشيعي بشكل مجاني . مرحلة جديدة: كما استخدم المال لجذب الاهالي داخل المدينة حيث كانت هناك مبالغ مالية يتم تحويلها بصورة منتظمة الى المنطقة بحجة تنظيم نشاطات وفعاليات اسبوعية وشهرية ثقافية ودينية وايضًا للاحتفال بالمناسبات الدينية الشيعية كأربعين الحسين وعاشوراء وغيرها وايضًا ليتم توزيعها كمرتبات شهرية على المنتسبين الجدد حيث وصلت المبالغ التي يتم توزيعها في عام 2009 على كل منتسب جديد الى 5000ل.س شهريا اي ما يعادل 100$ في ذلك الوقت، وبحسب عدة مصادر فان المستشارية الايرانية لم تكن المصدر الوحيد لهذه الأموال بل كانت هناك اموال تحول بشكل شهري من الخليج عبر وسطاء وهذا ما أكده الأستاذ خالد السنداوي في بحث نشره عن التشيع في منطقة في بدايات 2013 .

  • مال خليجي لـ “معيوف” و “الرجا”:

الباحث السنداوي يؤكد إن هناك شيعيا من منطقة الخليج يصل إلى دير الزور مرة في الشهر، ويحمل معه أموالا ليست من مستشارية طهران في دمشق، مع وجود احتمال قوي بأن الرجل يعمل بالتعاون مع المستشارية. ويعطي هذا الشيعي المال لـ”معيوف” و”الرجا” ويحدد لهما كيفية التوزيع على كل المتشيعين. لكن الأوضاع تغيرت مع منتصف العام 2011 وحيث اخذ المتشيعون في المدينة بالرحيل الى دمشق وتناقص اعداد المدنين داخل مدينة ديرالزور رغم تركز اغلبهم في مناطق النظام الا ان الدعوات الى التشيع شهدت انتقالا الى مرحلة جديدة وخاصة مع قدوم المليشيات الشيعية برفقة النظام والتي كانت تظهر طابعها الشيعي بشكل اوضح ، معتمدة على عدم قدرة أحد على معارضتها أو التصدي لها في ظل سطوة امنية وسيطرة من الميليشيات الشيعية الموجوده في المنطقة . ويضيف العبيدي أن نزوح قسم من أتباع النظام إلى داخل المدينة وبينهم الكثير من شيعة حطله والجفرة وقرى أخرى أسهم في تواجد مجموعات شيعية محلية داخل المدينة تمارس الشعائر الشيعية لكن هذه المجموعات لم تستطع الأندماج مع اهالي المدينة كما يؤكد العبيدي بسب الحاجز الموجود اصلا بين ابناء الريف والمدينة في ديرالزور وبسب عدم تقبل الناس لأفكارهم وشعارهم “كانوا محط السخرية والرفض، لكن الخوف من صلاتهم الامنية ابقى تلك السخرية بشكل غير معلن “.

  • رفض غير معلن :

بدوره أبو محمد ( 50عام )، وهو إمام أحد المساجد في مدينة ديرالزور يؤكد أن انتشار التشيع داخل المدينة لايزال محدودًا رغم ان هناك العديد من الأهالي الذين يبدون مظاهر التشيع لكنه لايزال محصوراً بفئات معروفة واشخاص معدودين بمن فيهم منتسبو المليشيات الشيعية الموجودة في المدينة، وهو يقول لمرصد الشرق الأوسط ’:”من خلال كلام الناس تستطيع ان تعرف أن مثل هذه المحاولات ستجد مقاومة من المجتمع ” ويؤكد أن الاغلبية رافضة تغيير مذهبها وعقائدها، ووهو يعيد تقرب البعض من القائمين على التبشير الشيعي إلى ” الأوضاع السيئة التي تمر بها سورية” . موضحاً انه وخلال تنقله بين المدن والقرى في المنطقة الشرقية، لمس مدى عزلة الشخصيات التي تعمل على نشر التشيع، ليضرب امثله على شخصيات عشائرية كانت تتمتع بالشعبية والاحترام، الا انها فقدت تقبل الجمهور العام لها، واصبحت محط سخريتهم وأحتقارهم على حد تعبيره، والرجل يحدد مثالاً، ومثاله كان “نواف البشير ” أحد مشايخ قبلية البقارة وأحد الوجوه المعروفة اجتماعيا وسياسيا في المدينة والريف الذي وبحسب ابو محمد فقد حاضنته الشعبيه نتيجة علاقاته مع ايران والنظام ومظاهر التشيع التي أخذ يبديها حتى وإن كانت تزلفًا للسلطة وتقربا منها قائلا ’’حتى المسؤولين والمشايخ والأوقاف مضطرين (لتمسيح الجوخ) للحفاظ على أمنهم ومناصبهم لكنهم في مجالسهم الخاصة يرفضون التشيع ويحاربونه”. ويؤكد أبو محمد أن الحساسيات التي زرعت خلال السنوات السابقة تجاه التشيع و الافكار السلفية التي انتشرت خلال السنوات السابقة فضلا على تمسك الاهالي بمذهبهم السني وعقيدتهم الاشعرية شكلت حاجزا يمنعهم من قبول تلك الافكار الدخيلة على المجتمع في الشرق السوري / قائلا “سينفقون أموالهم ثم تكون عليهم حسرة ” في اشارة منه الى أن كل الجهود التي تبذل لنشر التشيع في المنطقة ستذهب هباء. وكانت الحكومة الايرانية قد ارسلت كميات من المساعدات الغذائية والطبية الى ديرالزور وريفها منذ سيطرة قوات النظام على مدينة ديرالزور في منتصف الشهر 11-2017 كما ان هذه المساعدات قد شهدت ارتفاعا متزايد مع تقدم قوات النظام والمليشيات المساندة لها في ريفي ديرالزور الشرقي والغربي .

  • الخطر الحقيقي :

أكد عدد من الناشطين أن ريف ديرالزور الشرقي يشهد محاولات متزايدة من قبل المليشيات الشعية الموجودة فيه لنشر التشيع خلال العام الماضي . حيث ان مليشيات حزب الله السوري وحركة الفاطميون وحركة النجباء ولواء الباقر ولواء القدس، لاتزال تنتشر في محافظة ديرالزور وتحتفظ بمقار وحواجز خاصة بها ودون اشراف النظام السوري خاصة على الحدود السورية العراقية . كما أن تلك المليشيات وبحسب النشطاء تلجأ الى اغراء الاهالي عبر تقديم المرتبات المالية والمساعدات لتطويعهم ضمن صفوفها واقناعهم بأعتناق المذهب الشيعي الاثنى عشري . وبحسب علي ( 34عام) وهو من قرية حطلة في محيط مدينة ديرالزور فان الحكومة الايرانية والمليشيات العراقية لجأت الى بناء المزارات الشيعية في المنطقة ومنها (مزار عين علي) في قرية القورية وايضا الى ترميم الحسينيات القديمة الموجودة في المنطقة والتي كانت قد فجرت على يد بعض الفصائل قبل عام 2013 . كما أنها تعمل على بناء حسينيات جديدة وتسيير ما يطلق عليها مواكب حسينية (وهي مسيرات من اللطم والبكاء وبعض المشاهد التمثيلية لمقتل الحسين ) في بعض القرى والمدن على الحدود العراقية ، قائلا ” أنهم يحاولون تغير افكار الناس وحياتهم الاجتماعية وعاداتهم وتعويدهم على ممارسة الشعائر الشيعية” . ويشير علي أن المستشارية الايرانية تحاول استغلال العمل الإنساني لتمرير مشروعها الشيعي عبر المساعدة في ترميم بعض المدارس والنقاط الطبية وتقديم وعود لسكان المنطقة بأنشاء جامعة في المنطقة فضلا عن المساعدات المالية والغذائية والطبية وتقديم منح دراسية لطلبة ,وايضا تعليم اللغة الفارسية وتقديم منح للسفر الى ايران لإستكمال التعليم الجامعي . ويرى هذا الشاب ان مثل هذه المغريات ربما تؤثر على الناس خلال الفترة الحالية مرجعا ذلك الى حالة الفقر والعوز التي تشهدها المنطقة وايضا الى رغبة الاهالي للشعور بالامان ’’الناس تحاول تتجنب شرور المليشيات والنظام ’’ , معتقدا أن توسع التشيع سيكون أكبر خلال الاعوام القادمة وخاصة في ريف ديرالزور مع كل الدعم الذي يلقاه هذا التوجه من قبل ايران والمليشيات التابعة لها وأيضا من المليشيات العراقية و بغطاء من النظام قائلا ’”أنهم خطر حقيقي فهم يعملون في بئية خصبها الخوف و الجهل والحاجة وردود الأفعال تجاه داعش وبغطاء من السلطة “. ثنائية الجهاز الأمني والحسينية، لم تستطيعا تشييع دير الزور، مدينة الإسلام الوسطي.. هذا حال المدينة وسط مخاطر ماتزال ماثلة. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى